مقالات

ضربةٌ ضدَّ القيَم الإنسانيّة والحريّات

سليمان محمود 

الهجومُ التركيُّ لم يكنْ مُفاجأةً بالنسبة لنا، وليسَ من الحكمةِ الظنُّ بأنّ تركيا ستبقى مُتفرّجةً حيالَ الوضعِ في سوريا، لا سيّما تحرّكاتُ الكُرد المؤخَّرة. ولا من الذّكاء التفكيرُ بأنّ تركيا ستتركُ الحبلَ على الغاربِ لمشروع الفيدراليّة.

تركيا دولةٌ عدوّةٌ ، وهي لم ولن تتوقّفَ يوماً عن ضربِ الشعب الكرديّ في سوريا والعراق وتركيا، بشكلٍ مباشَرٍ أو غير مباشَر.

الضربةُ كانتْ مُتوقّعةً، والسببُ هو عدمُ تحمُّل العدوّ لما يجري على الأرض، وهذا دليلٌ على صحّةِ مشروع الأمّة الديمقراطيّة، المُناهضِ للمشروع الأردوغانيّ  الداعشيّ، وكلّ مَن لفَّ لفيفهم.

ما حدثَ هو عدوانٌ غاشمٌ، بل غدرٌ، وليسَ بضربةٍ عاديّة. ويأتي ضمنَ سلسلةٍ من الاعتداءات الهمجيّة للنظام التركيّ الإخوانيّ على عموم الشّعب السوريّ، بدءاً  بدعم وتسليح فرق الموت من الجيش الإرهابيّ الحرّ إلى داعشَ والنصرة، إلى الاحتلال المباشر عبرَ دعم عملائها فيما يُسمّى بدرع الفرات.

إنّ هذا الهجومَ التركيَّ على قاراجوك وشنكالَ يُشكّلُ سابقةً خطيرةً على منطقة روج آفا، ويتطلّبُ الوقوفَ عندهُ وتحليل ما بينَ السطور، والتساؤلَ هل تمَّ العدوانُ بالتنسيق مع القوى الإقليميّة أو الدوليّة التي تتدخّلُ في سوريا؟ لا سيّما أنّ لقاءاتٍ جرتْ ما بينَ الطرفين الأمريكي- التركيّ قبلَ الضربة.

القصفُ التركيُّ على المناطق الكرديّة هو محاولةٌ لتشتيت الحرب في سوريا، محاولةٌ تركيّةٌ بائسةٌ لإنقاذ داعشَ في الرقّة والعراق.

إنّ تركيا، ومن خلال هجومها على شنكالَ وقره جوخ، تثبتُ مرّةً أخرى، كدولةٍ فاشيّةٍ، بأنّها تساندُ القوى الإرهابيّة بشكلٍ علنيّ، وتحاولُ تخفيفَ الضغطِ عن داعشَ بكلِّ الوسائل.

إنّ الهجومَ ما هو إلاّ تعقيدٌ للمشهد السياسيّ والميدانيّ في سوريا. وإنّ ما قامت به الدولةُ التركيّةُ بعدوانها السافر على روج آفاي كردستان وشنكال، من خلال قصف طائراتها الحربية للمدنيين الآمنين والقوى العسكريّة المُدافعة في تلك المناطق، يُعتبَرُ جريمةً وعملاً مُداناً، ويأتي مُتزامناً مع تفاقُم الأزمة الداخليّة في تركيا بعدَ الاستفتاء الأخير، والتي جاءت نتائجهُ مُخيّبةً لآمال الحزب الحاكم من جهة، والتخفيف من الضغط عن جبهة الرقّة وعن قوى الإرهاب العالميّ التي تساندها تركيا والمتمثّلة بداعشَ من جهةٍ أخرى.

الغاراتُ استهدفت مواقعَ وحدات حماية الشّعب في قرة تشوك، شمال سوريا، ومواقع البيشمركة في جبل شنكالَ أيضاً. إنها تنفيذٌ لما أشارَ إليه أردوغانُ مؤخّراً في مقابلةٍ مع قناة الجزيرة، حين أشارَ بيدهِ إلى صورةٍ فيها أعلامٌ كرديّةٌ، واصفاً إيّاها بالخِرَق البالية.

كلُّ هدف أردوغان هو منعُ قيام أيّ كيانٍ كرديّ على حدودهِ. والقصفُ جاءَ كجسّ نبض الكرد ومراقبة ردّ فعلهم والأمريكان أيضاً. إنّ تركيا تخطّطُ لدخول المنطقة الحدوديّة( الكردية- الكردية) لفصل الكرد في العراق عنهم في سوريا، وخلق بؤرةٍ لزعزعة الاستقرار هناكَ، كما فعلتْ في جرابلس.

السُلطانُ العثمانيّ الجديدُ أردوغان يستعرضُ قوّتهُ، بعدَ مسرحيته الديمقراطيّة الهزليّة. يأمرُ طيرانهُ الفاشيّ بضرب الكرد في مناطق الكرد.

إنها ضربةٌ ضدَّ القيم الإنسانيّة والحريّات.. وإنّ هذا التصرّفَ من قبل سليل الطورانيين لن يزيدَ الشعبَ الكرديَّ إلاّ إيماناً بعدالة قضيّته وحقّه في الحريّة والعيش بسلامٍ.

الغريبُ أنهُ- وكالعادة- هناكَ مَن يبرّرُ جرائمَ العدوِّ، بل و يتّهمُ pkk بإثارة القلاقل والفتنِ.

للأسف ثمّةَ بعضُ الكردِ ما عادوا يرونَ تركيا عدوّةً للشعب الكرديّ، وأصبحوا يتبنّونَ وجهةَ النظر التركيّة في كلّ حدثٍ، ويردّدونَ كالببغاء حججَ الأتراك دونَ تفكير. وفي ذلكَ دلالةٌ واضحةٌ على شخصياتهم الموتورة المُنقادَة لجهة( باب رزقهم).

زر الذهاب إلى الأعلى