مقالات

كيف خلقت تركيا بيئة حاضنة للإرهاب في الشمال السوري

مستقبلداعشفي ظل النفوذ التركي في سوريا

نيرڤانا محمود 

من قبل الطوفان

اسمعني يا عبد الله

وأخرج من أرضي واتبعنيفي أرض فلاة

أرضي في قلبي لم يعبد فيها الشيطان

أرضي في فكري أحمله في كل مكان

لم يكتب هذه الكلمات الرقيقة شاعر مرهف، بل إرهابي محترف يدعى شكري مصطفى، مؤسس جماعة التكفير والهجرة الإرهابية فيمصر، وقاتل الشيخ الذهبي رحمه الله.

يمثل شكري مصطفى النواة الأولية لحركات الإسلام الراديكالية التي تؤمن بفكر الخلافة وتكفير المجتمع والتي تطورت وتشعبت حتىأتت بتنظيمداعشوخليفته أبو بكر البغدادي ـ الذي أعلن الرئيس الأميركي رسميا مقتله في سوريا.

يتساءل كثيرون: ماذا بعد البغدادي؟ والإجابة تكمن في تاريخ التنظيمات المتطرفة.

ظهور جماعة التكفير والهجرة أصاب معظم المصريين بالذهول، لتطرف التنظيم وإقدامه على قتل عالم أزهري جليل كالشيخ الذهبي. حكم على شكري مصطفى بالإعدام عام 1978، وظن المصريون حينئذ بأن مقتله سيكون نهاية الراديكالية الإسلاموية المتوحشة. لكنها كانت فقط البداية.

مستقبلداعشفي سوريا مرهون إلى حد كبير بالتطورات العسكرية في سوريا

والآن، يظن البعض أن نهاية البغدادي قد تسدل الستارة على أكثر التنظيمات الإرهابية توحشا،تنظيم داعش، ولكنها أيضا قدتكون البداية لمرحلة جديدة في تاريخ الجماعات الإرهابية.

قد تختلف الجماعات المتطرفة في الأسلوب والطريقة ولكنها حريصة على ثلاثة أشياء: التنوع من أجل البقاء، تغيير الأساليب لتناسبطبيعة العصر والظروف، والاتحاد في وقت الشدة لضمان الاستمرار والنجاح.

التنوع موجود الآن، حتى داخل منظومة التطرف؛ فمثلا تنظيمالقاعدةيختلف تكتيكيا عن تنظيمداعش“. ولكن تفاصيل الأيامالأخيرة من حياة أبو بكر البغدادي تؤكد كيفية اتحاد الإرهابين وقت الشدة. فوفقا للتقارير، قتل البغدادي في بيت أبو محمد الحلبي،أحد أهم قادة جماعةحراس الدينوالتي تنتمي أيديولوجيا إلى تنظيم القاعدة. مما دعا بعض المحللين، مثل د. هشام الهاشمي،لتوقع عودةالقاعدةلتصدر المشهد الإرهابي، كوريث لبقاياداعش، بينما يتوقع الباحث السياسي في معهد واشنطن، أرونزلين، بأن تنظيمداعشله شعبية في سوريا والعراق أكثر منالقاعدةوأن له القدرة على الاستمرار وتجنيد أتباع جدد.

فمستقبلداعشفي سوريا مرهون إلى حد كبير بالتطورات العسكرية في سوريا وخصوصا العملية العسكرية التركية في الشمالالسوري.

استطاع اللوبي التركي في الولايات المتحدة أن يقنع صناع القرار الأميركي بأن القوات التركية ستقضي على الجماعات الإرهابيةالمسلحة في شمالي سوريا، سواء من الأكراد أو الدواعش (كما تدعي السردية التركية)، بينما في الحقيقة، لا تهتم تركيا بملاحقهفلول الدواعش، بل تسعى إلى خلق كيان تابع لها في شمالي سوريا يديره مجموعة من الجماعات الجهادية المتطرفة الموالية لها. يتعاطف العديد من أعضاء هذه الجماعات مع الدواعش، بالرغم من الاختلاف معهم.

أحد قادة هذه الجماعات، لواء المعتصم، كتب مقالا والعديد من التغريدات، موجها نقدا لاذعا للولايات المتحدة، واصفا البغدادي بأنهمات بطلا عظيما، ورجلا شجاعا ملهما للمئات أو الآلاف وربما في المستقبل سيكون ملهما للملايين“.

بالإضافة إلى ذلك، تؤكد العديد من التقارير أن القوات الأميركية، بمساعدة الوحدات الكردية، استهدفت خلايا من الدواعش موجودةحاليا في جرابلس وعفرين وكلاهما تحت السيطرة التركية.

مع الأسف، أصبح الشمال السوري مرتعا للمتطرفين من كل حدب وصوب، مما قد يساهم في تعافي تنظيمداعشبعد مقتلقائده، بالرغم من العمليات الأميركية الاستخباراتية ضد التنظيم، وخصوصا بعد تراجع الوحدات الكردية وفقدانها السيطرة علىالعديد من البلدان والقرى في الشمال السوري.

خيارات تنظيمداعشحاليا قليلة، ولكن حظوظه في النجاح ستعتمد على قدرة عناصره في التكيف مع الوضع الجديد في سورياوخصوصا في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية.

خلقت تركيا بيئة حاضنة للإرهاب في الشمال السوري

فإن استطاع الدواعش التحلي بشيء من البرغماتية، واستغلال تعاطف الجماعات الجهادية الموالية لتركيا لهم بعد مقتل البغدادي،والعودة إلى المظلة الكبرى لفكر الجهاد التي تجمع عليها التنظيمات التكفيرية، فربما يملك تنظيمهم القدرة على الاستمرار فيالمستقبل بشكل ما.

يركز معظم المحللين على الأسماء أكثر من الأيديولوجيات في تناولهم للجماعات الإرهابية، ولكن هذا التناول غير دقيق، فالأشخاصتموت ولكن الأفكار لا تموت.

خلقت تركيا بيئة حاضنة للإرهاب في الشمال السوري. قد يتعافى تنظيمداعش، أو يتوارى، أو يعود إلى حضن تنظيم القاعدة،ولكن من المؤكد أن فكر الجهاد سيستمر، وسوف يحصد العديد من الضحايا الأبرياء طالما هناك دول تحمي أيديولوجيته وتوفر لهالغطاء السياسي. فكما كتب شكري مصطفي قبل أكثر من أربع عقود:

أرضي في فكري أحمله في كل مكان“.

نقلاً عن الحرة

زر الذهاب إلى الأعلى