مقالات

قمة سوتشي قمة في الاستعصاء

قرأ رئيس روسيا الفيدرالية فلاديمير بوتين البيان الختامي المُجمّل لأعمال قمة سوتشي- السورية الرابعة. والتي يمكن تحديد مفاصلها بعدة نقاط أساسية أو لنقل تأكيدات من قبل الضامنين: وحدة وسلامة وسيادة سوريا. مسألة الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات. محاربة الإرهاب. إعادة إعمار سوريا وعودة النازحين السوريين. واللجنة الدستورية. إضافة إلى نقاط أخرى ترتبط بهذه المحددات بشكل أو بآخر.

فيما لو أمعن سوريّاً أو متابعاً للأزمة السورية التي تدخل بعد حين عامها الثامن ليرى بأن هذه المحددات أو التأكيدات تمثل جوهر التناقض ما بين الثلاثي الضامن: روسيا. إيران. وتركيا. بسبب اختلاف رؤى الثلاثي إلى درجة الخلاف ما بين هذه المحددات الأساسية وكيفية تناولها وأساليب تطبيقها طبقاً لأجندة كلٍّ منها. على سبيل المثال ترى موسكو بأن الكرد مكون أساسي من مكونات شعب سوريا، ودعت أكثر من مرة إلى ضرورة مشاركتهم في اجتماعات أو مباحثات حل الأزمة السورية سواء كان في آستانا أو في جنيف؛ لا أناقش الجدية أو ما يقابلها من ترجمة فعلية وموانع التمثيل الكردي في ذلك وماهية الأغراض والدوافع في ذلك. زاد هذا التأكيد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني بشكل ملفت للنظر وللمرة الأولى في المؤتمر الصحفي لرؤساء الدول الضامنة للآستانا السورية؛ بقوله الحرفي: الشعب الكردي جزء من الشعب السوري. يجب مراعاة حقوقه، وأن يحظى بدوره في مستقبل سوريا. بالنقيض منهما يرى رئيس تركيا بأنه يجب دفن الكرد؛ ولن يسمح بقيام (مستنقع) في شمال سوريا على غرار ( مستنقع شمال العراق). وجوب التأكيد والتذكير مرة أخرى بأن مثل هذا التصريح المهم لم يأتي من فراغ ولا هبة ولا حسنة إنما يتعلق إلى حدٍّ ما بمشروع الكرد في سوريا المتعلق بالإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا إلى جانب شركائهم التاريخيين العرب والسريان الآشوريين والمكونات الأخرى؛ إَضافة إلى تصديهم لسبع أعوام كل أشكال الإرهاب؛ في أنهم -أي الكرد- مثّلوا مستوى متقدم معادلة حل الأزمة السورية في شقيّها: محاربة الإرهاب، والحفاظ على الأمن المجتمعي والمؤسسات الوطنية السورية من خلال تقديم نموذج التغيير الديمقراطي السوري (اللامركزية الديمقراطية في صيغة الإدارة الذاتية)، وبالتالي تحوّل هذا النموذج الإداري المجتمعي إلى واقع حال سيؤدي انهائه من طرف أية جهة إلى أكلاف باهظة ربما لا تريدها الآن أو بغنى عنها هذه اللحظات. أما الخلاف الثاني فإن جبهة النصرة -تسيطر على كامل إدلب- في نظر روسيا وإيران والعالم إرهابية؛ يستثنى من العالم في هذا الاتفاق تركيا وقطر ومشغليّهما في (المعارضة) السورية من الفئة المتحكّمة بالائتلاف الذي ما يزال يأمل بأن تندرج النصرة كمعارضة معتدلة! بطبيعة الحال روسيا تعلم وكذا إيران بأن مفاتيح النصرة بيد أنقرة: لقد أكد الرئيس الروسي علانية ذلك إبّان قمة الضامنين الثلاثة في إيران من الجمعة الأولى في أيلول سبتمبر العام الفائت بأنه (لا يوجد في هذه القاعة ناطقين لجبهة النصرة) بالطبع قصد القيصر المستلطن العثماني الجديد. وأن أكثر من عشرة آلاف جهادي عابرين للقوميات متجمعين اللحظة في إدلب باستطالات متعددة في أشكال مختلفة متقابلة من الداخل التركي؛ هل يبقون في إدلب لتصفيتهم، هل يتم نقلهم إلى الداخل التركي –حيث أتوا- لتوجيهم ربما إلى ليبيا أو مصر أو نقلهم تباعاً إلى القاعدة التركية في قطر وتهديد أمن المملكة العربية السعودية، أو ربما إلى القواعد التركية في إقليم كردستان العراق، أو ربما إلى عفرين المحتلة من قبل مجرمي حرب ولصوص ومرتزقة ضد الإنسانية. سيناريوهات متعددة مقبل عليها الرئيس التركي بخصوص جبهة النصرة ويحاول الربط بينها والاستحقاق الانتخابي المزمع حصوله في نهاية آذار القادم. كما أن عدم موافقة موسكو وإيران على المنطقة الآمنة في شرقي الفرات بشروطها التركية أيضاً يمكن اعتبارها أحد أهم نقاط الاستعصاء. فلا موسكو تقبل ولا طهران، وقد رفضت قبلهما واشنطن وحلفائها من (الناتو العربي) مقترح تركيا؛ وقبلهم جميعاً لم تقبل الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية أي شكل من أشكال الاحتلال التركي القديمة الواجب تحريرها في مقدمتها عفرين، وأية محاولة جديدة في ذلك أيّاً يكن اسمها. وبقليل من التمعن ينتج عنه بأن أنقرة الأردوغانية أكثر الجهات التي عادت سيادة سوريا وهددت وتهدد سلامة أراضيها وأكبر الجهات الراعية الداعمة للإرهاب، وهي الآن دولة احتلال لمناطق دولة جارة لها؛ وغايتها الوحيدة تصفية الكرد وأي شكل من أشكال الحل الديمقراطي السوري، وتعويم مشغليها إلى سدة الحكم في سوريا –نموذج اللجنة الدستورية- بعد فشلها المدقع في مصر وليبيا وغيرهما. أما اللجنة الدستورية فيمكن القول بشأن التوافق الثلاثي عليه وإن بشكله المغمغم فيأتي لأنه لم يحظى حتى اللحظة بموافقة أممية. قد أعلن دي مستورا في آخر جلسة له بعدم قبول الأمم المتحدة على الأسماء. بالأساس الأعضاء في اللجنة الدستورية؛ أغلبهم بغير علاقة مع الدستور، وكاملهم يفتقرون الإجابة عن السؤال المحوري بخصوص الدستور وطبيعة مهمتهم فيه؛ هل هم أمام صياغة دستور جديد؟ أم تعديل القديم؟ أم غير ذلك.

يمكن النظر إلى قمة سوتشي الأخيرة بأنها شارفت قمة الاستعصاء. وكأن انعقاد القمة جاء هذه المرة أيضاً بهدف الاستمرار سوياً برغم الاختلافات ومنع الافتراق ما بينهم في ظل تطورات تؤكد بأن خارطة العالم –الشرق الأوسط بشكل خاص- تهتز، والجميع فيها يتحضر لكامل الاحتمالات. وتغليب ما جمعهم ثلاثياً أو ثنائياً في أشكال اتفاقيات اقتصادية وفي غيرها.

كخلاصة: صيغة الآستانا هذه لن يكتب لها النجاح. حتى تكون الآستانا بالداعمة لجنيف يجب أن تتوسع، وتتعدل، ويتصوب فيها الكثير من المسائل لتأخذ بعين الاعتبار أولاً من هم الأطراف المؤثرة في تحقيق اختراق حقيقي للحل السوري؟ هيئة التفاوض السورية يجب أن تتعدل جذرياً إذْ يجب عقد الرياض3 وحضور كافة أطراف المعارضة الوطنية الصرفة لا مكان فيها لمشغلي العثمانية الجديدة. دون تحرير عفرين، ودون تحرير إدلب لا يمكن الحديث سوى عن التصورات في أحسن الأحوال فكيف الحديث عن اللجنة الدستورية. ولأن الملف السوري إقليمي دولي فإن ملف إعادة الإعمار وعودة النازحين وقطع الطريق على أية جهة تتاجر بهذا الملف؛ في مثال أنقرة؛ فإن التوافق الإقليمي الدولي هو الذي يسبق كل هذا. أما المنطقة الآمنة/ قوات فصل أممية عربية بقرار أممي ما بين تركيا وسوريا فإن ذلك يحفظ أمن البلدين؛ علماً بأن الويلات التي استقدمت من تركيا إلى بلدان المنطقة كادت في فترة ما النيل كاملاً من أمنها؛ مقابل صفر تهديد على الأقل من الجانب السوري؛ وفي ذلك فإن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا حينما تمنح شخصيتها الاعتبارية ويتم الاعتراف بها قانونياً فإنها تتحول بحد ذاتها إلى منطقة آمنة بشروط معيارية متفق عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى