ثقافةمانشيت

لمحةٌ عن الطّباعة والمطابع

الطباعة أو PRINTING)) بالإنجليزيّة وهي طبع الكلمات والصّور والتّصميمات فوق الورق أو النسيج أو المعادن أو أيّة مواد ملائمة للطّبع فوقها, وتسمّى بفنّ الجرافيك.

والطباعة لها تاريخٌ قديمٌ جدّاً, وقد عُرفت عند البابليين حيث كان يجري الختم بالحجر, وكان تستخدم هذه الطّريقة عوضاً عن التّوقيع على المستندات والوثائق والمعاهدات أو كرمزٍ دينيٍّ, وأداة الطّبع  كانت عبارةً عن أختام من الطّين أو الحجر يتم نقش سطحها برسمةٍ أو شعارٍ, وكان يستخدم الطين السائل أو الصبغة السائلة للطباعة بدلاً من الحبر.

ويُعتبر العالم الفرنسي (جوزيف نيسفورنييس) أول من طبع صورةً فوتوغرافيّةً في العالم وذلك سنة 1826.

عَرِفَ العرب الطّباعة بطريقة القوالب الخشبية التي أخذوها عن الصينيين, وكان ذلك بعد ظهور الإسلام بثلاثة قرونٍ أي في الفترة من عام 900 إلى عام 1350م, وعند ظهور الطّباعة الحديثة في أوروبا قام مارتن روث عام 1486م بإنشاء أوّل حروف طباعة عربيّة, أمّا أول مطبعة حديثة في المنطقة كان ظهورها في تركيا سنة 1727م, ولكن كان طباعة القرآن الكريم  بواسطتها أمراً ممنوعاً, وفي سوريا ظهرت أوّل مطبعةٍ في مدينة حلب ثم تمّ نقلها إلى دمشق في عهد الاحتلال العثماني.

أمّا في مصر فقد أنشأ محمد علي أول مطبعةٍ سنة 1819م, وهي مطبعة بولاق وما زالت موجودةً حتّى الآن.

وتعود أسباب تأخّر ظهور المطابع في الشّرق الأوسط والبلدان العربيّة إلى الدّولة العثمانيّة المحتلة الّتي كانت تحتلّ معظم المنطقة وتفرض الجّهل والتّخلّف على شعوبها, وأبرز تلك الأسباب كانت:

– تركيا العثمانيّة كانت تعتمد في سياستها على نشر الجّهل والتّخلّف في البلاد الّتي كانت تسيطر عليها لتتحكم في شعوبها بسهولة وبذلك تمنع التّمرّد عليها والثّورات ضدّ حكمها لأنّها كانت تعلم أنّ العِلمَ يتعارض مع سياستها, لذلك عمدت إلى حجب مظاهر الحضارة والتّقدم عن شعوب المنطقة.

– التأخير المتعمد في طّباعة الحروف العربيّة.

– تردّد الأتراك في طباعة الكتب حتّى صدور فتوى دينيّة بذلك.

الطباعة في روج آفا

اعتُبرت منطقة شمال سوريا نائيةً في نظر الحكومات الّتي حكمت سوريا, وذلك بسبب الحساسيّة الدّيمغرافيّة وطبيعتها السّياسيّة (ذات غالبيّة كرديّة مضّطهدة), واعتُبر ساكنو المنطقة مواطنون من الدّرجة الثّالثة من حيث القيمة وحقوق المواطنة السّياسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة, فلم تُنشأ فيها جامعاتٌ ولا مصانع ولا معامل ولا دور طباعة, ومُنعت اللغة الكرديّة تحت بند الجريمة السّياسيّة, وحاولت الحكومات المتعاقبة على سوريا طمس اللغة الكرديّة ومحوها من خلال تعريب النّظام التّعليمي وفرض اللغة العربيّة وإزالة المسمّيات الكرديّة عن المدن والبلدات والقرى في المنطقة, ومنع تسمية المواليد بأسماء كرديّة, ومنع الأحزاب الكرديّة, وكان المطبوعات الكرديّة تُطبع وتُوزّع بشكلٍ سريٍّ للغاية, وكانت تُطبع بوسائل بسيطة, وكانت عبارةً عن نشرات من صفحة أو صفحتين, والخلاصة كانت هناك محاولاتٌ لتعريب المنطقة الكرديّة.

ولكن مع بداية الثّورة في روج آفا وإعلان الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة في شمال سوريا, تطوّرت وتقدمت الصّحافة والثّقافة في المنطقة وتعدّدت المطبوعات بجميع لغات مكوّنات المنطقة من صحفٍ ومجلّات وكتب, وأُنشئت دور الطّباعة في معظم مدن الشّمال السّوري الّتي تَطبع الصّحف والمجلّات فأصبحت المطبوعات في متناول جميع فئات الشّعب, ّوافتتحت دور النّشر وانتشرت حريّة الصّحافة والحريّة الثّقافيّة, كما تشكّلت منظّمات واتّحادات ثقافيّة مثل (اتّحاد المثقّفين واتّحاد الإعلام الحرّ واتّحاد كتّاب روج آفا).

أمّا بالنّسبة للمطابع فقد باتت مثل خلايا النّحل من ناحية العمل, لتعدّد الصّحف والمجلّات الأسبوعيّة, وكذلك المناهج المدرسيّة الجّديدة الّتي أقرّتها الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة, والّتي تُطبع بعدّة لغات.

ولتسليط الضّوء على عمل المطابع توجّهنا إلى مطبعة سيماف في قامشلو, والتقينا هناك مع نرمين أحمد من قسم المحاسبة في المطبعة, والّتي تحدّثت لنا عن عمل المطبعة قائلةً:

تأسّست مطبعة سيماف منذ 8 سنوات, والمطبوعات الّتي تُطبع هنا هي الصّحف والمجلّات والكتب والفواتير, وأحياناً البروشورات, والمادة الّتي يُراد طباعتها يتم إيصالها إلى قسم التّصميم حتى يتمّ تجهيزها للطّباعة, والطّباعة تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على البلاكات الّتي توجد في مطبعتنا حصراً بالنّسبة لباقي المطابع في مدينة قامشلو, ويتمّ تنزيل التّصميم على البلاكة ومنها إلى المكنات الّتي تقوم بطباعة المادّة, والعمل الآلي في المطبعة يقتصر على الطباعة والقص فقط, وباقي الأعمال من فرز وتجميع وتغليف يتمّ يدويّاً عن طريق العمّال والعاملات هنا في قسم التّجميع.

وعن الصّعوبات والمشاكل الّتي تعرقل عمل المطبعة أوضحت نرمين:

نعاني من عدم توفّر الاختصاصيّين والخبراء في مجال الطّباعة, والأعطال الّتي تُصيب المكنات أحياناً لا يتمّ إصلاحها لشهورٍ, وذلك بسبب عدم توفّر قطع التّبديل في الأسواق المحليّة مما يضّطرنا إلى استيرادها من الخارج, والكلّ يعلم أن شمال سوريا يعاني من الحصار الاقتصادي من قبل الدّول الّتي تتشارك معها الحدود, لذلك استيراد قطع التّبديل يأخذ وقتاً طويلاً جدّاً ممّا يجعلنا نقوم بإصلاح الأعطال بطرقٍ بدائيّةٍ, وهذه المشاكل تتسبّب في انقطاع إصدار الصّحف والمجلّات في مقاطعة قامشلو لشهورٍ أحياناً.

وتابعت نرمين: المطابع الموجودة في إقليم الجّزيرة بالإضافة إلى مطبعة سيماف, هناك مطبعة هركول في ديريك, وافتُتحت مطبعة في رميلان وهناك مطبعة قيد الافتتاح في القسم الغربي من قامشلو.

والصحف الّتي تُطبع هنا يبلغ عددها 20 صحيفة منها الحزبيّة ومنها التّابعة للهيئات والمؤسّسات, وأكثر الصّحف طبعاً هنا من حيث العدد هي صحيفة روناهي الّتي تصدر مرتين في الأسبوع, تليها صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي الأسبوعيّة, وأيضاً هناك حوالي 15 مجلّة شهريّة تُطبع هنا, أمّا المناهج المدرسيّة فيتمّ طباعتها في مطبعة هركول بديريك.

واختتمت نرمين حديثها بالقول:

يوجد هنا 45 عامل وإداري, وبالرّغم من أنّ المطبعة تُعتبر مؤسّسةً منتجةً, فالرواتب هنا منخفضةٌ مقارنةً مع ساعات العمل والجّهد, ونطالب من خلال صحيفتكم أن تتناسب رواتب العاملين هنا مع رواتب الإدارة الذّاتيّة.

حاولنا إلقاء بعض الضّوء على الطّباعة لأنّها تُعتبر شيئاً جديداً دخل على الحياة الاجتماعيّة في منطقتنا, فخلال ثماني سنوات من عمر الأزمة السّوريّة بقيت النّواحي الخدميّة تتراوح في مكانها, ولكن النواحي الفكريّة والثّقافيّة والوعي قفزت قفزاتٍ نوعيّةٍ نحو الأمام, وباتت وسائل الإعلام المرئيّة والمطبوعة مرآةً لواقعنا, وازداد عدد الكتّاب والقرّاء, وبتنا نحتاج إلى عددٍ أكبر من المطابع في المنطقة.

إعداد: عامر طحلو

زر الذهاب إلى الأعلى