المجتمع

عيد باتزمي (بيري آري) من الطقوس الدينية العريقة للكرد الايزيديين

تقرير :ياسر خلف

يُعَدُّ عيدُ (باتزمي) من أقدم الأعياد الأيزيدية التي تم توارثها عن الأجداد, وعلى مر التاريخ؛ حيث من المقدر أن جذور هذا العيد تعود إلى العهود السومرية على أقرب تقدير، ويحتفل أغلب أبناء الدين الأيزيدي بهذه المناسبة في كافة أنحاء العالم، ويستمر الاحتفال بالمناسبة أسبوعاً كاملاً؛ يبدأ من يوم الأحد وينتهي يوم الأحد من الأسبوع التالي، ولكل يوم طقوسه الخاصة به.

يحتفل كل الايزيديين في روج آفا بهذه المناسبة، وتستمر طقوسها إلى يومنا الحاضر، وبشكل علني وخاصة مع انطلاقة الثورة في روج آفا وشمال سوريا؛ وبناء نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، بعد أن كانت الطقوس تمارس بشكل خفيف وسري في زمن النظم الدكتاتورية المهيمنة. ومن هذا المنطلق قامت صحيفة الاتحاد الديمقراطي بزيارة البعض من عوائل المكون الايزيدي للتعرف عن كثب على طقوس هذه المناسبة (عيد باتزمى ) العريقة والأصيلة والالتقاء ببعض من أبناء هذا الدين والاحتفال معهم بهذه المناسبة المتوارثة منذ عصور سحيقة، حيث تحدث إلى صحيفتنا البعض من أبناء الأخوة الأيزيديين قائلين:

الاحتفال بهذا العيد يعود لأمرين هما: خلق الملائكة والكون والنور، ورأس السنة الشرقية والحساب الفلكي التقويمي

هدية شمو عضو في حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM  ومواطنة من الديانة الايزيدية: إن عيد باتزمى أو عيد (بيري آري) من الأعياد القديمة والعريقة التي يحتفل بها أبناء المكون الايزيدي، حيث يعود مضمون هذه المناسبة إلى رجل صالح أو أحد أولياء الله الصالحين، والذي يُعرف إلى يومنا هذا باسم (بير آري)، حيث يأتي عيد (باتزمي) في الأسبوع الثاني بعد رأس السنة الميلادية مدتها سبعة أيام بحيث يكون يوم الـ 14 في التقويم الميلادي أي ما يوافق الأول من رأس السنة الإيزيدية في التقويم الشرقي. كلمة باتزمي مستمدة من اللغة الكردية ولها معنى لغوي وتعني ( بي تشت ميي ) وهي كلمة كردية وتعني التجمد بدون شيء أو ( بي تيز ميي ) وتعني التجمد بدون خميرة.

والمعنى الديني لكلمة باتزمي هي مناسبة يتم الاحتفال بها لأمرين هما خلق الملائكة والكون والنور وأيضاً رأس السنة الشرقية.

إن كل ما يتعلق بالدين الإيزيدي مستمد من اللغة الكردية، والأعياد الأيزيدية مرتبطة بالطبيعة من حيث ممارسة طقوسها، ومن مواعيد الأعياد المتزامنة مع الزراعة وقدوم الشتاء والربيع. وهنا ينبغي التنويه أن لكل يوم من عيد باتزمة لها طقوس خاصة بها اليوم الأول ويسمى (جل شو) أي غسل الملابس وترتيب البيت وبتوزيع الخيرات في هذا اليوم على الفقراء من الجيران.

اليوم الثاني والثالث مخصصان لتوزيع خيرات الأموات عند عموم الإيزيديين، وهذه الخيرات تتضمن الملابس بكافة أنواعها، والأكل اعتقاداً أن هذه الخيرات تساعد الميت على دخول الجنة، ويتم تجهيز خبز خاص لهذين اليومين، حيث يمثل رغيف الخبز كروية الأرض وأربع جهات في وسطها الشمس ويخرج من وسط الرغيف 12 وصلة ترمز إلى الأشهر الـ 12 للسنة ويسمى (الصَّوِك) ويجب جلب خميرة هذا الخبز من بيت أحد من سلالة بيري آري.

اليوم الرابع وهو يوم ( بز كوران ) أي الذبح أو الأضحية وفي هذا اليوم يقوم كل إيزيدي بذبح ذبيحة أو أكثر حسب الحالة المادية، ويجب أن يذبح دابة مثل الماعز أو الغنم، ويتم تقسيم الدابة إلى قسمين: القسم الخاص ويسمى البارجا ويشمل 7 أقسام وتؤخذ كلها من الجانب الأيمن من الذبيحة، وتشمل الكتف والصدر وفقرات من ظهر الذبيحة وهي تخصص للعيد يتم توزيعها فيما بعد.

القسم الثاني أو القسم العام وهو القسم المتبقي من الذبيحة ويمكن التصرف به بشكل حر، يؤكل أو يوزع على الغير بينما يحتفظ برأس الذبيحة مع القبة حتى يوم الأحد وتعتبر حصة الشمس.

ومن طقوس عيد باتزمي صنع (الجرة) وتعني صنع القناديل من القماش الأبيض النظيف؛ ويجب غسل القماش أولاً ثم يجدل ذلك القماش ويغمس في الدهن (دهن الماعز) حتى يرتوي وينصب بعدها وتربط في أسفله كمية من الملح ومن الأعلى يربط بخيط ويبرد حتى يصبح على شكل شمعة، وتشعل في يوم الخميس مساء من قِبل رب البيت، ويجتمع أفراد الأسرة ليقوم كل شخص بإشعال جرة والدعاء.

سليمان حفصون من أبناء الديانة الايزيدية

الباتزمي أحد أهم الأعياد الايزيدية وأقدمها على الاطلاق، حيث يحتفل بها قبائل الجيلكا في كل من (باكري كردستان وروج آفا) وقسم من الكرد في (شنكال) من حيث إنها أقدم من غيرها من القبائل الأخرى لأنها قد احتفظت بهذا العيد حتى الوقت الحاضر.

معنى الباتزمي بالدين الايزيدي مستمد من اللغة الكردية التي هي اللغة القومية والدينية للايزيديين

1- فهي تعني ( بي تشت ميي ) أي التجمد بدون شئ؛ وهي كلمة كردية.

2- أو تعني ( بي تيز ميي) أي التجمد بدون خميرة؛ وهي أيضا كلمة كردية.

والتعبيران يعطيان معنى واحداً، فالمقصود هو الأرض التي تجمدت وصارت يابسة أو الكون الذي تجمد بأمر الله هكذا دون حاجة إلى أمر لذلك.

والمعنى الديني له : فتعني مناسبة يتم الاحتفال بها من الأحد إلى الأحد التالي، وهذه المناسبة تتعلق بأمرين رئيسيين :-1 خلق الملائكة والكون والنور -2 رأس السنة الشرقية والحساب الفلكي التقويمي، وتأتي هذه المناسبة في الأسبوع الثاني من كانون الثاني أي بعد أسبوع من رأس السنة الميلادية، بحيث يكون في اليوم (الرابع عشر) من التقويم الميلادي؛ ضمن هذه المدة لأن 14 بالتقويم الميلادي يعني 1 بالتقويم الايزيدي الذي يكون بنفس الوقت هو التقويم الشرقي، وهذا العيد هو عيد (طاووسي ملك) الذي يمثله ( بيري آري) بهذه المناسبة؛ أي إله النور؛ ويجب عدم الخلط بين هذا العيد وعيد الأربعاء الأحمر؛ لذا سمي بعيد ( بيري آري)

كما نعرف أن الله قد خلق سبع ملائكة في أسبوع، وبدأ بِخَلقِهم في يوم الأحد، وخلق في هذا اليوم كما نعرف رئيس الملائكة / طاووسي ملك / لذا فان هذا العيد يبدأ من يوم الأحد، وينتهي يوم الأحد وكل يوم له طقوسه الدينية الخاصة به.

1- يوم الأحد ويسمى جل شو ( أي الغسل) أو غَسِلِ الملابس؛ ولكن بهذا اليوم لا يتم فقط غسل الملابس؛ وإنما يتم غسل الملابس وتنظيف البيت كله، ويُحَضِّرون أنفسهم من أجل استقبال الضيوف الذين سيزورونهم في الأيام التالية، ويرتبون البيت وكل ما فيه، وفي هذا اليوم يقوم قسم من الايزيدية بتوزيع الخيرات المسمى ( خيرا مريا ) أي /صدقات عن روح الأموات/ إيماناً بالحساب بعد الموت.

2- يوم الأثنين والثلاثاء: هذان اليومان مخصصان لتوزيع صَدقَاتْ الأموات والخيرات عن روحهم عند عموم الايزيديين، وهذه الخيرات تتضمن الملابس بكل أنواعها والأكل بأنواعه اعتقاداً وإيماناً منهم بأن مثل هذه الخيرات تساعد الميت في الدفاع عنه وتغفر له الخطايا التي كان قد ارتكبها الميت في حياته، ومن ثم بعد أن يُغفر له الذنوب فإن الميت سيدخل إلى الجنة ويوزع خبز خاص لأجل ذلك إذ يجب أن يصنع خبز بعد أن يكون قد جلبت خميرة ذلك الخبز من بيت شيخ كل عائلة، ومن ثم توضع تلك الخميرة التي جُلبت من بيت الشيخ في العجين الذي سيصنع منه الخبز الذي سيوزع عن روح الميت؛ مع أنواع أخرى من المأكولات مثل اللحم و الفواكه وغير ذلك؛ وتوزع تلك الخيرات دون تفريق بين الناس مهما كان هؤلاء؛ ومن أي دين كان أي على شكل حصص متساوية وتوزع بالتساوي.

3- يوم الأربعاء (بز كوشتن )
أي الذبح بهذا اليوم يقوم كل أيزيدي بذبح ذبيحة حسب الحال، وبالحالة العادية يجب أن يذبح كل أيزيدي دابة مثل خروف أو ماعز حسب المقدرة، وقد يذبح الفرد أكثر من ذبيحة إن كان حاله ميسوراً. هذا وفي يوم الأربعاء عندما تذبح الذبيحة يجب وضع الصاج الذي سيصنع الخبز الخاص (الصَّوِك الذي جُلب خميرته من أحد بيوت البير من سلالة بيري آري) حيث يجهز البير بدوره تلك الخميرة بعجن عجين يوضع فيه جوز من شجرة في منطقة (دير ديل) من باكر كردستان أي شمال كردستان  (زركوز ) ولهذا الموضوع قصة حدثت في مناطق (خالتا بين بيري آلي وراهب من دير هناك) حيث تدور القصة عن البقرة التي عادت لها الروح بدعاء الرجل الصالح، ولكن عيد (الباتزمي) لم يظهر فقط بذلك الزمن وإنما هو أقدم من ذلك الزمن بكثير.

لحم ذبيحة الباتزمي قسمين 1- قسم خاص 2- قسم عام

1- القسم الخاص: ويدعى البارجا ويشمل 7 أقسام وتؤخذ كلها من القسم أو الجانب الأيمن من

الذبيحة، وهو كما يلي :1- لوح الكتف (البول)2- الصد3- أضلاع من الجانب الأيمن متصلة ببعضها4- فقرات من الظهر 5- قلك 6- بيك 7- فخذ الطرف الأيمن

وهذا القسم الخاص من لحم حيوان الباتزمي لا يُمس ولا يؤكل قبل أداء الطقس الخاص به

بل ينظف ويطبخ يوم الأربعاء، ويوضع في مكان نظيف وأمين حتى اليوم التالي، أي يوم (الكر) (GER) التجوال- حيث يقدم مع أشياء أخرى ويوضع أمام الجرا ( القنديل ) مساء يوم الخميس قبل غروب الشمس

2- القسم الثاني أو العام: وهو القسم المتبقي من الذبيحة فيمكن التصرف به بشكل حر كأن يؤكل

أو يوزع على الغير، و يحتفظ بالرأس والرقبة ويطبخان مساء يوم السبت وفي صباح يوم الأحد يُخرج صحن من الرأس والرقبة للفقراء أو الجيران ومن طقوس الباتزمي:- صنع الجرا- صنع الخورا – طبخ القمح المطبوخ المقشور ( المهير ).

4- تقديم البارجا والخورا والمهير ….. والدعاء أمام الجرا (القنديل)، حيث يتم إشعال الجرا يوم الخميس حسب الترتيب في العائلة ابتداءً بأكبرهم سواء كان رجلاً أو امرأة، والذي يرمز إلى رب البيت ( خداني مالي)، وذلك قبل غروب الشمس ليبقى النور متصلاً بالنور لأن إشعال الجرا يعني استمرار الحياة ورمز الحياة الأول هو ألله لذلك يجب أن تشعل الجرا، ويوضع أمام الجرا مايلي:

1- 7 قطع من البارجا التي تكون قد جُهِّزَت وطبخت يوم البز كوشتن أو الذبح- سبع أرغفة من الخبز الخاص (الصوك)- صحن من القمح المطبوخ  أو (المهير )- صحن من الزبيب أو التمر – البرات ( المقدس ) – الخورا ( الخبز المقدس)، وعندما تشعل الجرا يتقدم الجميع إليها (إلى الجرا الكبيرة ) وبمقدمتهم كبير العائلة أو كبيرتها، ويسجدون أمامها ويتلون الدعاء ويتمنون من الله كل ما يريدونه؛ والجرا هنا يعني النور، والنور هو رمز الله ولايعني السجود أمام الجرا عبادة النار وإنما يعني السجود أمام النور الذي يرمز إلى ألله، وبعد ذلك يتقدم كل شخص أو فرد إلى الجرا ويتلو الدعاء الذي يريده، والعادة هي أن تتم تلاوة دعاء المغرب (دعاء غروب الشمس ) وإن كان هناك ضيوف في بيت أحد الأيزيديين فبإمكانه التقدم إلى الجرا والدعاء؛ كما يمكن أن يصنع له /جِرَا/ من قبل أهالي ذلك البيت.

تبقى الجرا مشتعلة هكذا حتى تنتهي، ومن ثم يؤخذ كل ما وُضِع أمامها، وتشعل بقية الجرا بشكل عادي وبمعدل أن تنتهي كلها في يوم الأحد التالي ( السرصال ) أي رأس السنة،

أما البارجا فإنه عادة يتم توزيعه على الفقراء كما يؤخذ قسم منه إلى حيث يتم صنع الخورا

ويقدم لمن هناك لأكله، ويمكن أن يبقى قسم منه لأهل البيت كذلك.

سليمان حسين عضو علاقات حزب الاتحاد الديمقراطي في ناحية تربسبية :

بداية نبارك عيد باتزما بير آري على جميع الشعوب ومنها الكردي الايزيدي بشكل خاص؛ حقيقة إن أغلب الطقوس والأعياد الدينية تعبر عن حالة من تخطي قسم من البشرية  للألم والظلم و العبودية أو بعبارة أخرى الأعياد عند الشعوب تعبر عن حالة من الوعي  النابعة من إرثها الحضاري والثقافي الذي يظهر مدى عراقة هذه الشعوب وأصالتها؛ ومن هذا المنطلق ربما ليس من المبالغ فيه إذا قلنا إن الديانة الزرادشتية لإخوتنا الايزيديين تعتبر من أعظم الديانات التي قَدَّسَت الطبيعة التكوينية للكون، والتي تعتبر من أقدم الديانات على الأرض، حيث لاتزال تعاليمها حية ومتوارثة، ومبادئها تمكنها من أن تكون قوانين للحفاظ على القيم الإنسانية الأصيلة، وهذا الذي جعل من هذه الديانة أو المكون الأصيل من البشرية عرضة للكثير من الويلات والفرمانات والقتل، وآخرها التي كانت مأساة وملحمة  شنكال في عصرنا الراهن التي هزَّت الضمير والوجدان؛ وكانت من أهم الأسباب التي جعلت العالم يتكاتف لمواجهة الإرهاب العالمي، وينتصر بفضل دماء أبناء الكرد من الـ ypg-ypj  والكريلا في كل من شنكال وكوباني وصولاً إلى الرقة ودير الزور، وليصبح إناء هذه الديانة مرة أخرى وعبر فلسفتها ومبادئها الأصيلة رمزاً لمجابهة الظلم والاستبداد والإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى