مقالات

لماذا يحارب أردوغان مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة؟

جوان محمد

وهل ستحميه عباءة الدّين من عاصفة الدّيمقراطيّة؟

ماذا يحصل عندما يُستخدم الدّين كوسيلةٍ لتحقيق الأهداف السّياسية للحاكم؟

وإلى أيّة درجةٍ من الخضوع يصل المجتمع في ظلّ تصوير الحاكم لنفسه على أنّه شخصٌ تقيٌّ وعادلٌ ومؤمنٌ يدافع عن الدّين, بينما يقضم الحريّات والحقوق عن طريق هذا الأمر؟

وما هو دور الجّهل والعادات البالية والتّرهيب باسم الدّين في تحقيق سياسات الإخضاع والخنوع والأهداف السّياسيّة للحكّام؟

سياسات الدّولة العثمانيّة إبّان احتلالها للمناطق العربيّة كانت تعتمد على كل ما ذُكر آنفاً, وهذه السّياسات بالإضافة إلى بساطة وعفويّة المجتمعات في منطقة الشّرق الأوسط كانت العوامل الأهم الموسّعة لرقعة الدّولة العثمانيّة, وتصوير سلاطين هذه الدّولة كخلفاء للرسول جعل من طاعتهم طاعةً عمياء أمراً ربّانيّاً, ومن يخالفهم يُعتبر كافراً ومرتدّاً يُستوجب القصاص منه ويُستحلّ دمه.

وبدأت معارضة الاحتلال العثماني في المناطق التي احتلوها عندما نظّم الناس أنفسهم في تنظيماتٍ وأحزابٍ سياسيّة وخاصّةً في سوريا, فما إنّ بدأ فكر الناس يفصل بين الدين والسّياسة, حتّى أدركوا أن الدّولة العثمانيّة ما هي إلّا احتلالٌ ينشر الجهل والتّخلف, وتستخدم الدّين لترسيخهما من أجل زرع الخوف والخنوع في نفوس الناس, واستحلال قتل وإعدام وخوزقة كل من يعارضها بأمرٍ وفتاوى دينيّة لترسيخ سياستها.

واليوم نرى حفيد العثمانيّين أردوغان يحنّ إلى تلك الأيّام, فهو يحمل القرآن في أغلب لقاءاته الإعلاميّة, ويصوّر كلّ من يعارضه على أنّهم يعارضون الإسلام, ويُكفّر كل من يقف بوجهه, ومن رأى صور قصره من الدّاخل والخارج, يظنّه قصراً من قصور حكايات ألف ليلة وليلة, أو قصر فرعون.

وهو من قال إنّ أكبر غلطةٍ في تاريخ تركيا كانت إلغاء الخلافة وإعلان الجّمهوريّة.

مَن قرأ أو اطّلع على حياة وعادات الكرد في تركيا, وخاصةً في مناطق جنوب شرق تركيا, يجد أنّهم أناس بسطاء نشرت الحكومات التّركيّة المتعاقبة الجّهل في مناطقهم, وسلّطت على رقابهم السيوف, ونعرف بعض أئمة الجوامع السّوريّين أو بعض المتديّنين الّذين هاجروا إلى تلك المناطق في بداية الأزمة السّوريّة, فتمّت معاملتهم كأنهم أولياء وصحابة, حيث وهبهم النّاس هناك منازل مجّانيّةً وأموالاً لا تُعد ولا تُحصى, حتى أنّ بعضّهم قدّمت لهم الفتيات كهدايا, ويتبيّن لنا مدى بساطة المجتمع هناك, هذا هو حال المناطق الكرديّة المهمّشة والمضّطهدة في ظلّ سياسات الدّول الغاصبة للأراضي الكرديّة.

لماذا يحارب أردوغان حزب الشّعوب الدّيمقراطي

النّهضة والتّطور السّياسي, والمساواة بين المرأة والرّجل, وانتهاج فكر وفلسفة أخوّة الشّعوب والتّعايش المشترك, ومحاربة الفكر القومي, وإدراك الكرد المنظّمين سياسيّاً بأنّهم مضّطهدون وممنوعون من ممارسة حقوقهم الثّقافيّة ويتم تهميشهم, كلّ هذا جعل أردوغان وأسلافه في الحكومة التّركيّة يعادون هذا الحزب ويلصقون به تهمة الإرهاب, لما تشكّله مبادئ هذا الحزب من خطرٍ على أحلامه في إعادة إنتاج الامبراطوريّة العثمانيّة, لذلك فهو اعتقل معظم قادة هذا الحزب بتهمٍ وهميّةٍ تتعلّق بالإرهاب, مصوّراً إيّاهم كمجرمين في نظر العالم, ومعتمداً على الفكر الشّوفيني  الإلغائي لمناصريه من القوميّين المتشدّدين الأتراك الّذين ذبحوا الأرمن والسّريان من قبل, ولذلك قصف القرى والبلدات الكرديّة في باكور كردستان وارتكب المجازر الجّماعيّة الممنهجة بحقّهم.

وامتدّت عداوته للكرد لتعبر الحدود, فتوجّه لمحاربتهم في سوريا لأنّهم تبنّوا مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة المستند إلى أخوّة الشّعوب والتّعايش المشترك (نفس مبادئ حزب الشّعوب الدّيمقراطي), والّذي يناسب جميع المكوّنات السّوريّة, والتفّت جميع هذه المكونات حول هذا المشروع, وبفضل التّضامن والتآلف والمصير المشترك تمّ تحرير الشّمال السّوري من الإرهاب الدّاعشي المدعوم والمدفوع تركيّاً, وبات أردوغان مستعدّاً أن يتنازل عن اسطنبول للدّول العظمى أو حتّى للنظام السّوري الّذي ادّعى محاربته في سبيل إفشال هذا المشروع الدّيمقراطي الأول من نوعه في الشّرق الأوسط (مشروع الأمة الديمقراطية), وباعتراف الكثير من دول العالم بملاءمة هذا المشروع لتطوير الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة, والقضاء على الظّلم والاستبداد, وتحقيق آمال وطموحات كافّة شرائح ومكوّنات وأطياف وأعراق المجتمعات الشّرق أوسطيّة, والسّبب الرّئيسي لمعاداة أردوغان للكرد هو وراثيٌّ, توارثه عن أسلافه العثمانيّين, وبتصويره للكرد على أنّهم كفّار, جمع حوله كل الجّهاديّين المتخلّفين والّذين لا يفقهون من الدّين شيئاً غير التّشدّد والعنف, ووعدهم بالحوريّات والجنّة, وقادهم لارتكاب المجازر في شنكال وكوباني وعفرين حاملاً بيده مصحفاً وباليد الأخرى سيفاً, ورغم ذلك وعلى مدار سبع سنواتٍ مضت, يتّجه المشروع الكرديّ في شمال سوريا نحو الأفضل, وذلك لأنّه أثبت للجّميع أنّه الحلّ الوحيد والأنسب لضمان  استقرار سوريا, والنّظام السّوري الّذي رفض على مدى ثماني سنوات أن يفاوض أو يجلس مع من يسمّون أنفسهم معارضةً سوريّة, ووصفهم بأنّهم ثلّةٌ من الإرهابيّين, ومعروفٌ أنّه لن يتخلّى عن الحكم المركزي لسوريا, أُجبِر على دعوة ممثّلي شمال سوريا للتّفاوض معهم, لإدراكه مدى قوّة وسرعة تقبّل مشروع الشمال السّوري سوريّاً وعالميّاً, ولأن انتهاج الخط الثّالث بعيداً عن المعارضة والنّظام أثبت نجاحه ليكون الخيار المناسب لتطلّعات الشّعب السّوري.

وأردوغان الآن غريقٌ بالمشاكل الدّاخليّة والخارجيّة, ومتى وصل إلى مرحلةٍ يضطر فيها إلى سحب يده من المسألة السّوريّة ستحلّ الأزمة في سوريا, وستبدأ الأزمة في تركيا وسينشغل أردوغان وأتباعه بحلّ مشاكلهم.

زر الذهاب إلى الأعلى