مقالات

على خط دمشق- الإدارة الذاتية الديمقراطية

ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها وفد الإدارة الذاتية الديمقراطية مع وفد السلطة في دمشق. من حيث أن الجلسة الرسمية الأولى جرت في ديسمبر كانون الأول 2016 في قاعدة حميميم برعاية روسية. واستكمل هذا اللقاء بلقاء آخر جرى في 17 يناير كانون الثاني 2017. لم يكتب للقاءين الاستمرار؛ إذْ لا يمكن عدّه بجولة للمفاوضة؛ إنما فقط باللقاء. اللقاء الذي تم تفسيره بالأحداث التي وقعت فيما بعده والرسائل المنوطة من خلاله إلى النظام التركي بشكل خاص. وعلى اعتبار بأن لكل دولة متدخلة اليوم في سوريا أجندة وتوليفة. حتى للاحتلال التركي لمناطق سوريّة محتلة تمتلك أجندة تنطلق من ما يسمى ميثاقها الملّي؛ فإن حديث الحل النهائي لا يبدو في متناول اليد هذه الأيام، وفي الوقت نفسه يبدو قريباً في حال اقتنعت دمشق بأن العودة إلى مشهد 2011 ليست فقط محفوفة بمخاطر التقسيم الفعلي إنما ضرب من الاستحالة. وإذا ما تطرقنا للمرسوم التشريعي من ما يسمى بقانون الإدارة المحلية النافذ منذ تاريخ 1 اكتوبر تشرين الأول 2011 فإنه لا يمكن عدّه بالقفزة نحو اللامركزية كما جمّله البعض الموالي؛ وإنما القوقعة في المركز أو التمركز في القوقعة. ولا علاقة له بالديمقراطية أو المؤدي إلى جعل الشعب مصدراً للسلطة أو النهوض بالمجتمع السوري من كافة نواحي المجتمعية؛ إنما قد يكون له علاقة بمنح الرخص وتسيير بعض الخدمات لا أقل ولا أكثر –هذا- في حال وجدت الأرضية المناسبة لها أو الصالحة للتطبيق.

مجلس سوريا الديمقراطية مسد هو الجهة المخولة بالتفاوض مع السلطة في دمشق. لأن مسد من تمثل الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا وجميع المجالس المدنية في شرق الفرات بالإضافة إلى أنه المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية. الدعوة الرسمية لمسد من قبل دمشق يعني الافتراض المنطقي بقبول دمشق الذهني بالمجلس وموافقتها على التفاوض لمشروع مسد الذي بدوره يتفاوض انطلاقاً منه. إضافة إلى القبول الذهني في أن مسألة اللامركزية والاتفاق على تشكيل إحدى اللجان التي من مهمتها البحث في شكل الحوكمة في سوريا المستقبل من شمالها وشرقها كان من المقرر. الكرة في ملعب دمشق، فَمسد جديٌّ في الاستمرار بهذه المفاوضة واتمامها أصولاً بما يضمن إنهاء الأزمة السورية وتحقيق توسعة سوريّة على كل مكوناتها المجتمعية.

عمل اللجان في حال دخل حيّز التنفيذ لن يكون بين دمشق والكرد فقط. إنما قوى وأحزاب الإدارة الذاتية الديمقراطية وممثلي إرادة شعوب شمال سوريا وشرقها من ناحية ومن أخراها ممثلي دمشق. من عدم الدقة القول بأن لقاء 26 تموز المنصرم جرى بين دمشق والكرد وحدهم. وأن هدف اللقاء والمفاوضة من أجل حل القضية الكردية وحدها. مسد تناضل أن تتحول إلى منصة للقوى الديمقراطية العلمانية الوطنية ليس فقط في شمال سوريا وإنما في كل سوريا.

شكل اللقاء والوفد الذي حضره واللجان التي تقرر تشكيلها يدحض بشكل قطعي بأننا حيال تسليم واستلام. بالأساس التسليم والاستلام لا يحتاج إلى تفاوض يحضره وفد سياسي. والاستلام والتسليم يصير ضمن مسائل ما تسمى بالمصالحة كما مثيلاتها في الغوطة والقلمون وأخيراً في درعا وغيرها. الصلح السوري –ليست المصالحات الجزئية- يتحقق عن طريق التفاوض في حل الأزمة السورية وفق مساره السياسي. ببساطة لو كنا أمام استلام وتسليم وفق ما يُذاع من قبل بعض الجهات المضللة فإن المسألة كلها لا تحتاج إلى زيارة ولقاء في دمشق وعملية تفاوض ولجان. وأن استمرار هذه العملية تكون طويلة وقد تتوقف أحياناً.

قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب كجزء أساسي منها أعلنت أكثر من مرة بأنها مستعدة للمشاركة في أي منجز وطني. انهاء الاحتلالات التي تتعرض لها سوريا من قبل الجماعات المسلحة الإرهابية المدعومة من قبل أنقرة بشكل رئيسي يحتاج إلى خطوة ترتقي إلى ما فوق المعارضة والنظام. الموالاة والخصوم. بالرغم من أنها مصطلحات ومواقع مهمة وطبيعية؛ لكن ثمة أمور أرفع من كل ذلك. لا نعتقد بأن معركة تحرير إدلب الكاملة أو الواسعة تكون على الأبواب؛ هذه مسألة تعود لحجم التعقيد والتداخل الإقليمي والدولي في سوريا. سوى أن مشاركة قسد أو الوحدات في التحرير الكامل لإدلب وعفرين وجرابلس واعزاز ووجودها في أداء الواجب الوطني إلى جانب شعب السويداء خطوة مهمة في استعادة الأمن والاستقرار السوري والتهيئة المباشرة للحل إذا كان في بال دمشق الحل الكلي أو المتدرج أصولاً.

عمق سوريا التاريخي الديمقراطي

مجموعة من الحقائق يجب أن يدركها كل من له علاقة بالشأن السوري؛ فشل النظام المركزي في سوريا، اللامركزية لا يمكن أن تكون على أنها تجميل للمركزية أو تحديث لها، اللامركزية الإدارية موجودة في أعتى الأنظمة الاستبدادية وليست حل سحري كما يتصوره البعض، وأن اللامركزية الديمقراطية هي نفسها التي تحتمل وضع الاتحادية الديمقراطية مخرجاً أخلاقياً إنساني اقتصادياً إنساني سياسياً إنساني اجتماعي إنساني وأنسيّاً إنساني، وأن الإدارة الذاتية الديمقراطية على أساس المكونات المجتمعية ومن بينها القومية حل سوري ملموس لدمقرطة سوريا بكل ما تحتويه من قضايا وإشكاليات وفي مقدمتها قضية الشعب الكردي في سوريا ومسائل العيش المشترك ووحدة المصير، وأن تشكيل الإدارات الذاتية في سوريا ليس بالتقسيم ولا يمكن تقليل شأنها من أمثلة مستجدة أو قديمة كانت السبب في حالة التقسيم القائمة في ممارسات المركز وتبعيته وفساده بالإضافة إلى كتلة الضد النابذة في الأطراف أو لأي وحدة وفي جميع المواقع والجهات.

سوريا كما كافة كتل الجغرافية الحديثة التي أنشأتها اتفاقية سايكس بيكو لم تمر حتى هذه اللحظة بحالة المجتمع السياسي الأخلاقي بسبب تسلط المذهبية السياسية التي وجدت نفسها محصنة من خلال أفْخُخٍ صنعتها فخ الأمم النمطية وفخ المركزية وفخ التنميط السياسي؛ كانت هذه عوائق معرفية في تطويق الحالة السياسية السورية –أيضاً- ومنعها من الظهور، ومشروع الإدارة الذاتية يعتبر بمثابة استنبات المجتمع السياسي وفك الأفخخ الثلاثة؛ حل الأمة الديمقراطية بدلاً من الأمم النمطية، وحل اللامركزية الديمقراطية بدلاً من النظام المركزي الاستبدادي والانتقال إلى حالة نظام أخلاقي سياسي إيكولوجي بدلاً من التنميط الاستبدادي.

هذا وغيره متبوع للعمق الديمقراطي للمجتمعية في حقائق التكوين وليس التطويع؛ النشوء وليس القسر؛ الاستمرار وليس النكوص، النهوض وليس التقوقع.

الخلاصة:

1- يمكن توصيف مسار العلاقة ما بين الإدارة الذاتية والسلطة في دمشق بالمهادنة ثم المواجهة ثم حديث اليوم عن المفاوضة. الأخيرة هي الأسلم والأفضل والأوفر لكليهما. يجب أن نفكر سوياً بإنتاج الأجندة الممكنة؛ هذه الأجندة التي يخرج جميع من في سوريا منتصراً. شعوباً وقوميات وأديان وبعموم الثقافات السورية.

2- قبول الطرفين بأن العقد الاجتماعي السوري لم يؤَسَس بعد؛ يجب تأسيسه. وأنه في اللامركزية تكمن صيغة حل الأزمة على أساس مساره السياسي. لهذه الأزمة جذر تاريخي بنيوي معرفي وسياسي. لا بد من توصيف مسؤول لبنية النظام الحالي؛ حتى نهيئ المخرج السليم. يجب أن نقتنع جميعاً بضرورة توزيع السلطة السياسية ما بين المركز والأطراف. والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال ولشرق سوريا جزء مهم من سوريا. ما هي صلاحيات هذه الإدارة، وما هي صلاحيات المركز، وما هي الصلاحيات المشتركة بينهما. ضمن هذه الرؤى الأساسية تنضج صيغة الحل الديمقراطي.

3- السلطة في دمشق جزء من الحل؛ لا يستطيع أحد أن يقول بأن هذا هو طرحنا الجديد؛ لا بل هي المقاربة الثابتة لدينا منذ بداية الأزمة السورية. على الرغم لتأكيدنا قبل الأزمة بأن في طبيعة النظام المركزي تكمن المشكلة. مع التشديد بأن التفاوض لا تشبه التسوية والمصالحة كما التي حدثت مؤخراً في الغوطة ودرعا.

4- من المهم على السلطة في دمشق أن تقتنع بأن الإدارة الذاتية الديمقراطية ليست ضرورة مرحلية أملتها الظروف المشخصة التي مرت وتمر بها سوريا؛ فقط؛ إنما لهذه الإدارة دواعي وأسباب تسبق الأزمة بالرغم من أنها تأسست في الأزمة لكنها تبدو اليوم كحلٍّ متقدم للأزمة. كما أنه من الخطأ أن تفكر جهة ما بأن هذه الإدارة الذاتية لها العلاقة فقط بإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا؛ إنما تعبّر الإدارة عن مسألة مجتمعية لها قضاياها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الوقت ذاته.

5- أن الوقت مناسب للحوار وفق سلّة الحزمة المتكاملة. بما تتضمن الاتفاق على ماهية الحل الديمقراطي. وبما يضمن الاتفاق بأن مناطق سوريّة محتلة من قبل تركيا؛ في مقدمتها عفرين؛ لا بد أن تتحرر. كما أنه من المفترض أن يكون تحرير إدلب منجزاً وطنياً مشتركاً ما بين طرفي الحل في سوريا: السلطة في دمشق وسلطة الإدارة الذاتية وبإشراف أممي. ندرك تماماً بأن طبيعة الأزمة السورية معقدة جداً ومتداخلة إقليمياً ودولياً. إلّا أن المبادرة السورية السورية لم تزل ممكنة.

6- من الخطأ التوصيف بأن كل من في المعارضة (الخارجية) لا يصلح أو فاقد الصلاحية. يبدو أن ضرورة توسعة مجلس سوريا الديمقراطية وتحولّها إلى منصة للمعارضة الوطنية الديمقراطية بات بالمخرج الفعّال والمطلب المُلِّح؛ ليس فقط للقوى الديمقراطية والأحزاب العلمانية والشخصيات الوطنية في تلك المعارضة؛ إنما أيضاً لمسد، وبشكل ما لسلطة دمشق. لملمة الصفوف كمثل لململة حالة سوريا التي تشبه الأشلاء المبعثرة؛ في حال تُركت أكثر من ذلك فإن شبح التقسيم لم يزل مخيّماً على سوريا وكل المنطقة، وتهديده بات أكبر بكثير من فترات الأزمة السابقة.

على خط دمشق- الإدارة الذاتية الديمقراطية. على خط دمشق- قامشلو؛ ثمة ارتسامات لمرحلة جديدة؛ تتعافى فيها سوريا أو العكس في أن نمنح لأنفسنا شهود تبخر سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى