مقالات

طبائع الذهنية الذكورية الكورونية ولادة طبيعية لكورونا المستجد

فؤاد سعدي 

لا بد من الإدراك يقيناً بأن الحقيقة ملازمة للتاريخ  زمكانياً وغير منقطعة عن جذورها الكونية الطبيعية فضلا عن الجذور الإنسانية المجتمعية و إذا ما تمحصنا بالتدقيق لنظريات الولادة والنشوء والكينونة مروراً بالتحولات والتغيرات وما يرافقها من تضامنية و تكافلية التطورات والآخذة صفة الديمومة والاستمرارية سنرى بعيون تلك النظريات – رغم نسبية الحقيقة وعدم إمكانية بلوغ كمالها مع أهمية السعي لبلوغها –  لا سيما النظريات الأكثر رواجاً و أرجحيةً و شيوعاً للحقيقة منها كيفية تكون الكينونة الوجودية الممهورة بطابع الطبيعية كسلسلة حلقات مترابطة متراصة مرتقية النماء والتجدد منذ الولادة و الطفولة و حتى الكهولة و الشيخوخة هذه الثنائية المرتقية طبيعياً  اتساعاً و عمقاً أفقياً وعمودياً روحياً و بدنياً مادياً ومعنوياً عاطفياً و تحليلياً ووووو و بالإمكان الاستطراد بالإكثار من هذه الثنائيات الحيوية التواؤمية والصميمية الحيوية بالتناغم  كومينالياً و تشاركياً  وبالتغذي المتبادل لحظياً من بضهما البعض وفيما يخص الطبيعتين الأولى و الثانية والمولودتان ولادة طبيعية واحدة الجذر و المنبع بالتسمية و المضمون وإذا كانت الطبيعة الأولى قياسا إلى الطبيعة الثانية قد واظبت على جوهر تواؤمية ثنائياتها رغم ثقل و بطء حركتها و نظامها التكويني فان الطبيعة الثانية و بالتحديد ذهنية الصيد الذكورية – والتي خرجت من حيويتها الطبيعية و كينونتها الأخلاقية و السياسية تدريجيا مع صعود درجات خروج العقل التحليلي التجريدي الحسابي و خرقه للعقل العاطفي الطبيعي – والمعجن بمصائده و مكائده و فخاخه وحيله و دسائسه وألاعيبه و مؤامراته  ووووو  وصفاتها التحليلية العميقة العمودية البدنية المادية ذات الأنا والأنانية الفردية الفوقية السلطوية المتعالية قد سارعت على شكل سلسلة عددية ( بداية ظهور مدنية السلطة و الدولة) ولاحقا سلسلة هندسية (خميرة المدنية و آخر مراحلها الحداثة الرأسمالية لا سيما عصر المال) في خرق ولادتها الطبيعية والخروج منها بالتزامن مع الخروج وخرق ولادة الطبيعة الأولى مع التسمر بالتأكيد لعدم مروره مرور الكرام بل مشحوناً بمخاضات المقاومة لا من قبل الطبيعة الأولى و طبعها ونفسها الطويل في الرد بل ومن قبل الطبيعة الثانية نفسها متمثلا بالمجتمع الطبيعي الأمومي الكومينالي.

فأما انتصار الذهنية الذكورية في فرض حلقات السلسلة العددية للخرق والخروج فتمثلت بمثلث الذهنية الذكورية السومرية بفرضها سلاسل طوابق زيغوراتها البرمودية على خميرة الطبيعتين الأولى والثانية وخليتها النواة المرأة الأم وبالتالي على المجتمع الطبيعي الأمومي و الطبيعة على حد سواء.

أما فيما يخص انتصار الذهنية الذكورية في الخرق لولادة الطبيعتين والخروج من السلسلة العددية إلى سلسلة هندسية فهو خروج اللوياثان العالمي(وحش الرأسمالية) المكبل نسبياً بحلقات السلسلة العددية تلك على مدى آلاف سنين اليد الواحدة  لينتقم من تقييدها لآلاف السنين داخل القفص الحديدي وليّدخل من أدخلوه القفص الحديدي إلى القفص الحديدي للنظام العالمي الجديد المستحدث والمفتوح أمام قفل العقول و القلوب واستعمار الذهنيات والروحيات ليفرض حلقات مسلسل سلسلته الهندسية و مضاعفاتها وتراكماتها الواصلة لذروة الذهنية الذكورية والمكتسبة لشرعية الذاتانية المثالية و الموضوعانية الشيئانية بفلسفة وضعية علموية تقضم الطبيعتين داخل و خارج مختبراتها على الدوام ممثلة بمثلث الذهنية الذكورية المستحدث للحداثة الرأسمالية وأضلاع متقطعاتها ومرتكزاتها المشتركة على مدار الساعة كشبكة عنكبوتية في تقطيع واقتسام الطبيعتين وفرض الهيمنة والحاكمية عليهما بالتركيز المركز على بصمة الربح الأعظمي و خاتم الدولة القوموية ودمغة الصناعوية و بمصادقة تلك البصمة والدمغة وذلك الخاتم بتوقيع ومهر الذهنية الذكورية و بمهارة ماهرة منبثقة من رحم الزيغورات السومرية بل و تفوقها بتفوق فوقي وتحتي و بأضعاف مضاعفة من المرات.

بناءً على ما سبق من إيجاز كرونولوجي مختزل للسلسلة العددية والهندسية للذهنية الذكورية التحليلية و بالإسقاط على الواقع الحاضر للحداثة الرأسمالية بعصرها المالي من الكينونة الوجودية المنحرفة والمولودة سرطانياً في كافة البؤر البنيوية و الذكائية للمجتمعات والمنعكسة طردياً على الطبيعة قد آل إلى ما آل إليه من ماّلات طبيعية لذروة الذهنية الذكورية المتحكمة والمهيمنة والمسيطرة والمستغلة والمحتكرة ووووووو و تنتهي الواو دون نهاية لِكَمْ ونوعية التخريبات السرطانية المستفحلة وما “كورونا” المستجد إلا غيض من فيض ضمن دوامة التراجيديات اليومية المعاشة بكثرة بحيث باتت المجتمعات لا حول ولا قوة لها بل ولا تكتفي برفع الرايات البيضاء و الاستسلام فحسب إنما تتوسل الرحمة من جلادها مالك ملكات “العلم قوة” و كأنه الملاك المنقذ وبطواعية الغباء الببغائي والأنكى من كل ذلك هو التقليد والتشبه والاستنساخ لذهنية الكورونا الذكورية رغم ادعائه الدائم بالتضاد معها ومع إن هذه الذهنية هي السبب والنتيجة لكل الأمراض والأوبئة و الكوارث ليس بحق البشرية فحسب بل وبحق الطبيعة ككل وبدلاً من توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الذهنية بالذات – والتي تدعي بملكيتها لقوة العلم و طاقته اللا محدودة – و محاكمتها ذهنياً يزداد الإصرار والتمسك بالسير وفقها ومعها وكأن قدرية التشبه بالقطيع الذي يساق بمشيئة الراعي قد تطورت بالسير والانسياق تلقائيا بدون راعي  واقرب مثال يجسد التقليد الأعمى بدون راعي قيام الكل بالتشبه والتشبث بكرسي السلطة كما الصمغ اللاصق في كافة المرافق والساحات المجتمعية بدءاً من الكراسي الصغيرة المتدنية وصولاً إلى أكبرها وأعلاها وأفخمها وإلا كيف نفسر عدم التنازل لكرسي حافلة النقل الداخلي لإحدى أمهاتنا المسنات في الوقت الذي نطالب فيه أصحاب الفخامة والرئاسة بالتنحي لكراسيهم وبأي رعاية ذهنية صمغت بغير الذهنية الذكورية للحداثة الرأسمالية فتحول المواطن والوطن والوطنية إلى نظام الحظائر والقطعان وتحت إشراف رعاة الأنظمة الدولتية البيروقراطية حراس النظام العالي.

  لذلك ما يجب التركيز بالتأكيد على محاربته ومجابهته ليس كورونا فحسب بل عمق الذهنية الذكورية المولدة لها وتراكماتها وبالتحديد جانبها التحليلي المنقطع عن الطبيعة الحيوية للذكاء العاطفي والبدء نظريا وعمليا فكراً وممارسة بكسر وفك قيود وعقد الذهنية الذكورية الخارقة والخارجة عن الطبيعتين الأولى و الثانية و إعادتها لطبيعتها بعقد روابطها الطبيعية مع الذكاء العاطفي الطبيعي ليتم التعاضد الصميمي الحميمي و يتدفق في مجراه الطبيعي.

وبالإسقاط من جديد على الواقع المعاش مع “كورونا” المستجد سيرى بعيداً ودون الحاجة لاستخدام المجهر استمرار الدور المزدوج لمفتاح الذكاء بجانبيه العاطفي و التحليلي في مجابهة الأزمة المستفحلة عالمياً وبالرغم من وجودهما في رؤوس الكل إلا إن نمط  ثوريتهما وانفجارهما يختلف بطابعهما المتناغم طبيعياً لدى المرأة عما هو منحرف لدى الرجل المستمر بمسيرة طبائع الذهنية الذكورية الكورونية المثقلة تراكمياً بنفايات الانحراف الزمكاني لتنفجر بجام غضبها التحليلي داخل قوقعة الحجر المنزلي على رؤوس المرأة و الأبناء والمجتمع ككل، وبجملة واحدة كما يقال شعبياً بالشدائد تبان وتقاس معادن الرجال و بإمعان بسيط لذاكرة الشدائد التاريخية وقلب صفحاتها فسيرى بأم العين كيف قام الأب بمجزرة التاريخ، أما المرأة فتستلم زمام المبادرة و القيادة العالمية من البيت الصغير الذي انحجر فيه العالم بأجمعه لتديره بذهنية الأم الحاضنة لأطفالها دون تمييز وتفريق أو تفضيل لأحد أبنائها بل بكومينالية جماعية تشاركية وبهيام وعشق الأم على شاكلة الطبيعة في إظهار تفوق إدارتها وتنظيمها ونظامها بمزيج ذاكرتها السياسية والأخلاقية النابعة من منبع ماءاتها التاريخية وإبداعاتها و طاقاتها لتثبت من جديد و مجددا بأنها صمام الأمان الذي لا يمكن ومحال الأمان من دونها.

خلاصة خميرة الخلاص والحل المجتمعي تمر من تمرير الذهنية الذكورية التحليلية وطبائعها الموروثة على طول سياق المدنية بغربال ومصفاية التاريخ لتنسجم وتتناغم حميمياً صميمياً مع الذكاء العاطفي والطبيعي وطبائعه الحلالة لتتدفق في مجراها الطبيعي الحيوي وهنا تبرز أهمية المعدن الطبيعي – و ليس معدن الرجال بذهنيتها الذكورية – للمجتمع الطبيعي برجاله ونسائه حيث الولادة السليمة والنشوء الصائب والتحول الثوري المستمر تضامنيا وبالتكافل والقفز النوعي بالشخصية الفردية والمجتمعية بمعادلة جد بسيطة يكون الكل فيها معلوماً و ذوات فاعلة بدون مجاهيل ومواضيع مفعول بها للارتقاء المتواصل لكينونة المجتمع الأخلاقي والسياسي والطبيعي الأيكولوجي والمتحرر جنسوياً.

زر الذهاب إلى الأعلى