PYDمقالات

كيف نفهم انتفاضة قامشلو 2004 ؟

سيهانوك ديبو

في الثاني عشر من آذار عام 2004 قامت سلطات النظام السوري وعبر أذرعها الأمنية ” ميليشيات البعث وفروع الدولة القوموية ” بارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من ثلاثين شابا و طفلا كرديا في مناطق الكرد في سوريا سالت دمائهم في الملعب البلدي في قامشلو سرعان ما وصل إلى ديريك وصولا إلى عفرين .

في الذكرى التاسعة عشر من انتفاضة آذار و ما تلتها من أيام عصيبة؛ أيام عجاف لا يمكن أن توصف إلا كذلك ، أُطلِق الزمام لليد الأمنية الكريهة ، فبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان وعشرات الأدلة والوثائق فقد تم اعتقال أكثر من خمسة آلاف كردي ، قضى العشرات نحبهم تحت التعذيب .

في الذكرى التاسعة عشرةًلإنتفاضة قامشلو – انتفاضة الكرد في سوريا ضد نظام الاستبداد ، يحضر المراقبين أسئلة كثيرة : ما هي الأسباب التي من أجلها قام الكرد ؟ هل من مؤشرات تاريخية ساهمت بانتفاضة الكرد أنفسهم ؟

هل ساهمت انتفاضة الكرد في العام 2004 في الحراك الشعبي السوري في متصف اذار ٢٠١١؛ وبعيدها في اندلاع ثورة ١٩ تموز ٢٠١٢؟

يخطىء من يعتبر الكرد في سوريا طارئون في مجمل الحراك الشعبي السوري الرافض لسلطة الاستبداد المركزي و بشقيه الأيديولوجي والأمني. ومن خلال الأعوام المنصرمة من عمر الحراك السوري والأصوات الناعقة الناعتة للكرد أنهم لم يقدموا أي شيء من أجل معركة الحرية الشعبية ، أو تحاليل ساسات المعارضة التي هيمنت عليها طابع الراديكالية الاسلاموية بقايا متحولات الدولتية القوموية بأن خفوت الصوت الكردي في جوقة الشعب السوري و أغنيته الرفضية لسلطة النظام المستبد ، القصور السياسي المخصوص بهذه النظرة غير المكتملة أعطت مسوغا لبعض أو للكثير من مكونات المعارضة بالاستعلاء و عبر فوهات بنادقهم على الحراك الكردي السلمي ؛ ومنظوره المختلف لجماعات الراديكال السياسي كمخلّف لفوضى السلاح و مساوئ التدويل للمسألة السورية التي باتت مرتهنة لتجاذبات أطراف و تنافرات أحلاف و وعود منيت مصيرها الإخلاف .

الكردي في سوريا مكمل لشريكه العربي و متمم له و يستمد قوته من شركائه ، فكانت ممارسته و نظرته للحراك الشعبي السوري من منظور السلمية مع التمسك الكامل بحق الدفاع عن أهلهم و ضيوفهم النازحين من مناطق التوتر الساخنة ، بعد مرور أكثر من عقد من عمر الحراك الرفضي لم ترى المعارضة سوى خيار الحوار و مع رأس النظام . المراقب للشأن السوري يؤكد على أن الكرد قرأ الموقف بدقة متناهية ؛ الكثير من الناشطين يعترفون و عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأننا كنا نرفض نظرة الكرد من الحراك و رفضهم لعسكرة الاحتجاج سيحوله إلى أزمة بدلا من ثورة .

لقد ساهم الكرد كشعب أصيل و كمكون أساس في مأسسة الدولة السورية وبنائها بدءا من مرحلة مقاومة المستعمر الفرنسي بقيادة يوسف العظمة الرافض لدخول الأجنبي دون مقاومة ، فكونّت عملية استشهاده مع بعض من رفاق السلاح مرحلة مفصلية في تاريخ سورية الحديثة بتبلور الوعي الرفضي المقاوم .

الكرد في كافة مناطق تواجدهم من ديريك المعربة إلى المالكية و تربه سبي المعربة إلى القحطانية ؛ وصولا إلى كرداغي و جبل الزاوية و انتهاءا بحي الأكراد في قلب العاصمة دمشق شكلوا مع أخوانهم السوريين الثوريين الوطنيين جبهة الرفض الوطنية الشعبية في مواجهة الاستبداد بشقيها الخارجي و الداخلي حتى جلاء الفرنسي و رفع علم الاستقلال على مبنى البرلمان على يد السوري الكردي أحمد بارافي .

كانت مساهمة الكرد بعد الاستقلال في تأسيس الجمهورية السورية لا تقل نوعا و كما عن سابقتها فبرز رجالات سياسة في مناصب متقدمة مثل حسني الزعيم و فوزي سلو و محسن البرازي …..و غيرهم من الغيارى الوطنيين حتى وصول البعث عبر انقلابه المشئوم إلى سدة السلطة ممسكا بمقاليدها بفروع و مكاتب أمنية سرعان ما انقضت على الجمهورية الوليدة واغتصبتها دون وازع رحمة في 8 آذار عام 1963 و قامت بانقلابها الثاني في 23 شباط 1966 بإبعاد ونفي الوطنيين والشرفاء و إقصائهم من الحياة السياسية و الحزبية ، وبانقلاب أخير في 16 تشرين الثاني 1970 باستئثار مطلق للسلطة فتعطلت الحياة الديموقراطية بشكل كامل ، مما أدى إلى انتقال الكرد مرة أخرى إلى مواجهة هذا الاستبداد مع شركاء من أمثالهم فكانت التظاهرة الحاشدة التي قام بها الكرد في 1971 وكانت من ابرز شعاراتها ” لا حزام و لا احصاء ..لا سجون لا اعتقال ” كرد على ممارسات البعث الشوفينية باستقدام عوائل إلى مناطق تواجد الكرد لتغيير ديموغرافيا المنطقة والاستلاء على خيرات مناطقهم الزراعية ؛ ناهيكم عن مشروع الإحصاء الجائر الذي تم تجريد عشرات الألوف من العوائل الكردية من جنسيتهم السورية تحت حجج واهية غير إنسانية .

الكرد في سوريا لم يرتضوا ما يحصل بحقهم فلم يقفوا مكتوفي الأيدي بل قاموا تلك السياسات الشوفينية ما أمكن ، القصور السياسي و ضعف الرؤية المتكاملة للقادة السياسيين الكرد آنذاك لم تكن على مستوى عال من الإدراك ؛ فحصل ما حصل إلا أنهم و في أحلك تلك المراحل قاموا ببلورة وعي رافض للمخططات الهدامة الشوفينية ، ولم ينسوا أنهم جزء من الحالة السورية المتكاملة .

تقول إحدى الناشطات السوريات : ” ماذا لو اشترك الشعب السوري مع الكرد المنتفضين في وجه النظام في آذار 2004 ؛ ربما كانت عملية إسقاط النظام أسهل ، وربما كنا الآن تجاوزنا إرهاصات المرحلة الانتقالية ، لكننا لم نفعل ذلك ، بل أدرنا للكرد ظهورنا و ساهمنا بجهل منا أو بدراية آخرين وعي يبرر وحشية النظام و سياساته تجاه الكرد ، وقلنا حينها أنهم ثلة ” زعران ” افتعلوا أحداث الملعب البلدي في القامشلي ويريدونها انفصالا وانقساما ”

الكرد ليس كما يحلو للبعض المنفصلين عن الواقع أنهم ضيوف طارئين على طاولة الحراك الثوري الرافض للاستبداد البعثي ، نجاوبهم : في الوقت الذي كان الكرد يطالبون بسوريا ديمقراطية منفتحة على كل مكوناتها ، كان الكثير من هذه الأصوات تقسم بحياة الزعيم الأب و حتى الإبن و أصبح اليوم أشد كفرا و أشد نفاقا .

إن النظرة الكردية إلى 12 آذار 2004 كانتفاضة و كتأسيس للحراك الشعبي الحالي لا يمكن تجزأتها ؛ فالخطاب السياسي في 12 آذار كانت مفادها الدعوة إلى سوريا ديمقراطية و برلمانية وتعددية ، هو نفسه الخطاب الذي لا يختلف عليه أي من مشاريب المعارضة المتعددة والمتنوعة والمتعارضة حتى مع غيرها. كما أنه من المهم القول بأن نموذج الادارة الذاتية أفصل ترجمة للقرار الدولي ٢٢٥٤.

فهل سيتم اغتنام هذه الفرصة الوطنية كي لا يظهر احدهم ليقول نادما: نموذج الحكم في شمال وشرق سوريا كان الاخير المحافظ على وحدة ووجود سوريا؟.

زر الذهاب إلى الأعلى