تقاريرمانشيت

كوباني ــ ليننغراد الشرق الأوسط في يوم التضامن العالمي

ما من مقاومة منذ الحرب العالمية الثانية تَغنَّت بها الألسُن ونُسِجَت لها قصائِدَ كُردية وعربية وصَدحَت بها الحَناجِرُ كما هذه المقامة

ما من مقاومة أرَّخها التاريخ في العصر الحديث ودُرِّس نهجها في الأكاديميات العسكرية العالمية وكُتِبَت حروفها بالذهب بين دفتي التاريخ كالمقاومة التي أبدتها الكرد في وجه الطغاة في كوباني

كوباني أيقونة المقاومة الباسلة بنكهة الحرائر اللائي أبهرن العالم وأجبرنه على أن ينحني ويخجل أمام تضحياتهن

حقيقةً تعجز الكلمات عن وصف مآثر وفضائل هذه المقاومة وتعجز جميع قواميس اللغات عن الإيفاء بحق المقاومة التي أبديت في كوباني وحررتها من شَرَكِ الإرهاب العالمي

ولم يكن لتحرير كوباني بُعداً جغرافياً أو سياسياً أو رمزياً فحسب؛ بل تخطى تحرير المدينة كل الحدود وكان لتحريرها تداعيات على مستوى العالم أجمع لِمَا كان له من تأثير على تغيير شكل الخارطة السياسية على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي.

 إن الانتصار الذي تحقق في كوباني يمكن ترجمته في التأثير على توزع نفوذ القوى في سوريا وحددت مسار ومصير المعركة في سوريا والإقليم

 بتحرير كوباني خسرت اللعبة أطرافٌ كثيرة  وتبددت أوهامها وبدأت بالتقهقر والانحطاط، وفي مقدمتهم تنظيم داعش وأخواته من المجموعات الإرهابية التي جمعت شتاتهم الدولة التركية مرة ثانية في مناطق احتلالها شمال غرب سوريا.

 كذلك كان تحرير كوباني خسارة كبيرة بالنسبة لمن يدعون  المعارضة أو ما سُمِّيَ بالائتلاف السوري وكل القوى الأخرى بكل تسمياتها وتوصيفاتها السياسية والعسكري والتي احتضنها وجندها النظام التركي الأردوغاني، وموقف هذه القوى هو الموقف التركي نفسه الذي كان ينتظر ويُبشر بسقوط كوباني، ذلك الموقف الذي ترجمه النظام التركي بدعم داعش سياسياً واعلامياً ولوجستياً في سبيل الإبقاء على حياة التنظيم والذي لو قُدِّرَ له البقاء لكان مناطق احتلاله كلها بل حتى العالم بأسره تحت جناحي أردوغان.

والجدير بالذكر إن المسرحية التي قدمها أردوغان للعالم بعد تحرير كوباني في مهاجمة جيشه ومجموعاته المرتزقة “درع الفرات” مدينة الباب تحت حجة محاربة داعش لم تكن سوى حركة للفت أنظار العالم بأنه يحارب داعش، وليجمع بقايا داعش الذين حلقوا ذقونهم وانضموا إلى صفوف المرتزقة والجيش التركي، وكذلك ليسد الطريق أمام وحدات حماية الشعب لتحرير بقية المناطق في غرب الفرات، المنطقة التي حولتها تركيا إلى قصعةٍ للمجموعات الإرهابية الداعشية التكفيرية.

 أكثر من مِئَةِ يومٍ من الصمود الأسطوري والمقاومة التي قلَّت نظيرها في التاريخ المعاصر تُوِّجَت بنصرٍ ابتهج له العالم الحّر بأسره، وقضَّ مضاجع التكفيريين الأردوغانيين.

كوباني المدينة الصغيرة بمساحتها والكبيرة والعظيمة بسكانها، وأبنائها الأسطوريين، انتصارها كان ضربة قاصمة لتتالى خسائر التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، “أكثر من 1300 قتيل لداعش”،

 العالم بأسره يتذكر كيف إن الموصل  التي تُعَدُّ ثاني أكبر المدن العراقية (أكثر من مليون ونصف المليون نسمة) قد سقطت بيد داعش على يدِ (حوالي 800 إرهابي) خلال فترة زمنية قصيرة جداً بالرغم من التواجد الضخم للجيش العراقي فيها.

هنا نكرر القول بأن إرادة الحياة في كوباني كانت أكبر وأقوى من أي سلاح في العالم، حتى وإن سقطت كوباني بأكملها بيد داعش لما تمكن أي داعشي أن يحيا فيها، لأن تراب وأرض كوباني تأبى أن تحتضن غير أبنائها.

دور التحالف الدولي :

حقيقة لم تكن تنوي الولايات المتحدة أن تساند المقاتلين في كوباني لولا أن المقاومين من وحدات حماية الشعب والمقاومات من وحدات حماية المرأة قد أثبتوا جدارتهم القتالية وإرادتهم الصلبة في وجه أعتى قوة همجية ودموية في العالم وفي راهننا المعاصر، ورأت أنها الطرف الوحيد الذي يمكن التحالف معه في ظل هذه الإرادة الصلبة والإرادة القوية والأيديولوجية الراسخة والإيمان بالقضية لمحاربة الإرهاب ودحره منذ أن عصفت بسوريا الموجات الإرهابية التي أصبحت تهدد الأمن القومي الأمريكي والأوربي  بعد أن سلتت هذه التنظيمات من أيدي  مربيها؛ مما استوجب وحتَّم على هذه الدول المتحالفة بعد هذا الانتصار الباهر على القوى الظلامية على يد هذه القوات والتضحيات التي قدمت في سبيله على أن تعقد اجتماعاً في البرلمان الأوربي في الواحد من تشرين الثاني لتسميه باليوم العالمي لتحرير كوباني ومناهضة الإرهاب العالمي بعد تَحرُّك الملايين من جماهير العالم من ثلاثين دولة في القيام بتظاهرات في مختلف دول العالم للتضامن مع كوباني وأصدر المنظمون للتظاهرة بياناً لجعل يوم الأول من تشرين الثاني يوماً عالمياً للتضامن مع كوباني مما حدا بالبرلمان الأوربي إلى عقد مؤتمر لمناهضة الإرهاب العالمي المتمثل بداعش ومثيلاته.

صالح مسلم الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الدبلوماسية في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD  

استهل مسلم وباستفاضة عميقة وغزارة في المعلومات والتحليلات  الحديث عن كوباني ومقاومتها، وماذا نتجت عنها على الصعيد الكردي والعالمي وكيف غيرت التحالفات وموازين القوى وأظهرت التكاتف والتعاضد بين الكرد الذين عرفوا ذاتهم وكيف ولماذا سمي هذا اليوم بهذه التسمية فقال:

 بعد المقاومة التاريخية التي أبدتها كوباني وأذهلت العالم في التصدي للإرهاب المتمثل بداية في جبهة النصرة وما شابهها من تنظيمات إرهابية أخرى صنعتها تركيا وآخرها الموجة الداعشية العنيفة التي تقهقرت أمامها جيوش الدول وأخذت تتوسع كما رأيناها من الموصل وشنكال وتمددت في جميع الاتجاهات وكانت كوباني حصناً منيعاً سقط على أسوارها الإرهاب الأسود وانتصرت عليه بالنيابة عن العالم أجمع؛ عُقد مؤتمر للبرلمان الأوربي لمحاربة ومقاومة الإرهاب العالمي وكان من إحدى نتائج وتوصيات هذا المؤتمر الذي كان كوباني ومقاومتها مثالاً يحتذى به في هذا المؤتمر على مناهضة الإرهاب والانتصار عليه سمِّيَ هذا اليوم باليوم العالمي لكوباني ومحاربة الإرهاب.

ــ بانتصار كوباني انتصر العالم الحر على الإرهاب وكان من نتائجه الهزائم التي لحقت وما زالت تلحق داعش في منبج والرقة ودير الزور وتدرجت هزائمه في كل المناطق التي حاربت وتحارب فيها مقاومتنا الباسلة في الشمال السوري.

ــ هذه المقاومة كان من نتائجها سطوع نجم الكرد ومشروعهم الديمقراطي على مستوى العالم، وأفول الإرهاب حيث كان قد وصل في مناطق أخرى إلى القمة والذروة.

ــ انتصار كوباني كان انتصار للكرامة الإنسانية ومعركتها كانت معركة وجود أو لا وجود نكون أو لا نكون نابعة من إرادة قوية في شعب منظم مفعم بالأيدولوجية مليء بعقيدة الاستبسال في الدفاع عن هذه القضية( قضية وجود أو لا وجود) واثبتت معركة كوباني أن الشعب المنظم على أيدولوجيته هو شعب مقاوم حتى الرمق الأخير وأن الشعب الذي يملك إرادة الحياة لا يمكن هزيمته لذلك كوباني استقطبت شباب وبنات الكرد الأحرار من كافة أجزاء كردستان ومن كافة مناطقها للدفاع عنها مما جعلت العالم مجبراً لمساندة مقاومتها وما انتصارنا في ثورة روج آفا إلا ثمرة هذه المقاومة التي أبدتها وحدات الحماية الكردية آنذاك YPJ و YPG

ــ كوباني ملحمة سُطِّرتْ في التاريخ بحروف من دماء آرين ميركان التي أثبتت للعالم الشرق أوسطي أن المرأة الحرَّة قادرة على الدفاع عن نفسها ورفع الظلم عنها ضد الطغاة والعُتاة وهي لا تقل شأنا من الرجل في الإدارة والتخطيط والتنفيذ وما الأصداء التي اتخذتها هذه المقاومة إلا لأنها كانت بمشاركة المرأة فأضفت عليها طابع العالمية فكُتِبَتْ عنها الدراسات والمقالات والقصص ونسجت القصائد والأِشعار وخصوصاً عن المقاتلات من الكرد

وبهذا الصدد كتب جيري كاربينتر

وحدات حماية المرأة (YPJ) رمز مقاومة كوباني وانتصارها

الجميع وحتى الغرب كانوا يعتقدون بأن كوباني ستسقط بيد داعش، لكنهم لم يدركوا أن نساء كوباني نظموا أنفسهم للقتال ضد التنظيم، هؤلاء كانوا على أهبة الاستعداد للتضحية والموت في سبيل عدم سقوط كوباني بيد داعش، ومهما كان الثمن .

 بالفعل كانت مقاومة YPJ وقتالهن البطولي  ضد تنظيمٍ متوحشٍ كتنظيم داعش قد أدهش الغرب الذي كان بطيئاً في الردِّ ولم يصدِّقوا بأن النساء يمكنهن أن يقاتلوا وأن ينتصرن، هؤلاء قادوا ثورة الشرق الأوسط  واستطعن أن يقودوا المعركة وأن ينتصروا على تنظيم داعش الإرهابي الذي لم يستطع الغرب مواجهته. كوباني أصبحت رمزاً للثورة وهي تراث للنساء اللواتي ناضلن لحماية أطفالهن.

إنهم امتلكوا الإرادة الصلبة وكانت لديهن من المهارة والقدرة ما تمكنهنَّ من القتال والوقوف بوجه الاضطهاد وتحقيق النصر.

الغرب لم يقدِّم دعماً لكوباني يتناسب مع تلك المقاومة التي أبدتها ،YPJ ، لكن علينا أن نعمل من أجل نشر ثقافة المقاومة وأن نمضي قُدماً في دعم  YPJ في الغرب وفي كل أنحاء العالم،  كوباني نموذجٌ للحرية وللمقاومة في جميع أنحاء العالم، علينا أن ندعم هذا النموذج، علينا أن نرى وحدات حماية المرأة كقوة تدافع عن النساء وهي تقود ثورة للدفاع عن النساء في وجه الظلم والاضطهاد ولا ننظر إليها بأنها أدوات بيد الغرب، هذه حقيقية يجب أن تنظر إليها العالم بعين الاعتبار، يجب أن يدرك العالم بأن معركة كوباني هي من المعارك التاريخية الكبرى، وإن وحدات حماية المرأة هي التي انتصرت على داعش وكسرت شوكته في جميع أنحاء العالم.

وكتب عن هذه المقاومة أليخاندرو إيتروبي من الرابطة الأممية للعمال ــ الأممية الرابعة

بعد معركة طويلة وقاسية، استطاع الكُرد طرد القوات العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) إلى خارج مدينة كوباني، في إقليم روجافا (الاسم الذي يطلق على المنطقة الواقعة في كردستان سوريا).

وبالرغم من سيطرة الدولة الإسلامية على قرى ومدن صغيرة في المنطقة، إلا أنها تندحر بوتيرة سريعة.

لقد دعمنا النضال الحقيقي منذ البداية ولهذا فنحن نحتفل بهذا النصر بسعادة بما أنه أول هزيمة يتلقاها تنظيم الدولة.

إن عملية الدفاع عن كوباني حصلت في ظروف عسكرية صعبة. فتنظيم الدولة الإسلامية كان يمتلك أسلحة أثقل وأكثر تطوراً كان قد سيطر عليها بعد انسحاب القوات العراقية وجزء آخر اشتراه من عائدات النفط الموجود في المنطقة التي يسيطر عليها؛ فضلاً عن ذلك، جند التنظيم أفضل مقاتليه لهذه المعركة، والعديد منهم لديه خبرة واسعة ومستوردة من الخارج، ولكن أثبت التاريخ مرة أخرى أن الهيمنة العسكرية غير كافية لضمان النصر، وبأن العوامل السياسية الأخرى، مثل أخلاق وقناعة المقاتلين يمكن أن تكون بذات أهمية العامل العسكري أو يتفوق عليه.

 ويذكر ايتروبي في مقالته إن أهم العوامل التي ساعدت وعبدت الطريق لانتصار الشعب الكردي في كوباني هي: عزيمة الشعب الكردي حيث يصفهم كالتالي شعب يمتلك روح النضال والكفاح، من الصعب كسر إرادتهم  من أول جولة قاسية تمر عليهم.

فجاءت قوات الدولة الإسلامية من العراق بعد سلسلة من الانتصارات السهلة: لقد هرب العديد من مقاتلي الجيش العراقي من المعركة من غير قتال وتركوا وراءهم عدد هائل من الأسلحة

 ولكن في كوباني وجدوا مقاومة قوية من الشعب الذي قاتل من أجل البقاء ولحماية كل بيت في المدينة من خلال حرب العصابات.

ضمن هذه الظروف، حتى أشد المنتمين للدولة الإسلامية (العديد من هؤلاء المقاتلين لديهم عقائد أيدلوجية) بدأت معنوياته تضعف. يقول أحد التقارير الأجنبية عن المنطقة “إن هالة مناعة الدولة الإسلامية قد خف إشعاعها وهناك تقارير تتحدث عن تخلي العشرات من الجهاديين عن منظمة أبو بكر البغدادي”

ما جعل معنويات قوات الدولة الإسلامية(داعش) تضعف أكثر ليس فقط هزيمتهم على يد قوات أقل منهم عدداً وأضعف تسليحاَ، وإنما بسبب طبيعة بينية هذه القوات التي تتألف بشكل هام من النساء، وهذه ضربة موجعة لــ (داعش) كونهم يتبنون أفكاراً رجعية.

 دور المرأة الكردية

أظهر عالم الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي العديد من الصور ومقاطع الفيديو لنساء كرديات شابات ومقاتلات، وهذا ما صدم الرأي العام، لم تكن أولئك النسوة في الخطوط الأمامية مع آبائهن وإخوانهن وأزواجهن فحسب، وإنما قادوا المعارك ضد داعش أيضاً. حولتهن مشاركتهن إلى بطلات لهذا النصر.

ما هو السبب وراء دورهم البطولي؟

لم يكن هناك أي شك بخصوص قَدَرِهُنَّ الشخصي في حال احتلال داعش للمدينة، في أحسن الحالات، الموت كان ينتظرهن بعد اغتصابهن، كان من الممكن تحويلهن إلى عبيد أو سيتم بيعهن في سوق النخاسة، كما حصل في العراق مع نساء اليزيدين.

قصة القائدة آرين ميركان، التي فجرت نفسها في تشرين الأول/أكتوبر وقتلت فيها عدد من مقاتلي داعش، كانت دليلاً على البطولة التي قدمتها أولئك النساء لإظهار بعضاً من نضالهن.

إلا أن هذا العامل غير كافٍ لشرح كل شيء.

في جميع المناسبات العظيمة في الصراع الطبقي وخاصة في القرن العشرين، كالثورات والحروب، عندما يتم تدمير جميع عوامل التغيير الثقافي، تلعب المرأة دوراً هاماً وحاسماً في الصراع، وهذا ما حصل في الثورتين الروسية والصينية وفي ثورتي وحربي المكسيك وإسبانيا الأهليتين في المقاومة ضد النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وإلى ما هنالك. الأدوار التي كان ينظر إليها على أنها مستحيلة لأن تتحقق.

إعداد: بدران الحسيني

       

زر الذهاب إلى الأعلى