الأخبارالعالم

كاتبة أمريكية: يجب على أمريكا عدم تجاهل حرب تركيا على المرأة الكردية

ميغان بوديت المختصة بالقانون الدولي من جامعة جورج واشنطن؛ كتبت لموقع ناشيونال إنترست:

إن حماية حقوق المرأة والتعددية والديمقراطية في سوريا لا تحتاج إلى حرب لا نهاية لها أو جهود لبناء الدولة.

في المدن التي حققت فيها المقاتلات الكرديات السوريات انتصاراتهن ضد الديكتاتوريين والإرهابيين كعفرين وسري كانيه، تعاني المرأة  الآن من الخوف والذي يؤدي إلى حبسهن في منازلهن بسبب الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، وذلك بحسب التقرير الجديد الصادر عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا.

التقرير الذي صدر في 15 أيلول قدّم أدلةً على أن عناصر من فصائل ما يسمى بالجيش الوطني السوري في المناطق المحيطة بعفرين وسري كانيه قد ارتكبوا جرائم حرب ضد نساء كرديات وإيزيديات تمثّلت في الاختطاف والتعذيب والاغتصاب.

عفرين وسري كانيه في يوم من الأيام كانتا أمثلةً مشرقة على ازدهار حقوق المرأة ونيلها حريتها الكاملة من خلال دورها الفعّال في المؤسسات الديمقراطية الجديدة والمتطورة وسط أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين.

 كان من الممكن أن تكون المرأة في تلك المناطق نموذجاً لسوريا مستقرة وعادلة وسلمية بعد الحرب, ولكن ما يحصل لها الآن هي من نتائج  العواقب الوحشية للتوسع التركي غير الخاضع للرقابة, مع اتخاذ الرئيس التركي أردوغان مساراً عدوانياً جديداً في المنطقة.

                         ثورة المرأة

عفرين وسري كانيه كانتا تداران من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية, وفي كلتا المنطقتين سلِّحَتْ النساء أنفسهن بسرعة وأنشأن مؤسسات سياسية جديدة.

وقد تم تأسيس أول وحدة مقاتلة نسائية بالكامل من وحدات حماية الشعب, (كتيبة الشهيدة روكن) في عفرين في شباط 2013, ثم تم إنشاء وحدات حماية المرأة YPJ هناك بعد أشهر, ومن أولى المؤسسات التي أنشأتها الإدارة الذاتية الجديدة في عفرين بعد أشهر قليلة من انسحاب قوات النظام من المدينة كان (بيت المرأة) وهو مركز للنساء للبحث عن الأمان من العنف الأُسَرِيْ وحل الخلافات الأسرية والاستفادة من التعليم والصحة, وكان يطبّق برامج لتلبية احتياجات المرأة.

وفي استطلاع تم إجراؤه عام 2013 تبيّن أن المرأة تشكل أكثر من 60٪ من ملاك المؤسسات المدنية في عفرين, وبحلول عام 2014 تبنّت المنطقة تشريعات تاريخية تحمي المرأة من العنف القائم على نوع الجنس، وأقرَّت نظام المساواة في الأحوال الشخصية، وتبنّت نظام الرئاسة المشتركة الذي يضمن تقاسم جميع المناصب القيادية بين الرجل والمرأة على قَدَمِ المساواة.

كانت وحدات حماية المرأة YPJموجودةً  كقوة منفصلة لبضعة أشهر عندما تم تحرير سري كانيه, وبعد ذلك عملت إدارة المدينة المتعددة الأعراق على بناء ديمقراطية متنوعة، وتشكيل تعاونيات زراعية ومراكز صحية ومؤسسات مستقلة أخرى تديرها النساء بالكامل كان هو الحال في عفرين, وتم تبني قوانين المرأة في شمال وشرق سوريا بالكامل.

                                الغزو والاحتلال

هاجمت تركيا وما يسمى الجيش الوطني السوري عفرين في كانون الثاني 2018 ليس فقط لإخراج القوات الكردية من المنطقة, ولكن لتغيير التركيبة السكانية (الديمغرافية) بشكل دائم.

 وفي تشرين الأول 2019  بعد مكالمة منتصف الليل بين دونالد ترامب وأردوغان تحرك الجنود الأمريكيون بعيداً عن الحدود السورية، وهاجمت القوات التركية والفصائل التابعة لها مدينتي رأس العين وتل أبيض بنفس الخطة, وكِلا التدخلين يمثلان أعمالاً عدوانيةً أحادية الجانب تتعارض مع القانون الدولي, وقد جلب هذا الهجوم معه وبعده موجةً من العنف والإرهاب استهدف النساء والمؤسسات.

وقد قام مقاتلو الفصائل التابعة لتركيا في كلتا الحملتين بتصوير أنفسهم وهم يُشوِّهون جثث مقاتلات وحدات حماية المرأة اللواتي سقطن, وهم يدلون بتصريحات معادية للمرأة.

وتحدثت تقارير عن اختطاف النساء والفتيات بمجرد سيطرة الجماعات المسلحة على تلك الأراضي, وعندما عززت تركيا وفصائلها سيطرتهما على تلك المناطق، تم التعامل مع أولئك الذين شاركوا في مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا  كمجرمين.

وألقت أحدث الأدلة التي قدمتها الأمم المتحدة مزيداً من الضوء على الإرهاب الكاره والحاقد على المرأة, حيث أشارت إلى أن مسؤولي الأمم المتحدة تلقوا تقارير عن الزواج القسري واختطاف نساء كرديات في عفرين ورأس العين، وأن اللجنة تحقق في اختطاف ما لا يقل عن 49 امرأة كردية وإيزيدية حدثت أثناء الفترة الزمنية التي غطّاها التقرير.

بات من الواضح الآن بشكل لا يمكن إنكاره أن المرأة هي أولى ضحايا الاستبداد والعدوان التركي, وهذا لا يقتصر على سوريا فقط.

 ترافق تمكين أردوغان للسلطات المحلية المؤتمِرة بأوامره مع ارتفاع مرعب في معدل العنف القائم على النوع الاجتماعي وانتشار زواج الأطفال والاغتصاب, فقد كشف تقرير حديث صادر عن كبير المفتشين العامين بوزارة الدفاع الأمريكية عن حالات متزايدة لاعتداءات جنسية ارتكبتها الفصائل السورية التابعة لتركيا في ليبيا, مع تأكيد تقارير موثوقة بأن أفراد من فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا قد تم نشرهم في أذربيجان للقتال ضد أرمينيا، ومن المرجح أن تتكرر نفس الجرائم والانتهاكات هناك.

                       خيارات السياسة

حتى الآن  لم تفعل الولايات المتحدة شيئاً لمحاسبة تركيا والقوات الموالية لها على الجرائم المرتكبة ضد النساء, فقد امتنعت وزارة الخارجية الأمريكية عن إصدار بيان يدين الاغتيال الوحشي ل(هفرين خلف) السياسية الكردية التي كرَّست حياتها للنضال من أجل التعددية والديمقراطية والمساواة بين الجنسين في سوريا,  بينما أصدرت بيانات مفصلة عن مقتل شخصيات عشائرية في دير الزور.

في اعترافها بتقرير الأمم المتحدة الأخير لم تتهم السفارة الأمريكية في سوريا (تركيا أو الفصائل التابعة لها) كجهات مسؤولة عن الانتهاكات التي وردت في التقرير، بينما خُصصت فقرات للانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية السورية.

تدرك تركيا وحلفاؤها السوريون تماماً أنه يمكنهم الإفلات من هذه الجرائم والانتهاكات, فبعد أن دعا مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تركيا للتحقيق في الانتهاكات المفصلة في التقرير، نفت كل من تركيا والحكومة السورية المؤقتة وقوع أي فظائع أو انتهاكات، وألقت باللوم على أطراف النزاع الأخرى في الجرائم التي ارتكبوها هم.

ولكن يجب أن يتغير ذلك, إذ يوجد إطار شامل يمكن للولايات المتحدة بموجبه أن توضح أن الفظائع المنهجية التي تستهدف المرأة ستكون لها عواقب.

ينص قانون المرأة والسلام والأمن لعام 2017 على أنه ينبغي أن تكون سياسة الولايات المتحدة  هي تعزيز المشاركة الهادفة للمرأة في جميع جوانب منع النزاعات في الخارج وإدارتها وحلها، وأن على الولايات المتحدة تعزيز السلامة الجسدية والأمن الاقتصادي وكرامة النساء والفتيات, وتعديل السياسات والبرامج لتحسين النتائج في المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

وكذلك يدعو تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص (استراتيجية الولايات المتحدة بشأن المرأة والسلام والأمن) الولايات المتحدة إلى منع ومتابعة المساءلة عن الانتهاكات التي يرتكبها قطاع الأمن بما في ذلك الاستغلال والاعتداء الجنسي، وغير ذلك من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي, ومنع وحدات الأمن الأجنبية التي يُعرف أنها ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والعنف الجنسي من تلقي المساعدة الأمنية الأمريكية.

إن معاقبة الجماعات المسلحة السورية التي تخطف وتعتدي على النساء الكرديات بشكل يومي هو أمر آخر إذ يوفر الأمر التنفيذي الصادر في 14 تشرين الأول بشأن حظر الممتلكات وتعليق دخول أشخاص معينين يساهمون في الوضع في سوريا سلطة واسعة لمعاقبة الجهات الفاعلة المتورطة في غزو واحتلال الشمال الشرقي، وقد ورد ذكره في تقرير للحكومة الأمريكية على أنه سلطة محتملة يمكن بموجبه حظر المجموعات المدعومة من تركيا. وهذا من شأنه أن يشكك في شرعية الدعم الدولي لهذه المجموعات، وهي خطوة مهمة نحو إضعاف سلطتها. قد يكون لذلك أيضًا تداعيات على الجهود التركية لنقل هذه الجماعات إلى الخارج لإرهاب المدنيين في مناطق أخرى.

يجب على الولايات المتحدة أيضًا الضغط من أجل المزيد من الانفتاح السياسي مع AANES (الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا)، حتى تتمكن من حماية وتوسيع تقدمها في مجال حقوق المرأة من خلال تسوية سياسية مستقبلية.

الائتلاف الوطني السوري – الذراع السياسي للجماعات المتمردة التي وجدت الأمم المتحدة أنها مذنبة بالاغتصاب والتعذيب – مُمَثَّل على المستوى الدولي وله رأي في المفاوضات الدستورية، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تركيا، وبالمقابل لا يوجد تمثيل AANES (الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا)، الطرف الوحيد في سوريا الذي لديه قوانين شاملة تحمي المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي وتفرض المساواة بين الجنسين في الحياة العامة. هذا أمرٌ خطير بالنسبة لنصف سكان سوريا، ولا يجب على صانعي السياسة الأمريكيين التغاضي عنه.

في النهاية، يجب على الولايات المتحدة دعوة تركيا إلى الانسحاب الكامل من سوريا، وقد تم تقديم هذه التوصية بالفعل من قبل اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية، في سياق الانتهاكات الواسعة النطاق التي تستهدف الأقليات الدينية في المناطق التي تحتلها تركيا، كما أنه يمثل بشكل موضوعي آراء واحتياجات السوريين على الأرض في المناطق التي تواصل تركيا تهديدها، ويصنف العرب والكرد في قوات سوريا الديمقراطية على حد سواء تركيا على أنها التهديد الأكبر الذي يواجهونه، ويواجه مئات الآلاف من النازحين داخليًا من عفرين ورأس العين وتل أبيض وباءً عالميًا (كورونا) في المخيمات المؤقتة لأنهم غير قادرين على مواجهة هذا الفيروس ولا يستطيعون العودة إلى منازلهم في المناطق المحتلة.

https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/united-states-cant-ignore-turkeys-war-syrian-women-169886?fbclid=IwAR0J1w0DhMJnHyIPyZ1HuHdzfrAS-D4TQNPC-MCWcTRgIDKZnZMttpYFRy0
زر الذهاب إلى الأعلى