مقالات

طالبان والعشرون عاماً

قهرمان مامد

لقد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أول سنة الألفية الثانية محور الاهتمام العالمي عندما تم ضرب بُرجي التجارة العالمي حيث كان الحدث الأبرز في بدايات القرن الحادي والعشرين والذي غير معه مفاهيم عديدة وأحدث توازنات جديدة في مكاييل القوى العالمية والإقليمية وغيَّر في مضامين مجريات سياسة العالم وشعوبها نحو التشدد الديني والميول إلى التصلب في اتخاذ الدنيوية السياسية أساساً في التسلط على المجتمعات وبداية تغيير الأنظمة بالقوة في البلدان التي تحتاج إلى التغيير.

أبراج التجارة العالمي كانت تمثل رمز الهرم الاقتصادي والمالي في العالم لكنها انهارت بإسقاطها بطائرتين تم اختطافهما من قبل مجموعة مدربة لسنوات عديدة من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي وإثْرَ تلك الهجمات تم التدخل بشكل عسكري مباشر في أفغانستان لضرب تنظيم القاعدة في عقر داره والذي كان يتزعمه أسامة بن لادن المتحالف مع زعيم طالبان الملا عمر المسيطر آنذاك على أفغانستان.

بعد معارك طاحنة مع تنظيم القاعدة الإرهابي وحركة طالبان تم القضاء عليه عسكرياً وتشكلت إثرها مباشرة حكومة مؤقتة معينة من أمريكا وبريطانيا وكان حامد كرزاي أول رئيس لها بالرغم من بقاء فكر طالبان والقاعدة الارهابي يحوم حول المجتمع الأفغاني المنهار والمشرذم أساساً بحكم الصراعات القبائلية والدينية.

منطقياً وُجِدَت أسباب عديدة مباشرة وغير مباشرة للتدخل الامريكي في أفغانستان حيث أن السبب المباشر كان الأخذ بالثأر من تنظيم القاعدة وطالبان بعد الهجوم الارهابي الذي استهدف أبراج التجارة العالمي والذي سقط حينها الآلاف من الضحايا المدنيين الأمريكيين وتهاوت أجسادهم مع حُطام البرجين العملاقين، لكن علينا عدم إخفاء الأبعاد الاستراتيجية للتدخل الأمريكي والتي كانت من أهم الأسباب التي أنتجت معطيات غيَّرت وجه الشرق الأوسط وبدأت معها إعلان الحرب على الإسلام المتطرف السياسي، كما كانت هناك أهداف اقتصادية بما يخص المعادن والمواد الخام التي تشتهر بها أفغانستان وخاصة مادة اليورانيوم التي تدخل في صناعة الأسلحة النووية.

بقيت أفغانستان بعد التدخل الأمريكي ترزح تحت وطأة الخلافات السياسية والقبائلية وبقيت معها جيوب القاعدة تضرب بأسلوب العصابات وتُدمر معها المجتمع الافغاني، إضافة إلى تمويل عملياتها عن طريق زراعة الأفيون وبيعها في الأسواق الأوربية والآسيوية.

اللافت في الأمر وعلى الرغم من تكرار التصريحات لرؤساء أمريكا السابقين بالانسحاب من أفغانستان وتوكيل مهمة الحرب على القاعدة إلى القوى المحلية إلا أنه لم يتم الانسحاب حرصاً على مكانة أمريكا ودورها القيادي في ضرب الإرهاب، بينما قررت الإدارة الجديدة برئاسة جون بايدن الانسحاب الكلي من أفغانستان مع الاحتفاظ  بوجود دبلوماسي وهذا الانسحاب يكون بعد مُضي عشرون عاماً وبتوقيت حدده الرئيس الأمريكي في 11 سبتمبر تاريخ ضرب البرجين !!! فالتاريخ دائماً يفاجئنا !!!

لكن الشيء الذي يدهش المرء هو عودة حركة طالبان بشكل رسمي وإظهار نفسها كقوة لا بديل لها في أفغانستان حيث بدأت المقاطعات الأفغانية تتساقط من تلقاء نفسها أمام تمدد طالبان.

نخطئ حينما نقول أن تنظيم القاعدة قد اختفت. عندما تدخل الأمريكيون في افغانستان كانت موجودة ومازالت وتحت مسميات عديدة طيلة هذه السنين وما أدواتها وأذنابها في العالم والشرق الأوسط إلا دليلٌ على استمرارها، بل أن السياسات المتناقضة للقوى الكبرى وأجنداتها المصلحية أنعشت جسد القاعدة وطالبان من جديد، فحاولت بعض الدول استخدام تنظيم القاعدة كوسيلة لتنفيذ سياساتها والحال هذه موجودة في العلاقة الودية التركية الداعشية

فلماذا تم الانسحاب وبهذا التوقيت بالذات وهل الانسحاب سيكون مفيداً لأمريكا يا ترى؟

باعتقادي أن تغاضي أمريكا عن سيطرة طالبان وتسلمها دفة الحكم في أفغانستان قد يكون عبارة عن تحالف تكتيكي غير مباشر جديد وهذا التحالف يذكرنا بالدعم الأمريكي الذي قدمته إلى طالبان في ثمانينيات القرن الماضي ضد الاتحاد السوفيتي لذا أمريكا تحاول إعادة بث روح عناصر ومقومات هذا الصراع من جديد لتدخل كملف ضغط يتم الاستفادة منه في صراعها العالمي مع روسيا.

كما أن حركة طالبان قد تكون مفيدة لضرب مشاريع إيران الطائفية لأن أفغانستان تُعتبر الجارة الشرقية لإيران ولها حدود طويلة معها وكما هو معلوم للقاصي والداني فأن طالبان تنتهج عقيدة سنية متشددة وعلى نقيض تام مع التوجه الإيراني الشيعي، وبرأيي أن أمريكا قد أسدت خدمةً جلية عندما قامت بإسقاط طالبان العدو اللدود لإيران الطائفية، واستثمرت إيران هزيمة أعدائها الإقليميين، وبدأ نفوذها يتعاظم أكثر في آسيا والشرق الأوسط، لذا فأن عودة حركة طالبان إلى أفغانستان لتكون جاراً مقلقاً ومزعجاً لإيران  هو ما ستستفيد منه أمريكا في حربها على إيران،

كما أن لأفغانستان حدود مشتركة مع الصين والتي يكثر الحديث مؤخراً في تجليات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة عن الدور المتعاظم للصين وأنها أصبحت تشكل خطراً أكثر من روسيا، لذا فأن سيطرة طالبان على افغانستان قد يكون في سبيل ضرب ومحاصرة الصين بعد أن حاولت الأخيرة استقطاب أفغانستان إلى محاور اقتصادية وسياسية مرتبطة بمشاريع الصين الكبرى.

وأخيراً ومن خلال الوجود الأمريكي منذ بداية تدخلها في أفغانستان وإلى الوقت الراهن ووفقاً لدراسات أجرتها وكالات الإحصاء وبتصريحات البنتاغون والخارجية فأن عملية الوجود الأمريكي بأفغانستان بلغت نفقاتها حوالي أكثر من 900 مليار دولار وهو أحد الأسباب التي شجعت أمريكا للخروج من أفغانستان وتخفيف وطأة تبعات الخسائر على اقتصادها.

نحن أمام مراحل جديدة في تغيير التحالفات الدولية والاقليمية وأن سياسة خلط الأوراق عادت من جديد والتي قد تُدهشنا في أحايين عديدة، فقد ينطبق مثال عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، وبالتالي سيكون هناك تبعات كبرى على الجغرافيا السياسية والمجتمعية في آسيا والشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى