مقالات

عفرين.. وبراثن الإرهاب التركي

دوست ميرخان

عام ونصف العام منذ أن احتلت القوات التركية والمجموعات الارهابية المرتزِقة مقاطعة “عفرين”، وعمليات السلب والنهب والقتل جارٍ على قدم وساق، ناهيك عن محاولات التغيير الديموغرافي وإعادة صياغة المنطقة بشكل يتماشى مع مصالح الدولة التركية وجماعاتها الإرهابية. فمنذ احتلالها لـ”عفرين” 18/آذار 2018، لم تتوان الفصائل الموالية لـ”أنقرة” عن قيامها بكل أشكال الممارسات الإرهابية وعلى نطاق واسع، ولم يتوقف الوضع عند حد ابتزاز من بقي فيها من السكان، بل إنها وصلت إلى حد ترحيل اللاجئين السوريين في تركيا وإعادة توطينهم في منطقة “عفرين”، لصالح الفصائل المرتزقة الموالية لها.

وما إن أحكمت الفصائل الإرهابية المدعومة من تركيا سيطرتها على المدينة، حتى أطلقت عملياتها وانتهاكاتها ضد السكان الأصليين في المدينة، سعيا إلى إجبار الأهالي الذين بقوا في عفرين لمغادرة مناطقهم إلى مناطق أخرى.

وجاء في تقريرٍ للمرصد السوري لحقوق الإنسان، حول الانتهاكات التي تقوم بها الجيش التركي والفصائل التابعة لتركيا “إن القوات التركية والفصائل الموالية لها  تعكف حالياً على إعادة تسجيل العقارات في “عفرين”، بغية حرمان المهجرين الكرد من ملكية أراضيهم، حيث تجري عمليات إحصاء للعقارات والأملاك وعدد القاطنين في كل قرية والأعراق التي ينتمون إليها، ضمن عمليات التغيير الديموغرافي التي تستهدفها تركيا في المنطقة.

 هذا ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، ووفقا لمعلومات موثوقة حسب المرصد في الثامن من يوليو/تموز الماضي، إحصاء الفصائل المدعومة من تركيا أملاك المواطنين الكرد في “عفرين”، بهدف فرض ضرائب على الأملاك وفقا لتلك الإحصائيات.

وبحسب معلومات موثوقة، أصدر قائد فصيل “العشمات” المُلقَّب بـ”أبي عشمة”، تعميماً يمنع المواطنين من زيارة جيرانهم وأقاربهم ضمن المناطق التي تخضع لسيطرة فصيله في “عفرين” وريفها. وأشارت مصادر إلى أن تعميم “أبو عشمة” يندرج في إطار السياسات الممنهجة لدفع المواطنين المتبقين للخروج من “عفرين”.

في العام الماضي، وتحديدا في الثالث عشر من مارس 2018، بدأت عمليات تهجير في الداخل السوري، ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان تعداد المُهجرين من مناطقهم نحو الشمال السوري بـ120 ألف و100 مهجر من الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وريف دمشق الجنوبي والقلمون الشرقي وريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي، ورصد المرصد – وفقا لمعلومات موثوقة- وصول الجزء الأكبر من النازحين إلى منطقة “عفرين” التي هُجِّر مئات الآلاف من سكانها.

وجرى توطين عشرات الآلاف من المهجرين الجدد في منازل المدنيين والمزارع المملوكة للمواطنين الكرد الذين فروا من الانتهاكات التركية وانتهاكات الفصائل الموالية لها إلى مقاطعة الشهباء ومناطق شرق الفرات. ورصد “المرصد السوري” كذلك توطين السلطات التركية المهجرين من القلمون الشرقي وغوطة دمشق الشرقية في منطقة “عفرين”، ضمن عملية شاملة للتغيير الديموغرافي في المنطقة.

وفي الـ15 من آب، شهدت قرى ريف “عفرين” عمليات اعتقال واختطاف بذرائع وتهم متفرقة، أبرزها “التخابر السابق مع الإدارة الذاتية”، فيما أشارت مصادر إلى أن تلك الاعتقالات وعمليات الاختطاف تهدف في المقام الأول إلى الحصول على فدية مالية مقابل الإفراج عن المعتقلين والمختطفين. وفي الـ13 من أغسطس الجاري، كشفت مصادر موثوقة بحسب المرصد عن أن عناصر من فصيل “فرقة الحمزة” المدعوم من تركيا، فرض مبالغ مادية على المواطنين في مناطق “الباسوطة” و”برج عبدالو” و”عيندارا” بريف مدينة “عفرين” تحت مُسمى “معايدة عيد الأضحى”، وبلغت قيمة المبالغ المفروضة 5 آلاف ليرة سورية من كل عائلة تمتلك مزارع جرى حصد محصولها. وفي الخامس من الشهر نفسه، فرض فصيل “السلطان مراد” الذي يسيطر على قرية “كوبلاك” التابعة لناحية “شران” بريف “عفرين”، إتاوة مالية قدرها 200 دولار أمريكي على المقيمين في منازل لا تعود ملكيتها لهم، حتى وإن كانوا يقيمون في منازل أقرباء لهم أو استأجروا تلك المنازل بعقود مصدقة، وسط تهديدات بطردهم واعتقالهم في حال رفضوا دفع المبلغ.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد وثَّق، في الثالث من أغسطس الجاري، تنفيذ الفصائل المدعومة من تركيا حملة اعتقالات تعسفية في “عفرين”، أسفرت عن اعتقال 70 مواطنا، وأُفرج عن غالبيتهم بعد دفعهم مبالغ مادية تتراوح ما بين 100 إلى 250 ألف ليرة سورية عن الشخص الواحد.

وقد بلغ عدد المختطفين والمعتقلين لدى الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا 2090 شخصا، من بين 3000 آلاف كان قد جرى اعتقالهم أو اختطافهم منذ السيطرة التركية على المنطقة بشكل كامل.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان وتقاريرٍ نشرتها وكالة هاوار للأنباء إن الفصائل الموالية للنظام التركي تواصل انتهاكاتها في “عفرين” من خلال محاولات محو تاريخ المنطقة، حيث كشفت مصادر عن لجوء تلك الفصائل إلى التنقيب عن الآثار وسرقتها وبيعها في تركيا، هذا ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الـ10 من أغسطس الجاري، قيام عناصر مسلحة تابعة لفصيل “السلطان مراد” الموالي لتركيا، بعمليات حفر وتجريف للتربة في ناحية “بلبل” بريف عفرين شمال شرق حلب، بحثاً عن الآثار باستخدام آليات ثقيلة، بالإضافة إلى اقتلاع المئات من أشجار الزيتون.

هذا ورصد المرصد أيضاً في وقتٍ سابق ، وصول معدات وأجهزة وآليات تركية إلى ريف عفرين الجنوبي الغربي تلة “جنديرس”، بهدف البحث عن دفائن وآثار داخل تلك التلة، إضافة إلى رصد عمليات تنقيب عن الآثار تجري في ريف ناحية “معبطلي” بالقطاع الغربي من ريف “عفرين”، وتحديدا في منطقتي “تل علي عيشة” و”تل زرافكة”. وبحسب المرصد فإن “قيادياً في فيلق الشام الإسلامي المقرب إلى السلطات التركية، عمد إلى تنفيذ عمليات التنقيب في منطقتي ميدانكي والنبي هوري، حيث تجري عمليات نهب الآثار التي يتم العثور عليها أثناء عملية البحث، وسط تعامي تركي مقصود لإطلاق يد الفصائل لتغيير تاريخ المنطقة بعد أن جرى تحويل حاضرها ومستقبلها”.

ولا تعد الآثار الثروة الوحيدة في “عفرين” التي تتعرض لعمليات انتهاك وسلب ونهب مستمرة، حيث إن مزارع الزيتون تتعرض هي الأخرى لانتهاكات جسيمة، من خلال سرقة زيت الزيتون من “عفرين” وبيعه في تركيا.

عام ونصف العام على احتلال الدولة التركية لـ”عفرين” وسط انتهاكات لا تحصى ترتكبها الفصائل المرتزقة الموالية لـ”أنقرة” والمجتمع الدولي تغض بصره عن الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها المجموعات الارهابية المرتزقة بدعم من النظام التركي، وعلى الرغم من كل تلك الانتهاكات والتحذيرات من جانب المرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية دولية أخرى، فإن العالم لم يُحرَّك ساكنا حتى الآن لإنقاذ “عفرين” من الانتهاكات التي تتعرض لها، وحماية آثارها وحماية المنطقة بالكامل من عمليات التغيير الديموغرافي التي تجري فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى