مانشيتمقالات

كيف لنا أن نطلب من الغير أن يعترف بوجودنا!

دجوار أحمد آغا

لماذا هذا الالتباس الكبير في مسالة الاعتراف؟ وما معنى الذات؛ إن لم تكن عبارة عن وجود “معترف به” أو هو “معترف بـ”, إذاً فالاعتراف ينطوي على جملة من المفاهيم التي تعبر عن وجودنا وعن العلاقات التي نبنيها خلال مسيرتنا في الحياة … فالاعتراف يمكن أن يكون على شكل (انتصار, هزيمة, قبول, رفض, خضوع, تمرد, سعادة, حزن, كلام, صمت,.. إلخ) في ثنائيات لانهائية، وهي تعبر بشكل أكثر دلالة من أي مفهوم آخر، عن الذات والوجود, إذ لا وجود للذات دون الاعتراف بالذات من قبل الذات نفسها أولاً.

هذه المقدمة الفلسفية تُعتبر ضرورية ربما لفهم جوهر وحقيقة  الذات القائمة على علاقات الاعتراف, فرفض الاعتراف يساوي بالقيمة والدلالة على القبول بالاعتراف, أي أنه هناك وجودان واقعيان ويرفض كل منهما الاعتراف بالآخر, فالاعتراف هنا إقرار وجود, وإلا كيف لموجود واقعي وحقيقي أن ينفي موجوداً واقعياً آخر عبر عدم الاعتراف به؟

نأتي الآن إلى مسألة الاعتراف وفق واقعنا الذي نعيشه هنا الآن كشعوب شمال وشرق سوريا عموماً وشعبنا الكردي على وجه الخصوص، تُرى هل نحن معترف بنا؟ وممن ننتظر الاعتراف؟ وهل نحن لسنا واقعيين؟

لماذا لا نعترف بأنفسنا ونطلب ذلك من الآخرين؟ لماذا ننكر وجودنا وننكر تاريخنا ونضالنا من أجل حقوقنا والتي هي الآن بمتناول يدنا, بدءاً من وجودنا؛ ومروراً بلغتنا؛ وانتهاءً بإدارتنا الذاتية التي بنيناها بظروف بالغة الصعوبة, وكما يقول المثل العامي “بألف يا ويلاه” و “كل شبر بندر” وضعنا الحجر على الحجر وقدمنا الكثير من العَرَقِ والدم وأجزاء من الأجساد الطاهرة؛ لنصل إلى ما نحن عليه الآن, وبعد ما وصلنا الى ما نحن فيه, نسمع البعض منّا لا يعترف بنفسه وينكر وجوده ولغته وكيانه, فقط لأنه مختلف مَعَنا سياسياً أو فكرياً!!

تُرى هل هناك في أي أمة أو شعب أو مجتمع أو قومية في هذا الكون, تجانس وتوافق تام؟ بالتأكيد لا يوجد؛ إلا في حالة واحدة فقط؛ وهي عندما يتعرض هذا الشعب أو الأمة أو المجتمع لخطر الحرب أو لكوارث أو ويلات, يتم حينها وضع جميع الاختلافات الفكرية والأيديولوجيات جانباً ولا يبقى هناك معارضة وموالاة, ويتم العمل سوية في الحفاظ على الكيان والوجود لذات هذه الأمة أو المجتمع أو الشعب أو القومية, هذا ما رأيناه في تاريخ سائر أمم وشعوب العالم باستثناء شعبنا الكردي!.

يا سبحان الله, كم هو عجيب وغريب أمر هذا الشعب, فعلى الرغم من تعرضه للكوارث والويلات والإبادات العرقية والثقافية والصهر, لكنه ومن أحشائه ظهرت على الدوام؛ فئة تدّعي المعرفة والعلم والثقافة وتُظهر نفسها على أنها هي من ستسير بسفينة هذا الشعب إلى بر الأمان, وقد نظمت قسم من هذا الشعب ضمن صفوف أحزاب وحركات وجمعيات ومنظمات وتقول بأنها تعمل من أجله, لكنها في حقيقة الأمر بعيدة عن ذاتها وعن وجودها وعن كيانها؛ فهي ترفض الاعتراف بنفسها, وترفض الاعتراف بلغتها وتاريخها ووجودها, وتطلب من القوى التي قسَّمت وطنها وسيطرت على خيراته ودعمت الدول المحتلة التي احتلت بلادها أن تعترف بها, والأنكى من ذلك أنها ترفض الاعتراف بوجودها وترفض أن يتعلم أطفالها بلغتهم الأم, بحجة أن هذا المنهاج هو لفئة معينة ويخدم توجهات طرف معين, ويتناسون وبإصرار؛ أن سبب بقائهم في هذا الوطن والعيش هم وعوائلهم فيه بأمان هو التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا الذي ضحى بخيرة أبنائه وبناته من أجل تراب هذا الوطن ومن أجل أن يحافظ على نفسه ويبقي ذاته موجودة ومحفوظة ومرهوبة الجانب, فالقوى الظلامية التي هاجمت مناطقنا؛ لم تستطع جيوش دول أن تقف في وجهها؛ لكن مقاتلينا الأبطال وبروح فدائية خاضوا معارك بطولية واستطاعوا أن يُحطموا اسطورة  “داعش” ذاك التنظيم المرعب بأفعاله الشنيعة وجرائمه الفظيعة من قتل وتدمير وسبي ونهب, وأن ينهوا دولته المزعومة ويقضوا عليها في آخر معاقله في سوريا بالباغوز.

بالعودة إلى ذواتنا وكيفية حصولنا على الاعتراف من الأطراف الأخرى بينما نحن لم نعترف بذواتنا بعد, يُحضرني هنا قول للشاعر الهندي الكبير “طاغور” في روايته “البيت والعالم” حيث يتحدث على لسان اميلا قائلاً:

“لا شيء في الخليقة أغرب من إنسان وحيد, فحتى من مات أقرباؤه وأحباؤه كلهم, واحداً تلو الآخر, فهو ليس بوحيد, إنه يتلقى سنداً من خلف ستار الموت, ولكن ماذا عن الإنسان الذي يكون أقرباؤه وأحباؤه جميعهم بجواره لكنهم ليسوا قريبين منه, أو الإنسان الذي انقطع عن مصاحبة من يحيط به”.

إن ما يرنو إليه “طاغور” واضح وضوح الشمس؛ فإذا لم تعترف بأصحابك وأهلك وهم بني قومك, بينما تطلب اعترافاً من الأغراب! فأنت شخص يثير الريبة والعجب لدى كل من يعرف حقيقتك, وتأّكد بأن من يدّعون أنهم سيعترفون بك, هم يسخرون منك ويستهزؤون بك.

لذا لا تجعل من نفسك اضحوكة ومحل سخرية واستهجان من جانب العالم، وكن أنت الاعتراف لذاتك وكيانك ووجودك.

زر الذهاب إلى الأعلى