مقالات

عندما يصرخ المكلوم !!

رويداً رويداً انساب الدموع لتبلل أهداب وجفون مُحدِثِيْ الذي تجاوز العقد السادس من العمر، أحسست أن  كل دمعة ترمز إلى محنة لديه، ارتعدت أوصاله وهو يحاول أن يبث لواعجه وينفث عما تجمع من المشاعر المكتومة في نفسه  يا له من شعور مؤلم حينما تريد أن تتكلم وتصرخ لكن لسانك يمتنع عن مساعدتك بما تريد النطق به فاستجمع قواه وقال بمرارة: كنت من الأوائل الذين قدَّموا أولادهم في سبيل القضية؛ فخانته عيونه مرة أخرى لتنزل دمعة جديدة رغم محاولاته المتكررة إخفاءها وهو يحدثني عن قيامه بشراء حاجيات  وضروريات رحلة ولده وكيف أنه جهز لولده حقيبته وكيف كانت زوجته تراقبه بامتعاض لينهي حديثه بالقول: هذا ليس عدلاً.. لم نطلب شيئاً ولكننا نريد الحفاظ على ما تبقى لنا من الكرامة ..أيقنت أن الرجل لا يهذي وأنه محمَّل برسالة, ودَّعني الرجل بكلمة أنا آسف, أرجوك لا تؤاخذني وانصرف…

هو انصرفَ بعد أن أزاح بعضاً من همومه لكنه وضعني في دوامة، وخلق لدي تساؤلات عدَّة وفتح جروحات حاولت كثيراً نسيانها أو بالأصح تناسيها؛ فهو ترعرع في عائلة وطنية وهو من الرجال الأوائل الذين قدموا أبناءهم فداء للوطن.

صحيح أن الإخلاص الوطني لهذا الرجل وغيره لم يتزعزع أمام تحولات العصر الذي لم يعد بوسع أي أحد التكهن بمآلاته؛ لكن هناك أمور خطيرة ومتغيرات مُبكية تحدث لنا, ومظاهر سلبية تتعاظم أحياناً..

لا أريد لأحد أن يأخذ بخاطره مني, ولكن الحقيقة أيضاً تعز علي وهذا المجتمع الذي يئن هو الآخر يعز علي. لا أتقن فن الكلام في حين أود فقط أن أعلق على ما رأيت وسمعت. فلا يكفي أن الطقس بارد, والعلاقات أصبحت باردة, والأحاديث باردة, والمصافحات باردة, ونصف الشعب ليس لديه بطانية يتغطى بها في مثل هذا الشتاء القارس، وفي وقت لم نعد نعرف أين نخبئ وجوهنا ونختفي عن أعين الآخرين لكثرة أخطائنا.. وفي وقت لم يعد هناك حدود مفتوحة في وجوهنا, ولا مطارات تحترم هويتنا, ولا دولة تستقبلنا, ولا تاجر يقدر موقفنا, لأننا فقدنا العقل وفقدنا القلب حتى أصبح واحدنا يسير وهو لا يعرف إلى أين ولا يعرف من أين, ولا يضمن وصوله إلى أي مكان سالماً, فربما نفيق ذات يوم لنجد أن البعض قرر فرض تأشيرة على دخولنا إلى بلدنا …

أقولها بصراحة, فعلت الأزمة السورية كل ما يسوء بالمواطن؛ فذاق كأس المُر مترعاً و تم العبث بمشاعره لدرجة أنه لم يَعُد يجد من يرفق به!

مع كل ذلك تبقى بعض المواقف وبعض الردود هي إشراقات مضيئة تذكرنا بأن العالم ما زال بخير وأن الأفق رغم كل شيء يضيء بالأمل مادام هناك وعي.

زر الذهاب إلى الأعلى