المجتمعمانشيت

لا للعنف ضد المرأة بكل أشكاله

العنف أشكاله عديدة ومتنوعة، ولا يجوز لنا حصر العنف ضد المرأة فقط بعملية الضرب فإذا شقَقْتَ عن قلب امرأة؛ هو وحده الكفيل بحصر أشكال وأنواع العنف الممارس ضدها سواء من قبل الرجل أو المجتمع أو مؤسساته المدنية والقضائية؛ فحتى العَبَسَ في وجهها دون ما يستدعي ذلك هو تعنيفٌ مبطنٌ لها بالنسبة إليها، وقِسْ على ذلك تصاعد درجات العنف ضدها إلى أن يصل حد القتل.

إن العنف الممارس ضد المرأة يكمن من خلال فعل عنيف، أو أذى أو معاناة تتعرض لها النساء، سواء من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة، فمنذ القِدم والمرأة تتعرض للعنف والاضطهاد لكونها اُنثى، فالعنف الممارس من قبل الزوج والأب والأخ تتمثل بالذهنية الذكورية السلطوية المنتشرة في مجتمعنا منذ الأزل، حيث يسيطر فيه الرجل وبشكل رئيسي على كافة مجالات الحياة، فإذا تناولنا العنف الممارس من قبل الشريك أي الزوج فهو يعتبر أشد أنواع العنف الممارس بحق المرأة بل انتهاك واضح لحقوق الإنسان وله آثار مدمرة على صحتها وذلك إثر حدوث ضرر جسدي أو نفسي لا تزول أثاره سريعاً، إذ ينعكس هذا على حياتها ومستقبلها وعلاقتها بالمجتمع ويمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة، وله عواقب خطيرة لا تقتصر على المرأة فقط، بل تؤثر في المجتمع بأكمله، لما يترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية خطيرة، وبما أن المرأة تشكل نصف المجتمع ولديها الحق في العيش بعيداً عن الخوف والظلم؛ فإنهاء العنف بحقها ليس خياراً بل يجب أن يكون التزاماً لتصبح جزءاً لا يتجزأ من المجتمع من خلال الجهود المشتركة والمساواة بينها وبين الرجل ومنع جميع أشكال العنف ضدها والوقوف إلى جانبها بل إعطائها الأفضلية في جميع أمور الحياة الزوجية لأنها بنصفها الأول من المجتمع هي التي تنجب وبنصفها الثاني هي التي تربي وتُخرِّج الأجيال من مدرستها المليئة بالعواطف والأحاسيس والمشاعر والأخلاق الحميدة لتغرسها في أبنائها، وهي المدرسة الأخلاقية ورافعة الأجيال الصاعدة، لذا علينا دائماً أن نعمل كيف نستطيع  بجميع الجهود منع هذا العنف.

وسنتناول في تقريرنا هذا نوعاً من أنواع العنف القاسي والأشدُّ من القتل ضرراً على المرأة نفسياً وهو “حقّ المرأة بحضانة أولادها ” والذي ينازعه عليها الزوج دون أي وجه حق، لذا يمكن اعتبار منازعتها في حق الحضانة وسيلة وأداة من أدوات فرض السلطة الذكورية التي يمارسها الرجل على المرأة بل نوع من أنواع ابتزاز للمرأة واغتصابها نفسياً، حيث غالباً ما يُستخدم الطفل كأداة إما لكسر إرادة المرأة وإرغامها على تنازلات كثيرة، على الرغم من أن كل أم تحلم بالقيام بدورها الإنساني الراقي في تربية وتنشئة الأبناء، لترى ذلك اليوم الذي يكون فيه هؤلاء الأبناء قد بلغوا أعلى المراتب وأفضلها بعد أن بذلت من أجلهم الغالي والرخيص، وبعد أن قدمت التضحيات في سبيل تعليمهم وتنشئتهم التنشئة السليمة التي تسعى إليها، ولكن لا تلبث أن تجد الأب الذي تركها وحيدة تُجاهد بمفردها يطالبها بتسليمه الصغار، وإن لم تقم بذلك ودياً تبدأ التهديدات باللجوء إلى القضاء لإجبارها على تسليمهم لأبيهم، وانطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية التامة تجاه المرأة وتحقيقاً لأهداف نضالنا انطلقت مراسلة صحيفة الاتحاد الديمقراطي للقاء العديد من أولئك النسوة ليسردن حكاياتهن ومعاناتهن، والدموع تنهمر كالشلالات على خدودهن.

 لنستمع إلى هذه المرأة التي وللأسف فضلت عدم ذكر اسمها خوفاً من المحيطين بها.

تقول هذه الفتاة الشابة: حقيقة لا أعلم لماذا طلقني زوجي وإلى الآن لم أجد السبب المقنع لذلك رغم أنه لم يمض على زواجنا أكثر من ثلاثة أشهر. انفصلتُ عنه وأنا أحمل في أحشائي طفلاً منه، وتركني وغاب ولم يسأل عن الحمل مطلقاً، وفي هذه الفترة تحملتُ الأعباء والأوجاع في بيت أبي الذي لم يبخل علي بشيء حتى النهاية إلى أن أنجبتُ الطفل وتربى وترعرع على يدي في أهنئ عيش ودلال، ولم أفكر يوماً بأن الطفل الصغير ومسألة حضانته ستكون كابوساً مدمراً لحياتي، خصوصاً أننا في إدارتنا الذاتية التي جعلت من المرأة تشعر بكينونتها وتعرف حقوقها ــ واغرورقت عيناها بالدموع ــ لم أكن أعلم أن طفلي الذي تغذى على دمائي وترعرع على نخاع عظامي وتحمَّلتُ آلام مخاض ولادته سيكون سبب ذهابي وإيابي إلى المحاكم مراراً.

الآن عمر ابني لا يتجاوز العشرة أشهر وهو يرضع من صدري رضاعة طبيعية، بأي قانون وأي تشريع يطلب مني ابني؟ وأي أبٍ هذا الذي أشبع نزوته الحيوانية في ليلة ما ولم يسأل عن ابنه طيلة هذه الفترة؟؟ لا يوجد أي قانون أو شريعة أو دين يمنع طفل رضيع من صدر أمه، ومع هذا كله يبقى الأب مصر على موقفه العدائي والانتقام مني  وأخذ الطفل، رغم كل محاولات حل المسألة بالتراضي بيننا من قبل العائلة والأهل لم تجدِ نفعاً مما اضطررنا اللجوء إلى القضاء في الإدارة الذاتية الديمقراطية، رغم أن قضيتي ومسألة حضانة طفلي لا تحتاج إلى محاكم وقوانين وتشريعات جديدة للفصل فيها، وهذا ما زاد الأمر تعقيداً، وهكذا هو الحال منذ شهور إذ يستخدم طليقي طفلي الرضيع كأقسى طريقة عنف ضدي.

تقول امرأة أخرى: للأسف أن مجتمعنا الشرقي ينظر إلى المرأة المطلقة كأنها جانية أو مرتكبة لفعل شنيع يستحق العقاب، وهم يعاقبونها حقيقة بالافتراءات والأقاويل التي لا تمت للحقيقة بشيء، وكل ذلك بسبب العادات والتقاليد البالية التي جعلت من المرأة سلعة تشترى وتباع ومسلوبة الإرادة حتى في تقرير مصيرها وشريك حياتها،

وتابعت: أنا مثلاً تزوجت تحقيقاً لرغبة والدي، وفي الحقيقة لم يكن باستطاعتي رفض الزواج، لم أكن أعرفه عن قُرب، لم أعرف طباعه ولا أخلاقه، لم أختبره في مواقف معينة طيلة فترة الخطوبة؛ لأنه بالأساس لم يكن هناك فترة خطوبة، وتم الزواج وبعد فترة من زواجنا سقط القناع عن وجهه وتبين الوجه الحقيقي له، ومع ذلك كنت مضطرة للاستمرار في هذا الجحيم خشية العادات والتقاليد ومسألة العار.

وأضافت بحسرة وتنهدت: رغم مرارة العيش الذي كنت أعيشه مع زوجي هو الذي بادر إلى طلاقي وأنا أمٌ لثلاثة أولاد ذكور صغار يحتاجونني ويتشبثون بي وهم متعلقون بي وتم طردي من البيت وأخذ مني أولادي عنوة وفيما بعد تمكن أهل الحكمة والعقلاء من استعادة أولادي منه وأنا في قمة السعادة لأن أولادي معي ومستعدة أن أقطع من كبدي وأطعمهم وآخذهم معي إلى المدرسة الكردية كوني ماموستا اللغة الكردية إلا أن ما يحز القلب أن مسألة حضانة الأولاد وصلت بيننا إلى المحكمة، ومازالت قائمة وسارية ولم يتم الفصل في الحكم منذ شهور.

واختتمت بكلمات قليلة: أنا أعلم أن حضانة الأولاد هي من حق الأم إلى أن يبلغوا سن 18 عام في كل دول العالم المتحررة وحتى في إدارتنا الذاتية هي يجب أن تكون كذلك، وكلنا أمل في محاكمنا وقضاتنا أن يحققوا هذا الشيء على أكمل وجه نظراً لمكانة وقداسة المرأة في المجتمعات.

زر الذهاب إلى الأعلى