مقالات

قادة مقاومات الرابع عشر من تموز

عبدالله أوجلان

مقاومة الرابع عشر من تموز بقيادة الطليعة الثورية الأولى للحزب رسمت تاريخ ومستقبل ثورتنا في غياهب زنزانات الطغمة الفاشية التركية. فرغم كل المظالم والتعامل اللاإنساني الذي مارستها إدارات السجون وبأوامر مباشرة من قادة انقلاب أيلول الفاشي في تركيا لأجل تحطيم إرادة الثورة الفتية من خلال قادتها الأسى في سجن ديار بكر وفرض الاستسلام والعمالة عليهم، إلا أن هذه المقاومة البطولية التي بدأت في الرابع عشر من تموز وإعلان الإضراب عن الطعام حتى الموت، وبذلك فقد لقنوا العدو درساً تاريخيا حول حقيقة التضحية وروح الإقدام التي يتحلى بها كوادر الثورة الكردستانية بقيادة حزبنا. بالإضافة إلى العدو فقد كانت هذه المقاومة رسالة واضحة إلى داخل السجون ومثالاً يجب أن يحتذي به كل الرفاق الأسرى في لعن الخيانة والاستسلام والعمالة المفروضة عليهم من قبل الدولة وبعض الشخصيات العميلة. بالإضافة إلى كل ذلك فقد كانت هذه المقاومة البطولية والتاريخية عاملاً ودافعاً قوياً للكوادر والقيادة لأجل رفع وتيرة الكفاح والانتقال إلى المرحلة التالية من الكفاح المسلح لمقاومة النظام الفاشي التركي ارتباطا بذكرى أبطال مقاومة الرابع عشر من تموز. مقاومة الرابع عشر من تموز ليست مثل المقاومات الأخرى وكذلك ليس حادثة تاريخية عابرة، بل كانت منعطفاً عصرياً ومصيرياً بالنسبة إلى ثورة تحرير كردستان والنضال الإنساني على طريق أخوة الشعوب وتحررها. عظمة المقاومة وسموها مرتبط مع عظمة أبطالها وشخصيات شهدائها العظماء. فكل من الشهيد العظيم كمال بير وعاكف يلماز ومحمد خيري درموش وعلي جيجك… كل بطل من هذه الكوكبة أسطورة للنضال بحد ذاته.

– كمال بيركان قائداً للشبيبة الثورية، درس كلية اللغة والتاريخ والجغرافيا، وبعد نقاش دام لنصف ساعة مع آبو، قرر تقديم مساهماته لنضال الحرية الذي بدئه الكرد، وردد في قرارة نفسه” لا حرية الترك دون حرية الكرد”. وهكذا احتل مكانه في أول مجموعة ثورية والتي عُرفت بـ الابوجية. الذين يعرفونه عن قريب يدركون جيداً المستوى الثقافي الذي تمتع به الرفيق كمال بير، فليس من انسان تناقش معه وتحدث إليه إلا وتأثر وانضم الى المجموعة الابوجية. اغلب الناس يعرفونه بصفة الجندي المخلص، إلا أن هذا التعريف لا يعبر عن حقيقة الرفيق كمال بير تمام التعريف، لأنه أسمى من كونه جندي مخلص، فهو إنسان إيديولوجي قبل كل شيء. كان متمكناً بعلم التاريخ. وقد كانت النظرية الاشتراكية العلمية نقية كالمرآة أمام ناظريه. لنترك كل تلك الخصائص طرفاً الآن ولنلتف معاً الى جانبه الخطابي؛ كان صاحب خطابة قادرة على تحريك الحجارة، قد يكون ذلك مبالغة وفق وجهة نظر بعض الشخصيات، لكن أنا واحد ممن تأثر بخطابه لدرجة لم أتمالك نفسي، فبعث فيّ رغبة جامحة في تسيير الانشطة ليلاً نهاراً دون أن أشعر بالكلل أو الملل. نبرة صوته الناضجة كان يبعث الأمل والثقة في نفس الجماهير الصاغية إليه. نعم احتل مكانه في الصفوف الأمامية لمعركة مواجهة الفاشية. كان قائداً جاداً لا يعرف السكون ويشعر بالحاجة إلى عمل المزيد والمزيد. له قلب يجتمع فيه حب الانسان والشعب ليغدوا جسداً واحداً. حتى لم يترك شحاذاً ومتسولاً إلّا وتعامل معه وقرر في قرارة نفسه بان يأخذ بثأرهم من أولئك الذين أوصلوا بهم الى هذا الحالة. فضلا عن كل ذلك كان يكن حباً شديداً لتركيا، بل كان حبه لتركيا كما حب المجنون، إذ كان يقول بين الحين والآخر ليس لأي دولة أربعة بحور مثل دولتنا. أتعلمون ذلك؟ أاعتقل كمال بير لثلاث مرات، لكنه لم يبوح بأي سر للظالمين، والصراع والكفاح الذي خاضه في سبيل القضية الذي اقتنع بها جعلت الجدران تذوب رغماً عن صلابتها، وتعجز عن حبسه. حاول الهروب لكنه لم يتمكن من اجتياز عراقيل ديار بكر، لم يتخطَ جدار سجن ديار بكر ولم يخرج منه حياً. كان من الاوائل الذي تعرضوا للتعذيب في سجن ديار بكر. رغم ذلك لم يتزحزح من حبه للشعب الكردي ولو قيد أنملة. فهو يعشق ويحب الكردية أكثر من الكرد أنفسهم. كان تركياً يسرع من خطواته لإعاقة الاوليغارشية الناكرة للكرد. الوحشية التركية أدت به لنْ يقول” أخجل من كوني تركياً” و”هؤلاء ليسوا تركاً، بل أوغاد ليس إلا”. هو الذي قرر مع الرفيق محمد خيري دورمش قرار البدء بصيام الموت المعروف بـ عملية الرابع عشر من تموز، ليعيق بذلك سياسة التتريك والاستسلام الذي فرضه النظام الاوليغارشي. فقد البصر في اليوم الخامس والثلاثون من أيام صيام الموت، لكنه لم يبح بذلك لأي من الرفاق كي لا يتأثروا به. لكن وبعد أن أدركنا المرض الذي أصاب به لم يكن في يدينا حيلة لننقذه من هذه الحالة. بعد مرور عدة أيام جاء الطبيب المختص بشؤون مرضى السجون ففحص الأمر وقال” هل ترغبون الموت كونكم لا تحبون الحياة. ان كان العكس صحيح، عليك التراجع عن صيام الموت..”. أجابه الرفيق كمال بثقة وإصرار: “كلا… إننا نحب الحياة لدرجة أننا مستعدين لأن نضحي بأغلى ما نملكه في سبيله”. أجل إجابته كانت فلسفية لأنه في الاصل فيلسوف حكيم. استشهد الرفيق كمال بير في اليوم السادس والخمسون من العملية.- محمد خيري دورمش أما الان فلن أسال عن من هو البطل، الجميل والعظيم. لكن إذا كان هناك أحد راغب في أن يكون من أبناء الترك، فليأخذ الرفيق كمال بير مثالاً له. وإذا كان هناك من يريد أن يضحى ثورياً حقيقياً فكمال بير خير مثال للشخصية الثورية، وعليه إحيائه لحظة بلحظة، وأن يكون صاحب قوة قادرة على استقبال الموت كالفلاسفة. على الانسان ان يقف ويفكر ملياً عندما يلفظ اسم محمد خيري دورمش. فهو قائد شعب يصعب التعبير عنه. لو أنه حبذ الحياة التقليدية لتمكن من بلوغ المستويات العليا. لكنه سد ابوابها وانضم الى قافلة الابوجية بعد أن درس الدكتوراه في جامعة حجي تبه. كان هادئ كالبحر ومناضل ثوري مثقف ناجح في تربية ذاته، كذلك شخصيته الناضجة المتواضعة لدرجة يتأسف إذا ما داس شخص على النملة، يتعامل مع كافة الاجيال والاجناس دون تفريق، وله قدرة طارئة على خوض النقاش والحوار وجذب الجميع الى النهج الصحيح دون ان يصيب أي منهم بأي أذى أو يشعر بإزعاج. يتراءى لك للوهلة الاولى إنه شخصية عاجزة عن النقاش والحديث إلا أنه يجعل العيون والشفاه تبقى محتارة من أمره عندما يباشر بالحديث. كان آبوجياً حقاً، كثيراً ما تمنينا لو يتحدث هو ونصغي نحنُ إليه نحن. لم يكن يتحدث عبثاً، بل كانت نقاشاته غنية ومركزة ولا سيما متواضعة الى جانب كل ذلك. لم يتصرف ويتحدث إن لم يكن لذلك حاجة. أي يمكنني تعريفه باللغة الشعبية القائلة” الانسان الكامل” بالمعنى الحرفي. فالمتهور والمجنون يتحولان الى خراف، لمجرد سماعهم الى حديثه. أي كان له نضج يجعلك تبدي الاحترام له رغماً عن الوضع الذي أنت فيه. إذ كنا نتأسف في الوقت الذي كنا نتحدث بالحروف الكبيرة “بصوت عال” وهو موجود، ولا نتردد في تقديم الاعتذار له. وفضلا عن كل ذلك لم تكن تود مفارقته ولو للحظة. لذا لم تتفوه اية عائلة صاغية الى الرفيق محمد خيري دورمش بكلمة “ليذهب انه ممل”، بل على العكس من ذلك يقومون بكل ما في وسعهم لكسب احترامه. تحبه العوائل أكثر من أبنائهم وكأنهم عثروا على من كانوا يبحثون عنه منذ زمن طويل ليقتدوا به. أجل كان يتمتع بخصائص الانبياء. لا يلبس الا النظيف والمتواضع، رفيع القامة ذو ابتسامة خافية يتحدث معك بلغة عيونه الماسية. في يوم من أيام زياراته الى العائلة في بنيغول يقول له والده:” أرسلتك إلى أنقرا كي تعود إليّ بشهادة الدكتوراه، ها أنا أراك الآن تعود لي كردي الاصل..”. جاوبه بسكون ونضج لا مثيل لهما: “ما نقوم به الان ليس بعيداً عن وظيفة الدكاترة يا والدي، انظر الى الوضع الذي يعانيه الشعب، هل تجد عضواً سليماً فيه..؟ أجل قررت أن أصبح دكتوراً لشعبي”. لم تكن الشخصية المنظمة هذه تأبه العراقيل والعقبات. لم يكن في يد الانسان ان يبقى في حيرة من امره، فالسكون والهدوء والتواضع والأخلاق والتنظيم كلها سوياً كانت تشع من عيونه وتنعكس على كل تصرفاته. كان خلاقاً وقائداً يشكل تنظيمه أينما كان. وليس من أحد لا يعلم أن الرفيق خيري شكل اللجان التنظيمية في كل مكان كان يذهب إليه. هو الذي دوّن الشكل الأخير من برنامج PKK عام 1977. قلمه أيضا كان متواضعاً وجذاباً مثله تماماً. كان قلماً من النوع الذي يفرض عليك سبر أغواره. كان قائداً يجمع في شخصيته المفاهيم الديمقراطية والايكولوجية بمعنى الكلمة. لم يقم بأية عملية مسلحة، لكنه كان المخلص والنشيط الذي يكتفي بصحن من البرغل وكأس من الماء ليخدم شعبه ويسعى الى بناء مستقبل حر له؛ هو ذا الذي كنا نبحث عنه دائما ولم نراه الا قليلا. فضلا عن تواضعه هذا كان يجاهد ليلاً نهاراً، يود تقديم كل ما يملكه، فهو رجل السياسة بمعناه الحقيقي. كان المسؤول الاول في سجن ديار بكر، وعمل كما تقتضي مسؤوليته، كان بمثابة تنظيم حتى في أوقات عزلته. هو الذي أدرك الأهمية التاريخية والسياسية التي يتمتع به الدفاع السياسي الذي سيقدم أثناء المحاكمة. لهذا تحمل كل الأساليب الوحشية وتحلى بالصبر. هو الذي عانى من التعذيب أكثر من أي واحد منا، إلا أنه كان فخوراً بقضيته ولم يتنازل عن كلمة نطقها سابقاً. بل كان مصراً على أن يلعب دوره أثناء المحكمة. ولم يجد النوم سبيلاً إلى جفونه وهو منشغل بإعداد وثائق قضية شعبه. أصر على أن يشارك كافة المجموعات في المحكمة، ونجح في ذلك، رفض كافة الاتهامات التي لا علاقة لها بالحقيقة، مع التأكيد على إصراره وعزمه في مواصلة مسيرة الحرية، ولم يتوان عن تصريح قرار البدء بصيام الموت في وجه المحكمة. فحتى في آخر محطات رحلته، أي في اكثر لحظات قيمةً، عندما قدم حياته في سبيل حرية الشعب الكردي قال:” أكتبوا على شاهدة قبري بأنه مات مديوناً”. عندما يقف الانسان لينظر ويتمعن من جديد، لا يجد في يده حيلة إلا أن يقول” وا أسفاه” .

 – عاكف يلماز كان عضو من الأعضاء المستشهدين في صيام الموت /14/ تموز. كان من قارص وانضم الى الحركة الابوجية من المنطقة نفسها، يتمتع شخصيته هو الاخر بالنضج والنشاط والكدح. كان مناضلاً لا يبخل على تقديم ما يملكه لرفاقه، رغم تواضعه وسكونه المكتظ بالمعاني، يتكفل بأصعب الأعمال، أما من حيث التزامه بالهدف وحبه للوطن، يمكنني التعبير عنه بكلمة واحدة لا غير وهو انه كان ” مثلاً رائعا”. يظهر وكأنه لا يحمل الحقد والاشمئزاز، لان الحب كان طاغياً في صميم قلبه. فحتى التعذيب الذي تعرض له في سجن ديار بكر، كان بالنسبة له أمر يجب استقباله بالتسامح، لأنه نتيجة من نتائج الذهنية، لكنه كان ينسى هذا التسامح اذا ما بدأ بالمحاسبة الذاتية. عندما كان طليقا حاول خطف الرفيق مظلوم دوغان من سجن ديار بكر، لكنه لم ينجح في عمله هذا، لهذا السبب لم يترك لنفسه مجالاً يعفو به عن ذاته، وازدادت هذه القطعية بعد استشهاد الرفيق مظلوم دوغان، ليس لكونه شخصية عاطفية، بل لان ضميره لم يسمح له بأن يغفر لنفسه. جاء مدير السجن “بيرول شان “وفي حالة من السكر، يتجول بين الحُجر، كان يحمل المصباح في يده، سأل الرفيق عاكف قائلا:- من أنت… ياو؟ عاكف: أنا كردي. ماذا يعني الكرد الذي تتحدث عنه؟ عاكف: بنظرات حادة “انسان”. أخدوه إلى غرفة التعذيب في الليلة نفسها. تخلى عنه المسؤول ليحتل الاخرون مكانه ويواصلوا التعذيب. كان الحقد يشع من وجوههم رغم كونهم مذنبين. اما عاكف فكانت عيونه تشعان اصالة ويتمتع بتسامح لا يقدر. قبل استشهاده بساعات عدة طلب من حارس واقف الى جانبه في المشفى العسكري. ربما كان هذا الحارس ابن حلال وانسان طيب القلب. لقد جلب له كاساً من العصير بدلاً من الماء. عندما أمسك الرفيق عاكف وشرب الرشفة الاولى عرف طعمه انه جلب العصير وليس الماء، حينها لم يتمالك نفسه ليقول: طلبت منك كأساً من الماء، ألا تعلم بأننا لا نشرب الماء الحلو ونحن في فترة صيام الموت، لن أشرب شرابك”. حمل الكأس ورماه على الارض لينكسر ويتحول الى شظايا. نعم هو الاخر.. كان ثورياً ملتزماً بقواعد عمليته حتى آخر نفسه، دون أن يتنازل عن أي شيء. أما نحن فما مستوى التزامنا؟ كم مرة في اليوم نتنازل عن مبادئنا وقرارنا وقواعدنا؟ عشرة، عشرون ام مائة؟ وقد نكون في وضع يصعب علينا حسابه. إن كنت راغباً في أن تكون إنساناً بمعناه الحق، فخذ مقاييس الرفيق عاكف يلماز المبدئية، الحريصة والمنظمة كخير مثال لك وما الباقي الا كلمات فارغة.

 – علي چيچك هو آخر من استشهد من بين شهداء 14 تموز. كان معروفاً بـ”النجم الأحمر” من قبل الرفاق. وقد كان كذلك في الحقيقية. لم يكن بمقدوركم التجرؤ على النظر إليه. كان دائم الابتسامة والنشاط، مفعم بروح عالية من المعنويات، وفضلاً عن ذلك كانت ملامحه متناسقة وكأنه مرسوم بريشة رسام محترف. يعود أصله الى أورفا. انضم إلى الحركة وهو لا يزال في مقتبل عمره. في الوقت الذي فرّ فيه كمال بير من سجن اورفا، يقوم هو في الخارج بدور المرشد، و بعدها أي في سجن ديار بكر وخلال أحداث إضراب الرابع عشر من تموز كانا كلاهما يشاركان الغرفة والسجن نفسه. كان مناضلا ثورياً، نفذ عمليات لا تحصى، وقد قبض عليه وهو مسلح ويحمل العديد من الوثائق السرية. الا أنه لم يقبل أي من الاتهامات الموجهة إليه؛ كالقيام بالعملية ولعب دور المرشد وحمل السلاح والوثائق. بناء عليه ترك لمدة تسعون يوماً بالكامل تحت رحمة التعذيب والمحاكمة والاستجواب. لم يقبل بأي تهمة عدى أنه اعترف بهويته الشخصية. وها هو الآن يجبر على العدو ان يدوّن ملاحظاته التي أعترف بها بإرادته وليس بقوة الضغط. قرروا نقله الى ديار بكر. لكنهم كانوا ينوون معرفة أمر واحد من الرفيق جيجك، بناء عليه طرحوا السؤال التالي:” من منا كان هدفك هذه المرة، قبل ان نقبض عليك، ياعلي جيجك..؟”.رفع رأسه وعيناه معصوبتان، وجاوب: كلكم يا أوغاد….هكذا كان علي جيجك. فهو لازال في الثامنة عشر من عمره، لكنه كان ناضجاً أكثر من ذاك الذي يفتخر بنضجه. يحترم رفاقه ولا يتكبر على الأعمال التي ينجزها بنجاح، بل ولا يتفوه بها على الإطلاق. من هذه الخصائص تتكون تمثال المقاومة للرفيق علي جيجك. كان من الاوائل السائرين في مسيرة المقاومة، وقد بادر على ذهنه فكرة الانتحار عندما قاموا بعزل رفاقه عن السجناء وسجنوهم في غرفة بعيدة عن الكل. بدأ بالإضراب عن الطعام بمفرده رداً على التعذيب. علي جيجك هو أول من انضم من بين ستة رفاق إلى قرار صيام الموت الذي أعلنه الرفيق محمد خيري دورمش في المحكمة، وطالب بحق الحديث من مسؤول المحكمة “امرو الله قايا” بإصرار، وقال سوف أدلي ببعض تصريحات بالغة من الأهمية. وقد نجح في كسب حق الحديث بعد جهد جهيد. فعلي جيجك الذي لم يتفوه بكلمة أثناء المحاكمة نجده الان منتصب القامة مرفوع الرأس وهو يتحدث قائلا:” يجب تدوين التاريخ بصورة صحيحة، وينبغي تفادي اتهام احد آخر التي قمت أنا بها”. وهذا تبنى مسؤولية كافة العمليات التي نفذت وواصل حديثه قائلا:” علمناPKK درس المقاومة وليس الاستسلام. بناء عليه أنا أيضاً أنضم الى عملية صيام الموت وسيكون هذه آخر المحاكمات التي أنضم إليها”. وهذا ما حدث بالفعل. استشهد الرفيق علي جيجك في اليوم الستين من أيام صيام. كان الأبن البكر لعائلة فقيرة. كبر قبل أوانه، لأنه اكتسب رغيف خبزه بعرقه وجهده. أحب وطنه وشعبه وحاول الدفاع عن كل الحقوق المسلوبة منهم. فعل كل شيء لأجلهم. ودفع بنفسه تحت رحمة البلطة التي كانت تستهدف إبادة الشعب وأعاقه بجسده الغض.

 اليوم نعيش ذكرى مقاومة الرابع عشر من تموز ونحنُ مدينون بكل شيء نملكه و كل مكتسب حققناه اليوم فهو نتيجة تلك المقاومة. الفهم الصحيح لكمال بير بأحد معانيه هو فهم القائد آبو. جميل بايق: الفهم الصحيح لكمال بير هو فهم للقائد آبو، استيعاب شخصية كمال وخصائصه النضالية وفلسفته ومنطقه ستتوجه بنا إلى النصر والنجاح. حين نقول كمال نتذكر العملية والتطبيق حيث ان الخصوصية الأساسية للقائد هي معايشة الفكرة والممارسة في آن واحد، التطبيق مع التفكير والتفكير مع التطبيق، كان كمال بير أحد النادرين الذي استطاعوا التصرف وفق هذا المنهج، هذه الخصوصية تجلب الوفاء بالوعد والالتزام بالعهد، لم يكن مجرداً بل ملموساً في أفكاره، فكان يغلي غلياناً فكرةً وممارسةً. كان يتخذ من رفاقية الدرب أساساً له في علاقاته و يعطي الأولوية إلى منح رفيقه القوّة وتوجيهه نحو النصر والنجاح، من كان يعمل معه كان يتحلى بالإيمان والمعنويات والثقة ، تأثير كمال بير كان يضفي قوة الشخصية على كل من يعمل معه، عهوده كآيات قرآنية يجب تطبيقها، كان كمال موقف لا يعرف التردد. الارتباط لدى كمال بير بالقائد ليس مجرد قول بل كان ممارسةً وتطبيقاً. كانت الخدمة هي الأهم بالنسبة لكمال بير، كان يولي الأهمية لمصالح الحزب والشعب قبل كل شيء، يصرف كل طاقته لأجل رفاقه وشعبه والمصلحة الحزبية، ولأنه كان يهتم بالخدمة الشاملة فلم يكن يعطي أهمية للسلطة والمنصب والرتبة. سعى القائد آبو لتحريض فهم كمال بير في طريق الفهم الصحيح للقيادة، حيث أن أفكار كمال بير وممارساته كانت عبارة عن تحريض للعمل والمثابرة والالتزام بالنهج وهذه خصوصية من خصائص القيادة، كان القائد آبو يقول دائماً: “يجب فهم روح كمال”. كان يسير كمال بير لسنوات آخذاً طاقته من نقاش خلال نصف ساعة، كان ذلك النقاش القصير يحرز تطورات كبيرة في ممارساته، تحقيقنا لهذه الخاصية حاجة ماسة لنا وعدم التزامنا بذلك هي خطيئة بحق كمال بير، كان كمال قد فهم القائد وطبّق افكاره في الوقت الذي كان القائد وحيداً لا يملك أحداً بجانبه، لذلك فإن النهج التحرري والنضالي للقائد كان يتحقق بيقظة وحذر كمال بير. فهم كمال بير هو تحقيق للشخصية الاشتراكية والكادحة، هو رفض العبودية مهما كانت أشكالها وألوانها، فهمه هو اتخاذ قرار التحرر والنضال ضد أشكال الرجعية والخيانة، مراد قره سو: كانت شخصية كمال بير شخصية مؤثرة على أصدقائه وأعداءه، لم يكن هناك شخص واحد تعامل مع كمال بير ولم يتأثر به، كان الكل يريد السماع حين النظر إلى وجهه وملامحه، وكان الكل يحبه ويحترمه ويعر عن استعداده لتطبيق كل ما يقوله كمال بير، لم يكن حضوره يعبر عن مسئول أو صاحب رتبة بل كان أكثر من ذلك شاباً مع الشباب، شيخاً مع الشيوخ، كان يشعر بحقيقة واختلافات الوسط الذي كان فيه. كان كمال لا يعرف التفرقة وكانت علاقاته مع كل رفاقه مماثلة يتخذ فيها الأساليب التنظيمية أساساً. كان يمنح شيئاً لكل واحد: طبع كل نقاشاته وحواراته بطابع تدريبي، فكان يوجه الحوار دائماً نحو أساليب وسبل النضال التحرري والتركيز على مفاهيم النضال، فكان الكل يكسب توجيهاً جديداً منه في كل مرة ويحب الجلوس معه والحوار ثانيةً لذلك فلم تكن أي من نقاشاته دون أهداف ولم تكن عن فراغ أراد دائماً أن يكون لرفاقه مثال المناضل الناجح، طبع هذه الحقيقة على مقاومات السجون في ديار بكر، استمرت ريادته هذه حتى لحظة استشهاده.

كانت تصرفاته، أقواله، ومعتقداته هي تصرفات وأقوال ومعتقدات ريادي وقيادي، كان القائد التلقائي الذي يحث الجميع على العمل والنضال.

زر الذهاب إلى الأعلى