تقاريرمانشيت

عفرين شعلة لن تنطفئ ومقاومة لن تستكين

استهلال:

 عندما تكتب عن المدن السورية والتغريبة السورية التي كُتبت عنها المؤلفات والمجلدات ونُسجت الأشعار والقصائد فأنك تكتب عن قصة وطن  ومآسيه وحزنه؛ تكتب عن الطفولة المشردة على أبواب المخيمات والمذبوحة على أبواب المدارس، تكتب عن الأمهات اللواتي فقدن كل شيء وحملن هموم ومتاعب الحرب التي فرقت بينهن وبين أجزائهن من أبناءٍ وبناتٍ وأزواج.

دفعت الحرب السورية إلى نزوح الملايين من الأشخاص من مناطقهم إلى مناطق سوريّة أخرى بفعل التهجير القسري والتغيير الديمغرافي وخصوصاً من قبل الدولة التركية وحلفائها المرتزقة، وكذلك دفعتهم إلى مغادرة بلادهم وحصلوا على صفة لاجئ ومنهم مازالوا ينتظرون تحديد مصيرهم في الدول التي استقبلتهم في المخيمات على أطراف المدن الكبرى هذه المخيمات التي تخلو من أبسط مقومات الحياة الإنسانية مما جعل من الصورة التي يعيشونها مادة مستهلكة لتجَّار الحروب وسلعةً غضةً مليئة بالمعلومات لمنتجي الأفلام والدراما.

حقيقة أن هذا الاستهلال جاء كي نعرِّج على أسباب هذه الأزمة التي نتجت عن الأزمة السورية التي لا تخلو مسبباتها من التدخلات الخارجية وخصوصاً تلك الدولة التي فتحت الأبواب على مصراعيها وأصبحت ممراً رئيسياً وطريق الترانزيت لدخول الإرهابيين إلى سوريا والعبث بمقدراتها وسرقة ونهب خيراتها لصالح تلك الدولة (تركيا) بالإضافة إلى قضم واحتلال وتغيير ديموغرافية بعض المدن السورية كــ عفرين وكفريا والفوعة وإدلب… إلخ.

فمنذ أن امتدت الأيدي التركية إلى سوريا منذ بدايات الأزمة وما إن وطئت أقدامها التراب السوري ما كانت إلا لتفتيت هذا الوطن وتقسيمه وضم ما كانت تظن أنها ولايات تركية منذ العهد العثماني المريض من حلب إلى الموصل وشنكال بما فيها عفرين  بل وكامل الشمال السوري في الوقت الذي كان يحارب فيه الجيش السوري و وحدات حماية الشعب التي تحولت فيما بعد إلى قوات سوريا الديمقراطية أخطر إرهاب عالمي في العصر الحديث وفي الوقت الذي كاد فيه هذه القوات( قسد) من القضاء على داعش في كامل الشريط الشمالي لسوريا بدأت تركيا بتنفيذ مخططها القديم المتجدد.

الانتقال إلى الخطة “ب”

سياسة القضم والتتريك وفرض الأمر الواقع

تركيا تعمدت أن تمارس سياسة مخيفة في الشمال السوري وهي تتريك المنطقة ككل بداية من منبج التي فرضت سيطرتها عليها آنذاك ثم الباب وعفرين ووصولاً الى ادلب التي سقطت ككل بعد بلدتي كفريا والفوعة بيد الاحتلال التركي، وهذه المنطقة الممتدة من ريف حلب الشمالي الى ادلب تعتبر ارضا خصبة لأنقرة لزرع بذور سياساتها الجديدة عبر عدة نقاط أبرزها افتتاح المدارس التركية فيها وادخال افكارها اليها ثم ضمها بطريقة أو بأخرى لتكون تحت سلطة محافظة “هاتاي” وهو الاسم التركي لمحافظة لواء اسكندرون السورية، ثم محاولة تدجين الإرهابيين المتواجدين في هذه المنطقة وتشكيل جيش جديد أشبه بجيش لحد في لبنان ليكون حامي لتركيا في جنوبها، والابقاء عليهم كورقة ضغط ضد الأطراف الدولية لتنفيذ مآربها واستدراج دولة كبرى مثل روسيا لعقد صفقة معها في احتلال عفرين والمدن الأخرى.

بالمحصلة يمكننا القول إن روسيا قد وقعت في الفخ الذي نصبته لها تركيا دون تقدير نواياها السيئة في كل اتفاقياتها مع تركيا من مناطق خفض التصعيد في إدلب واحتلال وتدمير عفرين والباب واعزاز وتهجير سكان كفريا والفوعة والتغيير الديموغرافي الذي حصل فيهما، ومؤخراً في عفرين.

عفرين التي لا تموت بتغريبة أبنائها

في العشرين من شهر كانون الثاني من العام المنصرم 2018 بدأت الدولة التركية بالتعاون مع مرتزقتها في الهجوم على عفرين وذلك كما ذكرنا آنفاً بانزلاق الروسي إلى الفخ التركي.

فلماذا عفرين؟؟

منذ أن تأسست الدولة التركية وإلى يومنا هذا لو أردنا أن نشق صدر كل سياسي تركي لرأيناه ممهور باسم الكرد ليس لأنهم يخافون الكرد بل لأنهم يعلمون مدى الفظائع التي ارتكبوها بحق هذا الشعب من قتل وتشريد وتدمير مدنهم وقراهم وإلغاء ثقافتهم وتاريخهم أي أنهم يمارسون بحقهم سياسة الإمحاء والانصهار، ولربما منقوش في ذاكرة الساسة الأتراك بفعل الذهنية التي تربوا عليها بأن الشعب الكردي إذا ما أبصر النور سينقض على تركيا ويبتلعها، وانطلاقاً من هذا الزعم الزائف في أذهان الأتراك الذي لا يستند إلى أية حقيقة تاريخية قديمة ولا حديثة.

مدخل:   

 عفرين أرض الزيتون بحكم موقعها الاستراتيجي الذي وهبها الله في الجغرافية السورية وغِناها بثرواتها الطبيعية من آبار وأنهار وأرضها الخصبة وتراثها القديم المليء بالثقافات العالمية من آثار وأديرة قديمة وغيرها الكثير التي لا تعد ولا تحصى وقربها بجوار البحر الأبيض المتوسط بالإضافة لمحاذاتها لولاية هاتاي التركية تكتسب أهمية كبرى وركيزة اقتصادية في الشمال السوري، ومنذ أن دحرت قوات سورية الديمقراطية الإرهاب الأردوغاني في الشمال السوري بما فيها عفرين استاءت تركيا كثيراً من توازن القوى التي حصلت في الشمال السوري والتي باتت تميل إلى قوات سوريا الديمقراطية بحكم الدعم الأمريكي لها في إطار محاربة الإرهاب بيد أن هذا الأمر كان يقلق روسيا أيضاً إذ كانت تنظر إلى هذه القوات على أنها تُحدِثُ خللاً واضحاً في مصالحها ولعبت تركيا على هذه النقطة كثيراً وأثارَتْها في الاجتماعات البينية واللقاءات التي كانت تحصل بينها وبين الروس.

تحليلات استراتيجية

اعتبر مُحللون أن تركيا أرادت من بذلك وضع حدٍ للانتصارات التي تحرزها قوات سوريا الديمقراطية و وحدات حماية الشعب على الفصائل الإرهابية المدعومة تركياً، كما أنَّ تركيا أدركت أن وجودها العسكري على الأرض هو الضامن الوحيد للفوز بنفوذ مؤثر في مستقبل سوريا، وأن استعانتها بِقواتٍ عسكريَّة محليَّة موالية لها تُقاتل إلى جانب جُيُوشها من شأنه ضمان مقعد آخر على طاولة إعادة إعمار سوريا، مما يعني فائدة مُباشرة للشركات التركية وضمان حصة مهمة من أموال المانحين الدوليين بعد انتهاء الحرب. كما قيل أنَّ هذا التدخل العسكري من شأنه تعزيز المزيد من الحُضُور التُركي في مناطق سوريَّة أُخرى، مثل إدلب التي تحتضن قوى المعارضة المُسلحة المُرتبطة بِتُركيا، من جانب آخر إن هذه العملية العسكريَّة من شأنها إفادة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تُركيا، إذ أنَّ المعارك الدائرة من شأنها حشد الأصوات القوميَّة إلى جانب الحزب المذكور؛ فعلى الرغم من الخلافات الكثيرة بين الحزب الحاكم ذو التوجهات الإسلامية وأحزاب المُعارضة المختلفة، فإن ثمة إجماع تُركي على ضرورة منع قيام كيان كردي على حدودها في  أي منطقة كان.

يقول المستشار العسكريّ السابق للجيش الأمريكيّ في العراق براد باتي: هُناك مصلحتين استراتيجيّتين حيويّتين لا تُذكران في الخطابات التركيّة الرسميّة تقضي إحداها بمنع إقامة كيان كردي قابل للحياة على الحدود التركية الجنوبية. ولمَّا كانت وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية قادرة على بناء كيان حيوي وإعطائه منفذًاً إلى البحر الأبيض المتوسط، فإن هذا معناه أن هذا المنفذ قد يُلغي اعتماد كردستان العراق على خطوط الأنابيب التي تمرّ في تركيا، مما يعرّض اقتصاد أنقرة للخطر.

الفوبيا الكردية في عقول الأتراك

انطلاقاً من هذه الذهنية المنقوشة في عقول الساسة الأتراك شنت تركيا عملية عسكرية في 20/ 1/ 2018م على عفرين السورية منذ أن رسمت الحدود بين سوريا وتركيا عام 1922م.

قبل الهجوم بأيام، قصفت القوات التركية بنيران المدفعية مواقع  وحدات حماية الشعب بالقرب من عفرين ومهّدت للدخول إلى أراضي عفرين، تزامن ذلك مع انسحاب القوات الروسية من مواقعها في 19/1/ 2018   من عفرين لعلمها المسبق بالعملية في ظل الاتفاق الحاصل بين الدولتين     بالهجوم التركي الوشيك على عفرين.

استمرت الحرب على عفرين ثمانية وخمسين يوماً وشهدت أرضها وسماءها أشرس المعارك حيث إن الدولة التركية وضعت كل ثقلها العسكري في هذه المعركة وهي الدولة الثانية في حلف شمال الأطلسي من حيث القوة والرابعة على مستوى العالم وعلى الرغم من ذلك جوبهت بمقاومة تاريخية من أبناء عفرين، هذه المقاومة التي سطرها التاريخ بحروف من ذهب وأصبحت تُدرس في الأكاديميات العسكرية الدولية وتُجرى عنها الأبحاث ويكتب عنها الكُتّاب والشعراء ويروي عنها القصّاصين الكثير من القصص ورغم ذلك وبسبب الفارق الكبير في الأسلحة والطائرات التي سيطرت على الأجواء وارتكابها المجازر بحق المدنيين تم انسحاب هذه المقاومة واحتُلت عفرين من قبل تركيا ومرتزقتها وبدأ السلب والنهب والخطف والقتل والسبي بالتوازي مع التغيير الديموغرافي من تغيير أسماء الأحياء الكردية والساحات والمدارس والجوامع وإمحاء واستئصال كل شيء يدل على الهوية الكردية والثقافة الكردية أي أنها ومرتزقتها مارسوا التطهير العرقي بحق أهل عفرين وثقافتها وتاريخها وحضارتها؛ وضمن هذا السياق يمكننا أن نسأل هذا السؤال: لماذا إذاً أسقط جنود “أردوغان” تمثال “كاوا الحداد” في عفرين؟ هذا الرمز الذي يدل على محاربة الظلم والاستبداد وتخليص الشعوب المقهورة من نير وعبودية المتسلطين على رقابهم .. وها هو الرئيس التركي ومرتزقته يسيرون على درب العثمانيين في تحطيم التماثيل وتدمير الثقافة.

الأدلة التي تؤكد على أن اردوغان زعيم الإرهاب

في العام 2001 قامت قوات حركة طالبان الأفغانية بتدمير تمثالي بوذا الأثريين في منطقة “بايمان”، واللذان يرجع تاريخهما إلى نحو 1500 عام، ويعتبرهما اليونسكو تراثاً عالمياً حين أصدر أصحاب العمائم من طالبان فتاوى بوجوب هدم التماثيل كونهم مخالفين للشريعة الإسلامية، حيث قام أفراد الحركة بإطلاق قذائف المدفعية تجاه التمثالين، ثم أحاطوهما بالديناميت وتم تدميرهما، وبطريقة مشابهة وأمام شاشات التلفزة شهد العالم من جديد بربرية إرهابية مماثلة لأفعال تنظيم طالبان أو تنظيم القاعدة التكفيري مشهداً مماثلاً بقيادة الجيش التركي ورديفه المرتزقة المنسلخين عن تنظيم القاعدة وبأوامر من زعيمهم أردوغان وهي تقوم بتدمير تمثال كاوا الحداد ذو التاريخ المعروف بمقاومته للظلم ورفضه الاضطهاد في الثقافة الكردية، ومن إشارات العدوانية والعداء الأزلي للكرد في إنهاء هويتهم وثقافتهم؛ تم تدمير هذا التمثال على يد مرتزقة أردوغان وجيشه مع احتفال الكرد بعيد النوروز في 21 آذار مارس في إشارة إلى الذهنية العثمانية إذ أنه من المعروف عن العثمانيين خلال الفترة التي أقاموا فيها دولتهم معاداتهم للاحتفال بهذا العيد، والقبض على المحتفلين به، وتدمير تماثيل “كاوا الحداد”، وذلك على خلاف الخلفاء الأمويين والعباسيين، الذين كانوا يشاركون الكرد في احتفالهم.

خلاصة

من المعروف لدى الجميع أنه منذ أن وطئت أقدام جيش الاحتلال التركي ومرتزقته أرض عفرين ومازالوا يستهدفون البقية الباقية من المدنيين ويرتكبون الانتهاكات بحقهم من سلب ونهب وسرقة المحلات والمنازل وترويع المدنيين والاستيلاء على المحاصيل الزراعية ومنتوجاتها لإجبار هؤلاء المدنيين على الفرار من المدينة ولم يكتفوا بهذه الموبقات التي يرتكبونها في عفرين بل قاموا برفع العلم التركي فوق المنشآت الهامه والمؤسسات الحكومية غير ملتزمين بأية قرارات دولية ولا تشريعات حقوق الإنسان، وعدم اهتمامهم لأية اعتبارات إنسانية أو سياسية أو دولية، في ظل صمت واضح وصريح من المجتمع الدولي،

ولكن الحقيقة التاريخية تقول أن شبعاً يمتلك إرادة التضحية والفداء والمقاومة يوهب الحياة ويَستردُّ الحقوق؛ فمن المعروف أن المقاومة مازالت مستمرة في عملياتها  وتتوالى ضرباتها على المحتل التركي بإرادة وثقافة أن التضحية تهب الحياة؛ هذا الشعب الذي ينطبق عليه تماماً قول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي

إذا الشعب يوماً أراد الحياة ……  فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي ……..  ولا بد للقيد أن ينكسر.

تحقيق: بدران الحسيني

زر الذهاب إلى الأعلى