مقالات

غزوة عين عيسى


صالح مسلم
في الأيام القليلة القادمة ستكمل الأزمة السورية عشر سنوات من الدمار والخراب والمآسي وليس من حل للأزمة يلوح في الأفق، فلم يجد السوريون حلاً لأزمتهم حتى الآن رغم أنهم جميعاً يعانون من الأهوال التي حلت بالوطن السوري، والكل بدون إستثناء يقول “إن الحل بيد السوريين”! كلام صحيح ولكن لماذا لا يتحقق على أرض الواقع ؟ .
الأسباب كثيرة وسبل الحل كثيرة أيضاً ولكننا لسنا بصدد سردها أو تحليلها، ولكننا نستطيع رؤية حقيقة ما يجري في عين عيسى لنستدل ونستنتج منها الخطوط العريضة للمأساة السورية.
بلدة عين عيسى لم تكن تحظى بأي إهتمام قبل الأزمة السورية وحتى النظام السوري كان قد أهملها، مثلما لم تحظ بأي إهتمام عندما استولت عليها الفصائل الجهادية المتطرفة بما فيها داعش، ولم تكن في عناوين الصحف والأخبار، إلا عندما تم تحريرها من طرف قوات سوريا الديموقراطية وأصبحت مقراً للإدارة الذاتية الديموقراطية وتشهد الإجتماعات والندوات والمؤتمرات التي تهدف إلى وحدة السوريين والبحث عن الحلول للأزمة السورية على يد مكونات الشعب السوري. هذا الجانب أثار غضب وحنق الأطراف التي لا تريد مشاريع الحل السوري ولا وحدة المكونات السورية.
بعد عشر سنوات من المأساة السورية باتت جميع الأطراف تدرك بأن تركيا تعرقل الحل السوري بشتى الوسائل والأساليب الخبيثة بما في ذلك تحكمها في كافة أطراف المعارضة السياسية وكافة الفصائل الإرهابية والجهادية أمثال داعش وجبهة النصرة، وهي التي تنظمها وتعطيها الأسماء التي تحلو لها حسب الحاجة، وآخرها ما سمته بـ”الجيش الوطني” الذي تألف من بقايا داعش بالإضافة إلى المجموعات التي جندتها إستخباراتها. وتركيا تقول : “إما أن تتحقق أهدافي وأطماعي في سوريا أو لن يكون هناك حل سوري”. وظهرت هذه الحقيقة خلال التعنت الذي تمسكت بها الأطراف التي مثلت المعارضة السورية التابعة لتركيا، في جنيف وفي كافة المحافل التي سعت من أجل الحل السوري.
في الآونة الأخيرة حدثت بعض التسريبات حول الميول الهادفة إلى ضم الإدارة الذاتية إلى الجهود المبذولة لحل الأزمة السورية تحت المظلة الأممية. مما يقلب مخططات الدولة التركية رأساً على عقب. وهي التي تسعى إلى إزالة الإدارات الذاتية من الأساس كونها لا تحقق أطماعها أولاً ونموذجاً للحل السوري ثانياً، وسينال الشعب الكردي حقوقه الديموقراطية في هكذا نموذج ثالثاً. لهذه الأسباب باتت عين عيسى هدفاً يجب إزالته من طرف تركيا، لأنها بؤرة هذه الأنشطة.
عندما قامت تركيا بغزوتها لتل أبيض ورأس العين عام 2019 كانت تهدف إلى إزالة الإدارة الذاتية تماماً حسب الخريطة التي كشف عنها أردوغان في الأمم المتحدة، ولكن مناورة قوات سوريا الديموقراطية وتواصلها مع الأطراف المختلفة حالت دون ذلك وأرغمت تركيا على وقف إطلاق النار على خطوط 30 كم من الحدود وبقيت عين عيسى خارج مناطق الاحتلال التركي وبقيت تمارس دورها.
على أرض الواقع أصبح هناك قوات الاحتلال ومرتزقتها على حدود عين عيسى بناء على تفاهمات مع الولايات المتحدة وروسيا بوقف إطلاق النار الذي لم تلتزم به تركيا ومرتزقتها. وهناك نقاط فصل الإشتباك على طول خطوط التماس تتمركز فيها الشرطة العسكرية الروسية وجيش النظام السوري كضامن حسب التفاهم بين الروس وقوات سوريا الديموقراطية، والروس وتركيا من الجانب الآخر. وتركيا لن ترضى بهذا الوضع نظراً لأن أطماعها لم تتحقق، وروسيا تجهر دائماً بأنها تحمي النظام السوري وتحاول دائماً إلحاق كل المناطق وفرض إستسلامها للنظام السوري بدون أية شروط، وجاءتها الفرصة المناسبة لتضع قوات سوريا الديموقراطية أمام خيارين، إما الغزو التركي أو الإستسلام للنظام! وهذا إبتزاز أدواته الفصائل الجهادية التي تحاربها روسيا في أدلب.
قوات سوريا الديموقراطية لم يبق أمامها سوى المقاومة، وهذا ما يحدث. ولكن الملفت في الأمر هي ثلاث نقاط :
ـ أين التفاهمات الدولية بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة؟، ربما تقول تركيا كدولة “لست أنا المعتدي وإنما هو الجيش الوطني”!، ولكن الطيران التركي وقصف المدفعية التركية حتى من داخل الحدود التركية لم يتوقفا.
ـ رغم سقوط القذائف التركية ومرتزقتهاعلى نقاط تواجد جنود الروس والنظام وإستهدافها أحياناً وسقوط ضحايا لم تقم تلك القوات بالرد أو إسكات مصادر النيران دفاعاً عن نفسها. والسؤال : لماذا أنتم هنا ؟
ـ ما يسمى الجيش الوطني هو رأس الحربة في الغزو، ومن المفروض أنه يتصدى للنظام وتقويض نفوذه ولكن الآن يتحول إلى أداة لسيطرة النظام وتعزيز نفوذه على عين عيسى ويحارب القوات التي حررتها من داعش.
ـ قوات سوريا الديموقراطية دافعت عن الشعب السوري وحررت ما استطاعت من التنظيمات الإرهابية بما فيها داعش وهي قوات دفاعية وليست معتدية على أحد، والإدارة الذاتية بمؤسساتها ومجلس سوريا الديموقراطية بأحزابه يمثلونها سياسياً، وأي حل سياسي يجب أن يمر عبر هذه المؤسسات وفيما عدا ذلك ستتصدى هذه القوات لأي محاولة إعتداء، بما في ذلك غزوات الفاشية التركية وفصائلها الجهادية.

زر الذهاب إلى الأعلى