مقالات

فشل الخطاب الناعم لتركيا.. تخبط أجلسها على فضيحة الأريكة


ياسر خلف
باتت تركيا اليوم بؤرة للتوتر في محيطها الإقليمي والدولي وأمسى سلوكها العدائي السمة البارزة لسياساتها الخارجية والداخلية على حد سواء، وهذا المنهج المنفِّر الذي تتبعه سلطة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان وأركان حكمه جعلت من تركيا تترنح تحت وطأة وتفرد سلطانها أردوغان الذي لم يوفر منطقة أو دولة في محيطه الإقليمي والدولي إلا وحشر وادخل تركيا فيها ليس لبناء صداقات أو شركات أو تمتين العلاقات الدبلوماسية وحسن المعاملة كما كان يروج لها رئيس وزرائه السابق أحمد داوود اوغلو لما كان يسمى “سياسة صفر مشاكل ” وانما ادخال تركيا في متاهات مظلمة وجلب العداء والسخط مدفوعاً بأوهام العثمانية البائدة التي لم تجلب سوى الخراب والدمار أينما وطأت جحافل جيوشها الانكشارية، تماماً كما يفعلها أردوغان مع جحافل المرتزقة بمختلف تصنيفاتها الإرهابية، الأمر الذي كلف تركيا وشعبها ثمناً باهظاً في معيشته واقتصاده الذي بات على شفير الانهيار، حيث بلغت معدلات التضخم ذروتها وانخفضت قيمة عملتها الى أرقام قياسية غير معهودة وهو ما انعكس بشكل سلبي على شعبية العدالة والتنمية داخلياً، وهذا ما اكدتها استطلاعات الرأي التي تم اجراؤها مؤخراً والتي كشفت عن تراجع شعبية الائتلاف الحاكم في تركيا، ويبدو من غير المرجح عودة المؤيدين المحبطين من سياسات أردوغان الذين ابتعدوا عن حزب العدالة والتنمية وبات مستبعداً التصويت له في الانتخابات المقبلة.
يبدو ان أردوغان وحزبه بات على ادراك تام بان مقتضيات السياسة الدولية لم تعد تجري على هواه وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على المواقف والسياسات الدولية مع وصول جو بايدن الى القصر الأبيض في الولايات المتحدة وخسارة ترامب المتناغم مع سياساته، كما ان اللعب على متناقضات القوى الدولية التي كان يتقنها اردوغان لم تعد لها ذلك الزخم والأهمية على رغم من محاولاته اليائسة لتكراره، فما بات واضحاً من مسار الأحداث وخاصة في الشرق الأوسط وحوض المتوسط أن الأمور تتجه نحو توافقات دولية لإنها الصراع في كل من ليبيا واليمن واليونان وقبرص وهيمنة الحلول والمقترحات الخليجية والمصرية والاوربية لإنهاء الازمة والتي يبدو انهم نجحوا الى حد بعيد في ابعاد تركيا وحليفتها قطر كأطراف في هذا الحل وبموافقة غربية وأمريكية وروسية، الامر الذي أدى الى حصر تركيا في الزاوية وهي مجبرة على سحب مرتزقتها منها كما يمكننا الذهاب أبعد من ذلك وهي فرض الغاء الاتفاقات التي أبرمتها حكومة السراج مع أردوغان والتي تجيز لها التنقيب عن النفط والغاز في المتوسط، كما ان تغير السياسة الامريكية تجاه ايران من الصدام الى التفاوض وفق الرؤية الأوربية هي الأخرى تغلق المجال أمام تركيا وأردوغان للتغلغل في الخليج وخاصة ان الصراع اليمني يتجه هو الاخر نحو الحل حسب الرؤية السعودية والإماراتية وبموافقة مصرية وبما تقتضيها المصالح الامريكية والغربية للحفاظ على استقرار الخليج والتي سمحت للإمارات بالحصول على الطاقة النووية “النظيفة” دون أي جلبة وضجيج اعلامي، وعلى ما يبدو ان السعودية هي الأخرى تتجه نحو الحصول عليها حسب ما كشفت المملكة العربية السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي عن خطة طموحة “لتخصيب اليورانيوم” لخدمة برنامجها الرامي إلى إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية لتوفير بدائل عن إنتاج الكهرباء من مشتقات الوقود الأحفوري وتنويع مصادرها من الطاقة. وهذا التوجه الدولي الداعم لدول الخليج دفع بأردوغان مؤخراً وحكومته الى التودد والتذلل امامها بعد ان كان يناصبها العداء والتهكم لرؤسائها وملوكها و أمرائها والتي على ما يبدو انها لم تفلح في كسب ود وثقة دول الخليج ومصر، على الرغم من قبوله ضمنيا عن نيته طرد وترحيل ولجم جماعات الاخوان المسلمين، حيث أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري الأحد أن “الأقوال وحدها لا تكفي” لاستعادة كامل العلاقات بين البلدين ولا تواصل خارج الإطار الدبلوماسي الطبيعي، وان الوضع السياسي ارتبط دائماً بمواقف الساسة في تركيا، خاصةً بعد المواقف السلبية التي اتخذوها تجاه مصر” جاءت أيضاً ردود أفعال إعلامية من شخصيات مصرية محسوبة على أجهزة المخابرات المصرية من أحمد الخطيب، مدير تحرير صحيفة الوطن، التي تملكها المخابرات المصرية، حيث كتب الخطيب المحسوب على جهاز المخابرات العامة المصرية على صفحته على فيسبوك، قائلاً إن مصر وضعت عشرة شروط لقبول المصالحة مع تركيا، ورتبها بالشكل التالي، وسنذكرها بنفس صيغ العبارات التي كتبها:
1-لا ترسيم للحدود البحرية بين الجانبين بدون قواعد القانون الدولي في إشارة الي ضرورة رضوخ تركيا الالتزام بالقانون الدولي للبحار الذي ترفض أنقرة التوقيع عليه والاعتراف به.
2- لا تواصل سياسي قبل أن تتأكد القاهرة من انصياع الجانب التركي للانضباط العام، وسيظل التواصل أمنيا فقط لكون التواصل السياسي لا يتم مع الدول الداعمة للإرهاب.
3- لا اتفاق مصري- تركي في شرق المتوسط، إلا بعد الاتفاق التركي الشامل مع الحلفاء الأوروبيين وتحديدا مع الجانبين اليوناني والقبرصي.
4- خروج تركيا سياسياً وعسكرياً وأمنياً من ليبيا، وترك الملف الليبي نهائياً والتعهد بإخراج المرتزقة التي جلبتهم للأراضي الليبية.
5- وضع جدول زمني لخروج القوات التركية من الشمال السوري وإبرام اتفاق قانوني ملزم مع حكومة العراق بعد التدخل عسكرياً مرة أخري في الأراضي العراقية.
6- شمول المفاوضات الجانبين السعودي والإماراتي والاعتذار عن الإساءات التي حدثت من تركيا في السنوات الأخيرة تجاه دول الخليج مع شرط عدم تلبية القاهرة لأي تفاهمات مع تركيا من دون تعهد أنقرة عدم التدخل مرة أخرى في الشؤون الداخلية للدول العربية والالتزام بمحددات الأمن القومي العربي.
7- وقف جميع المنابر الإعلامية الإخوانية التي تهاجم مصر خاصة ودول الخليج عامة، كما يحظر على تركيا احتضان أي نشاط سياسي لتنظيم الإخوان على أراضيها.
8 – إطلاق يد الإنتربول الدولي في التعامل مع جميع المطلوبين الإخوان على الأراضي التركية وعدم ممانعة السلطات الأوروبية تحديدا في التعامل معهم (لا تطلب القاهرة تسليمهم.. ولا تريد) مع ملاحظة عرض أنقرة تسليمهم لمصر على دفعات لمراضاة الجانب المصري.
9 – تراقب السلطات الأمنية المصرية سلوكيات النظام التركي ومدى انضباطه والتزامه بهذه الشروط الفترة المقبلة قبل الدخول في أي تواصل آخر عبر تقديم تقرير لوزارة الخارجية التي تتولي رفعه للقيادة السياسية المصرية.
10- لن يتم ضم تركيا لمنتدى شرق المتوسط قبل ٣ سنوات في حال موافقة مصر واليونان وقبرص على ترسيم الحدود البحرية في المتوسط والشروط السابقة.
كما أن التخبط في السياسة التركية ضمن المناطق المحتلة من الشمال السوري بات هو الآخر تنزر بتصعيد عسكري روسي تجاه مرتزقتها وقواعدها وخاصة بعد ورود تقارير عدة عن نية أردوغان ارسال مرتزقة الى اوكرانيا، وكذلك حديث أردوغان عما يسمى بقناة إسطنبول ورغبته في الالتفاف على اتفاقية مونترو بشروط أكثر صرامةً، كما ان الغاء فتح معابر مع النظام السوري بعد الرد الأمريكي بفتح معبر تل كوجر الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية خاصة و أن الهدف التركي من فتح المعابر مع النظام كان لحصار مناطق الإدارة الذاتية والذي جرى بموج اتفاق الدوحة بين تركيا وقطر وروسيا والتي تلتها زيارة وزير الخارجية القطري الى كل من بغداد وهولير عاصمة إقليم كردستان لوضع الاتفاقية حيز التنفيذ، ولكنها فشلت نتيجة اصطدامها وتعارضها مع السياسة الأمريكية والاتحاد الأوربي التي فرضت عقوبات مشددة على النظام السوري، حيث رأت ان فتح المعابر مع النظام هو استهداف مباشر لسياسة الناتو الرامية الى اخضاع النظام السوري لمقررات مؤتمر جنيف لحل الازمة السورية .
كما ان الوقاحة الدبلوماسية والبروتوكولية الأخيرة لأردوغان تجاه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد أثارت احتقاناً دبلوماسياً بين تركيا والاتحاد الأوروبي وتحولت محاولة إصلاح العلاقات المتوترة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى خلاف دبلوماسي أطلق عليه اسم “سوفاغيت” أو فضيحة الأريكة. والذي أخذ أيضا منحىً آخر في احتقار أردوغان للنساء وتقصد اهانتهن وخاصة بعد انسحاب تركيا من اتفاقية العنف ضد المرأة.

زر الذهاب إلى الأعلى