مقالات

عدالة الأقلية

حسين فقه

ما نستطيع أن نفهمه في هذه اللجة من الحالة السورية أن الأطراف جميعها تسعى بالقول الى شيئ واحد ألا وهو الأمن والاستقرار ووحدة الأراضي السورية، ولكن المتابع يدرك أن أبعد الجهات عن هذا المطلب هو من أكثر الجهات التي تجعجع بها، والمراقب للمشهد السوري بتعدد توجهاتهم وآرائهم ومصادر تمويلهم يقرون بأن كل الاتهامات التي يكيلونها للكرد هي أقرب الطرق الى الهلاك السوري السوري، وهم يتقصدون ذلك.

على طرفي المعادلة تعسّفٌ فكري وحمق تاريخي وتسلط أجوف لن يعود. فرأس الهرم يكاد يكون رأس الفتنة، لو امتلك دفة القيادة، ورغم عدم امتلاكها ترونه يلوك الجعجعة نفسها والفتنة الغبية نفسها وبلا طحن، وعلى الضفة الأخرى أرواح باعت نفسها للعثماني الذي ما انفك عن قول “عرب بِيسْ ملَّتْ”، ولكن ذلك المعتوه المتباهي بصفة معارض وخلبي أيضاً، بلا كلل يدمن الخازوق ويتناول وجبة كباب تركي بعده ليبدو الأمر وكأن شيئاً لم يكن. ما أود أن أتطرق إليه في هذا الخضم من معادلةٍ ليست مستحيلة الحل أو على أقل الفهم هو أنهم أي كِلا الطرفين أبعد ما يكونا عن صياغة حالة أو مناخ لتطور ونماء حالة وطنية سورية تمتلك في متنها بذرة الحل.

لو امتلكت الأطراف السورية قرارها على ضفتي المعادلة ــ الدولة السورية و”المعارضة” افتراضاً، لكان الطرف الكردي هو الأقرب إلى الاثنين، ولَلَعِبَ دوراً محورياً ومصيرياً وتاريخياً في تقريب وجهات النظر وحل المسألة السورية سورياً، وهو يفعل ذلك رغم كل شيء، ولأن طرفي المعادلة لا يملكان قرارهم فان الكرد يتحولون إلى العدو الأول لكلا الطرفين، وبنظرة فاحصة لهذه المعادلة ندرك أن الطرفين لا يسعيان للحل؛ ناهيك عن قرارهم المُستَلَب، فالنظام بقي عشرات السنين وهو يتغذى على هذه التناقضات ليزرع أيديولوجيته العنصرية حتى لدى معارضيه، فديدن الأنظمة الديكتاتورية والشمولية المستبدة هو صنع معارضات على شاكلتها.

وهنا دعوني أقول في هذه الحالة حتى لوسقط النظام “افتراضاً أيضاً” وتبوأت المعارضة سدة الحكم فان النظام السوري هو من يحكم لأنها الأيديولوجية والعقائدية نفسها، وستكون الصورة كأن ذهب طربوش وأتى طربوش وخرج السوريين بوش بوش.

إذا ما كانت العقائدية والطائفية هي من ستحكم السوريين فلا فرق بين العلوية والسنية ولافرق بين العروبية والكردايتية، رغم أن الثانية خضعت سنين طويلة لحكم الأولى اضطهاداً وتعسفاً وانتهاكاً، ولكن الكردي يمتلك في داخله تلك الروح التي تصرخ في وجه العالم “عفى الله عما سلف” فهل يمتلك الطرف الآخر ممن يدعون قياد رسالة الله  في الأرض تلك الروح؟ هنا نقول نعم هم يمتلكون ذلك ولكنهم قلة ونحن نعتمد في مشروعنا على القلة الحقيقية، والقلة المحقة وفق كل الشرائع هي عدالة الأقليات.

أيها القوم الكبير: عدالة الأقلية التي رأيتموها أقلية رغم أنها كانت سائدة على الأقل لن نقول في الشرق الأوسط بل في سوريا، عدالة الأقلية التي طورت سوريا وأعطتها اسمها فالسوريون ليسوا عرباً فقط ولكنكم ألحقتم العربية باسم جمهوريتها لتأسروها، والمعارضة ستفعل الشيئ ذاته بطريقة أخرى، فهم إذا ما تسنَّى لهم ستأسر سوريا في الاحتلال الطوعي والأدهى أن تُجرَّ عنوة كسبية لاخوانيتها على الشاكلة التركية ومشروعها العثماني الجديد.

كما أن الكثرة ليست دليل الحق، بل الحق ما وافق الدليل ولو كان أهل ذلك قلة في الناس، ولا عبرة بكثرة تكون على خلاف  الحق.

زر الذهاب إلى الأعلى