الأخبارالعالممانشيت

كُتاب وخبراء يتهمون صحيفة (نيويورك تايمز) بشرعنة الاحتلال التركي لعفرين

في تقرير فاجأ الكثيرين, اتهم (سيث فرانتزمان) صحيفة (نيويورك تايمز) بشرعنة الاحتلال العسكري التركي لعفرين, والتطهير العرقي للشعب الكردي, إذ أن الصحيفة عند تغطيتها للنزاعات فإنها تعطي باستمرار طرفي أي نزاع أصواتاً متساوية, ولكن عند تغطيتها لما حصل ويحصل في عفرين فإن الصحيفة تسلط الضوء فقط على مسؤولي الاحتلال العسكري التركي والجهات الموالية لأنقرة هناك, وتبرز آراءهم وتظهرهم بأنهم على صواب.

فهناك احتلال عسكري غير شرعي, وشحن الزيتون المسروق من عفرين إلى دولة الاحتلال لبيعه, والمستوطنون اليمينيون المتطرفون يهاجمون مجتمعات السكان الأصليين, والاضطهاد الديني, واختطاف السكان المحليين في مداهمات خارج نطاق القضاء، وسجنهم في مراكز اعتقال عسكرية سرية, بالإضافة إلى التطهير العرقي.

حدث كل هذا في عفرين بشمال غرب سوريا، وهي منطقة كانت ذات يوم كردية, قبل أن يتم غزوها واحتلالها من قبل تركيا والميليشيات المتطرفة المدعومة منها عام 2018, ومنذ ذلك الحين يتم تطهيرها عرقياً من الكرد,  وتعرضت المقابر والمواقع الدينية للنهب والتدمير, وصحيفة (نيويورك تايمز) متهمة الآن بشرعنة الاحتلال التركي لعفرين من خلال مقال نشرته يوم الثلاثاء.

فقد أعرب خبراء ونشطاء ومعلقون عن صدمتهم من هذا المقال، مشيرين إلى أن المقال لم يذكر انتهاكات حقوق الإنسان وتهجير الأشخاص الذين أجبروا على الخروج من عفرين, وقارن البعض هذا المقال بالدعاية الإعلامية التركية التي تديرها حكومة أردوغان, وبالنسبة للصحافة الأمريكية التي تتميز بمواجهة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وانتقاد الزعماء الاستبداديين, فقد تم انتقاد المقال لعدم تضمينه أي أصوات منتقدة أو معارضة.

المقال الذي يحمل عنوان (في المنطقة الآمنة بتركيا في سوريا، الأمن والبؤس يسيران جنبًا إلى جنب) يشير إلى أنه وعلى الرغم من تعرض الغزو التركي قبل ثلاث سنوات لانتقادات واسعة النطاق، فإن السوريين المقيمين هناك سعداء بوجود الأتراك, ولم يلمح المقال إلى حقيقة أن 160.000 كردي تعرضوا للتطهير العرقي, وفرت آلاف العائلات الكردية من الغزو التركي, واستوطن مكانهم مئات الآلاف من السوريين من مناطق أخرى، وأخذوا منازلهم.

عادة عندما يتم طرد السكان الأصليين وتوطين سكان آخرين مكانهم، يشار إلى ذلك باسم التطهير العرقي, في هذه الحالة تم طرد الكرد بالقوة من عفرين من قبل تركيا والميليشيات اليمينية المتطرفة، واستقر العرب السنة والتركمان مكانهم.

تهجير الكرد تم عمداً, فقد كان لدى تركيا مكان وافر لإيواء اللاجئين السوريين في المناطق التي تحتلها بإدلب وتل أبيض, ولكن تركيا سعت إلى تغيير التركيبة السكانية في عفرين, وقد أنجزت ذلك بتهجير الكرد والأيزيديين والأقليات الأخرى.

تسمي تركيا الأراضي التي احتلتها (المنطقة الآمنة)، مثل الطريقة التي أشار بها النظام النازي الألماني إلى (مكان المعيشة) في المناطق التي احتلها في أوروبا الشرقية, حيث أرسل الألمان العرقيين وأزال اليهود والسكان المحليين.

وبحسب المقال فقد تمت مرافقة الصحفيين من قبل تركيا أثناء زيارتهم إلى عفرين, ووصفت الصحيفة هذه المنطقة بأنها (منطقة آمنة بحكم الواقع), ومع ذلك فقد أكد نشطاء حقوق الإنسان بأن المنطقة لم تعد آمنة للنساء, فغالباً ما يتم اختطاف النساء واحتجازهن في سجون سرية، ويتعرضن لانتهاكات مختلفة وعمليات قتل خارج نطاق القضاء, الصحيفة متهمة بشرعنة احتلال عفرين, وتدعي بأن تركيا قدمت خدمات البنية التحتية والتعليم والصحة, وتتجاهل حقيقة أن احتلال تركيا لعفرين غير قانوني بموجب القانون الدولي.

وتجاهل المقال مقابلة أية أصوات معارضة للاحتلال أو نازحين من عفرين أو أي منتقد, والمقال أيضاً لا يبدو أنه يتضمن أية مقابلات نسائية, لقد أجرت مقابلة مع (محمد عمار) الذي يزعم المقال أنه مقاتل تم إجلاؤه من دمشق وأرسلته تركيا إلى عفرين كجزء من صفقة مع نظام الأسد.

وكغيرها من المهن العسكرية التي أصبحت دائمة  يشير المقال إلى أن المدينة مرتبطة بشبكة الكهرباء التركية، مما أنهى سنوات من انقطاع التيار الكهربائي, وتُستخدم الهواتف المحمولة والعملة التركية, كما يشير المقال إلى أنه لا توجد أصوات متاحة لتأكيد الانتهاكات أو مراقبتها, لقد أجبرت تركيا العديد من منظمات الإغاثة الدولية على الخروج من عفرين.

بالإضافة إلى ذلك يزعم المقال وقوع هجمات إرهابية في عفرين، دون أن يقدم أي دليل باستثناء كلام المسؤولين الأتراك, وعادة عندما تكتب النيويورك تايمز عن صراعات أخرى فإنها تتضمن أصواتاً من كلا الجانبين ولكن ليس في هذه القصة, تحدث المراسلون إلى قائد شرطة عفرين الذي أفاد بأن 99٪ من الهجمات كانت من قبل الحركة الانفصالية الكردية.

هذا تصريح غير دقيق لأن الحركة الكردية ليست انفصاليةً, ولا يوجد دليل على الإطلاق على أن الكرد في عفرين أرادوا يوماً ما الانفصال عن سوريا, بل العكس هو الصحيح في الواقع, فتركيا هي التي تتجه بعفرين نحو الانفصال عن طريق الاحتلال, ويقول السكان المحليون في عفرين إنه غالباً ما يكون هناك تبادل لإطلاق النار بين الجماعات المدعومة من تركيا وخاطفي السكان المحليين المحتجزين في سجون سرية غير قانونية.

ويمضي المقال في الادعاء بأن تعامل الأتراك مع الأمن مثل أية قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي في عفرين، حيث أحاطوا مبنى إدارتهم بجدران خرسانية عالية وأغلقوا (المنطقة الخضراء) التي تشمل شارع التسوق الرئيسي في وسط المدينة, ولم يقدم المؤلف أي دليل على أن هذا السلوك المفترض هو لحلف شمال الأطلسي, ففي ظل الاحتلال العسكري التركي لا توجد صحافة حرة، ولا حرية للتجمع، وتتعرض الأقليات والنساء للاضطهاد, ليس هذا هو الحال بالنسبة لدول الناتو.

امرأة واحدة فقط تمت مقابلتها في المقال، وهي (رسمية حنان العبد الله), وقد  أكدت بأن كل شيء صعب للغاية, وفي الفترة التي سبقت غزو أنقرة وميليشياتها اليمينية المتطرفة لعفرين، كان المنطقة تُدار من قبل نساء في مناصب قيادية, أما الآن يبدو أنه لا يُسمح للمرأة التواجد في أي منصب سياسي.

وتعليقاً على هذا المقال كتب الناشط (آزاد نبي) تغريدة على تويتر قال فيها:

أن القصة غير المروية هي أن الغالبية العظمى من السكان الكرد الأصليين اقتُلعوا من منازلهم في عفرين, هذا  المقال كان مخزياً.

واتهمت الكاتبة (أليسون ميوز) المقال بأنه تبرئة تماشياً مع مقالات نشرتها صحيفة النيويورك تايمز تشيد بالحرب الأخيرة في أذربيجان.

وانتقد الكاتب (أريز قادر) المقال أيضاً بالقول:

نظراً للوسيلة التي تم نشر المقال بها، بالإضافة إلى إغفال التفاصيل الرئيسية للوضع على الأرض (يبدو أنه يتم الحصول على الكثير من المحتوى عبر ممثل البلدية التركي)، فإن هذا يلحق أضراراً  أكبر بكثير. وتساءلت (ميغان بوديت) التي تتابع عفرين عن كثب، عما إذا كانت حكومات الناتو تحصل على تصريح بالتطهير العرقي المجاني من صحيفة نيويورك تايمز”

وخص بعض النقاد (كارلوتا غال) مدير مكتب اسطنبول لصحيفة نيويورك تايمز بالانتقادات, حيث أكدوا بأن تركيا هي أكبر سجن في العالم للصحفيين، وغالباً ما يُسجن النقاد بسبب التغريدات وأية انتقادات للحزب الحاكم.

وكتب (مايكل روبين)  من معهد أمريكان إنتربرايز حول هذا الموضوع، وتحدث خبراء مثل (إيمي أوستن هولمز) الباحثة الزائرة في جامعة هارفارد عن دعم أنقرة للمتطرفين, كما تحدث (ألبرتو فرنانديز) السفير الأمريكي السابق  عن عفرين، وعندما كان رئيساً لإذاعة الشرق الأوسط ، أجرى مقابلة حول الصراع هناك, وليس من الواضح ما إذا كان لدى النيويورك تايمز مبادئ توجيهية للإبلاغ عن النزاعات, حيث يجب إعطاء كلا طرفي النزاع صوتاً، خاصة في حالات الخلاف والتطهير العرقي. فعندما يتعلق الأمر بتركيا وعفرين، يبدو أنه لم يُسمح للكرد بالتعبير عن رأيهم, لقد تمت الإشارة إليهم بشكل ازدرائي على أنهم انفصاليون، وهم ليسوا كذلك, هم سكان عفرين المحليين

زر الذهاب إلى الأعلى