مقالات

شَرِكُ سوريا: عدم إشراك الكورد. فسَلْقُ سوريا (دستورياً)

مصيدة أخرى تتحضر لسوريا؛ بوسائل سوريّة نالها التعب. التعب الذي يبدو على وجوه وعقول أغلبهم قد أوصل الأمر بهذا الأغلب في أنهم باتوا كمن يتحوّل إلى أدوات لتنفيذ أجندة كل جهة ما عدا الأجندة السورية. وكأن الحرق الذي نال سوريا طيلة ثماني سنوات لم يفي بالنتيجة المطلوبة. وكأن الحرق الذي لم يصل إلى أمكنة ما وسَلِمَتْ منه الأمكنة بات يُنظر على وجوب أن يتم سلقها. وإلّا ماذا يعني الانتقال بهذا الشكل العشوائي إلى السلة الرابعة الأخيرة: سلة الدستور السوري؛ بالرغم من أن السلال الثلاثة التي تسبقها لم تزل فارغة؟ وماذا يعني أن يتم استنبات هذه السلة في سوتشي برعاية ضامنين مختلفين في كل شيء- ضامني آستانا الثلاث: تركيا، إيران، فروسيا؛ فيتم نتح هذه السلة أو في إظهارٍ صناعيٍّ لبرعمتها في جنيف مرة أخرى؟ ولأن الصيغة الأخيرة وكل شيء جديد حيال سوريا وفيما يخص سوريا أممياً يقرأها دي مستورا كمبعوث دولي لحل الأزمة السورية؛ ألا يبدو هنا بأنه كافر وناقل للكفر في الوقت نفسه؟ من زيارة خاطفة إلى أنقرة وأخرى إلى طهران وأخيرة إلى عاصمة أخرى؛ ألا تبدو هذه السلة بمثابة شقّ طريق جديد آخر بعد أن وصل الواصلون إلى الحائط المسدود؟

ألا يبدو مثل هذا التحرك أشبه بطريقة التباري شعراً؟ الحرف النهائي من بيت ما يبدأ منه بيت شعري آخر. دون علاقة ودون معنى. إنما حرف واحد يكفي. أشبه أن تكون ابداعات قادمة إلى سوريا عن طريق لعبة الأمم.

 أسئلة مشروعة في ظل خطوات غير مشروعة ترتكب بحق سوريا كشعب وبلد بشكل عام وبشكل خاص بحق الشعب الكردي في سوريا؛ الطرف الذي قدّم أكثر من طاقته إنْ في محاربة الإرهاب طيلة ست سنوات ماضية؛ منها ثلاثة سنوات أخيرة بشكل مكثف؛ وبحصة كبيرة؛ تمّ على يده تحرير عاصمة (الدولة) الإرهابية/ الرقة. قبل ذلك تمت تحريرات كثيرة كبيرة. واصلاً ذلك باليوم وما حدث في تحرير الدشيشة المتاخمة للعراق. أن يمَثِّل نسبة (حوالي) 18% من مجموع شعب سوريا معادلة حل الأزمة السورية الكلية في شقيّها المتمثلة بمحاربة الإرهاب وفي الوقت نفسه طرح ماهية الحل عن طريق الإدارات الذاتية الديمقراطية؛ وتمّ ويتم استبعاده من كل اجتماع –كل اجتماع لم يحضره الكورد قد فشل- حيال الحل السوري وعمليات المفاوضة التي لم تحدث حتى اللحظة؛ يعني بأن الكورد الذين يقودون مع شركائهم عمليات التحرير وتحقيق التغيير الديمقراطي بأنهم سويّة قد حُمِّلوا فوق طاقتهم.

حينما تنظر إلى دي مستورا تخاله شركة مساهمة للوهلة الأخيرة. كل جزء فيه يتم تحريكه من قبل جهة معينة. صورته مركبة جداً. ومقاربته تتكرر وتصريحاته تتناقض وحركته لم تأتي بشكل متواصل إنما بتقطع وتأتأة في أحسن الأحوال. الشيء الوحيد الذي يصعب إيجاد له المعنى: ابتسامته. لا يُراد هنا أن يُفهمَ بأنه تحامل على السيد ستافان دي مستورا وتحميله أكثر من طاقته أيضاً؛ بقدر ما هو تحليل عما يبدر عن الرجل وما يخرج عنه بين الفترة والأخرى على اعتباره مندوب الأمم المتحدة لحل الأزمة السورية.

سلة الدستور السوري التوافقي بالرغم من أنها المحورية؛ لكن من الخطأ تناولها بأنها الأولى؛ بالطبع ما يتحدث عنه السيد دي مستورا ليس بالتوافقي إنما بالمجمّعين. فإنها ستكون أشبه بعملية سلق المتبقي من سوريا. الأقرب لها في ذلك عما جرى في لبنان. فاتفاقية الطائف اللبنانية ومدى أهميتها القصوى في ذلك الوقت؛ لكن تحوّلت بحكم السكون الذي أصاب لبنان أو لنقل توقفت لبنان من خلاله؛ تحول ذلك الاتفاق التاريخي إلى سد ألجم حركية تاريخ لبنان. ولبنان منذ ذلك الوقت متوقف أو يلوك نفسه. لم ينتهي السوري من سلة مكافحة الإرهاب. النجاحات العسكرية التي تحققت وتتحقق على ضفتي الفرات سواء من قبل قوات سوريا الديمقراطية بدعم التحالف الدولي العربي بقيادة أمريكا أو من قبل السلطة السورية بدعم روسي إيراني لا يعني بأن المعركة ضد الإرهاب قد انتهى إلى غير رجعة. في هذا الشأن يبدو بأن تجفيف مصادر الإرهاب هو الأهم فهو الأخطر. ففي ظل وجود نظام أمنى مستقر في سوريا قبل 2011 ووجود دستور في سوريا لكن ظهر الإرهاب الداعشي وجبهة النصرة. الإرهاب ليس بالشبح إنما يظهر من الشقوق، ومن الحجز المجتمعي، ومن التشظييّن الأفقي والعمودي في أي مجتمع، ومن الاستبداد، ومن المركزية، ومن الجوار المتربص/ شأن أنقرة المتربصة: في هنا؛ يجب أن يعلم السوداني بأن (المنحة) التركية في تقديم آلاف الأطنان من أنقرة المأزومة اقتصادياً وسياسياً قبل اسبوع أو أٌقل لن تكون بالمنحة وليست بالهبة إنما المحنة على سودان وجوارها. إنما جزء من سياسية التربص والاحتلال؛ بشكل أو بآخر. فمحاربة الإرهاب يتم بداية عن طريق تغذية الديمقراطية والحكم الرشيد وعن طريق أقصى تمكين لحالات اللامركزية الديمقراطية. أمّا مثال الإدارات الذاتية الديمقراطية فيجب أن ينظر إليها السوري –على ضفتي الفرات- بمزيد من المسؤولية.

فيما لو لم يتم الاتفاق وعن طريق التفاوض الحقيقي للممثلين الفاعلين في سوريا حول ماهية النظام السياسي في سوريا. هل يكون برلمانياً؟ أم رئاسياً؟ أم نصف رئاسي ونصف برلماني؟ حول أشكال أو شكل الحوكمة في سوريا؟ ثم يتم الانتقال من بعده إلى الانتخابات التي تجسد ما سبق؟ فعن عن أي دستور نتحدث أو بالأحرى يتحدثون؟ وما يجري أشبه أن يكون بمن يضع العربة أمام الحصان.

كل عقد اجتماعي هو دستور، في مثل هذه الحالة لا يمكن اعتبار الدستور عقداً اجتماعياً:

في تعريف كلمة الدستور وهي كلمة مشتقة من اللغات الآرية وتتألف من مفردتين: (ده ست) وتعني اليد، و(وار) وتعني الحيز أو المكان. وتعني اصطلاحا اليد الطولى القوية في الحيز الاجتماعي والمستند على قاعدة تبنى عليه ذلك الحيز وتنتظم وفقه.

ولأن نظرية الاجتماع البشري في شكلها الأساس ظهرت من أجل ترسيخ فكرة الحرية والتأكيد على الإنسان الكلي والديمقراطية الشاملة في المجتمع الذي ينعقد من أجلها. وعلى إثره يمكن اعتبار الدستور عقد اجتماعي بين كل المكونات الاجتماعية من أجل انتظام أمورها وتوضيح أفعالها وممارساتها بشكل غير مؤذ إنما إيجابي ضمن اجتماع بشري معين ومحدد. وعُدَّ الدستور عقداً اجتماعياً تتفرع عنه نتائج إيجابية ومهمة تؤكد الحق الطبيعي للفرد المضمونة في الحياة الاجتماعية الوضعية والمتعلقة بجوانب الديناميكا الاجتماعية هذه من ناحية ومن ناحية أخرى أن السلطة الناشئة وفق رغبة وحاجة الاجتماع وبالتالي وفق عقد اجتماعي يُعَبِّر عنها المفوض الاجتماعي لتلك السلطة في اعتبار موصوف بدقة متناهية، أي أن شخصا ما ضمن مجتمعا ما ينوب عن أعداد غفيرة ويكون ممثلا عن الشعب الذي اختاره مما ينتج حالة توافق ناجمة عن التعاقد الاجتماعي “الحالة الأسمى” وهي عدم اعتبار التمثيل المتوافق له، امتيازاً شخصياً له و لعائلته ولعشيرته أو مدرج ضمن الفئة المناطقية العليا. وهنا يحق للطبقات والفئات المجتمعية التي اختارته دوام المراقبة للحاكم وضمان مسائلته وعزله إنْ دعي الأمر أو إن خالف العقد الاجتماعي والاتفاق المبرم بينه و بين الشعب، وعليه فإن العقد الاجتماعي أو الدستور من حيث القيمة الاجتماعية والطبيعية أسبق وأرفع شأنا من الحاكم الذي تأتى وفق العقد، وبالنتيجة يكون الدستور (العقد الاجتماعي) أرفع شأنا من الحكم أو الحاكم، فلا سلطان على العقد الاجتماعي سوى العقد نفسه.

 ووفقا لمقترحات نظرية العقد الاجتماعي، فالعلاقة بين الحاكم أو الممثل للشعب أو النائب عن الشعب والشعب تكون علاقة ذات طابع تعاقدي ناشئ على هامش العقد الاجتماعي (الدستور ) ولا ينشئ من أن الحكم أو الحاكم يتمثل أو يمثل الدستور نفسه، من المهم أن ندرك أنه ينشئ من العقد مجموعة قوانين ناظمة للعلاقة بين المجتمع ومن كل نواحيه وبين المجتمع نفسه والإداريين الذين حازوا الإدارة كنتيجة انتخابات نزيهة وتنافس نزيه يحده عقد بمنتهى النزاهة. فلا يجوز لحاكم أن يستبدل محله بمحل إحدى الثابتين؛ الثابت الأول: الحق الطبيعي (حرية الشعب)، والثابت الثاني: الحق الوضعي (العقد الاجتماعي أو الدستور)، تفاعل الثابتين الطبيعي والوضعي ينشأ بالضرورة متحرك هو الحاكم، في الدول ذات النظام التوليتاري يحاول الحاكم إيجاد محل ثابت له، وإن لم يكن فبتغيير الثابتين الأساسيين، من محل ناشئ على هامش العقد إلى نص مقدس ثابت مستمد حاكميته من الإرادة الإلهية.

لا نعتقد بأن هذه الأمور كلها في بال السيد دي مستورا (قائد) أوركسترا سلة الدستور التي ثلثها من آستانا/ سوتشي، وثلثها من السلطة، وثلثها الأخير لمّة الولائم؛ فسموها بالمعارضة. ولا يفهم سر هذا التزاحم على إنجازه. تبدو نكتة سمجة حينما تقدم السلطة السورية خمسين إسماً فتقابلها (المعارضة) بمئة اسم. هل هكذا يتم إنجاز الدستور التوافقي؛ أم أنها بالفعل عملية سلق سوريا؟

ما يلزم سوريا عقد اجتماعي ممثل لجميع التكوينات المجتمعية السورية. ويكون هذا العقد بمثابة خاتمة الفترات الزمنية الماضية وبداية العهد السوري الجديد في قيم الجمهورية السورية الثالثة. حتى تخرج في نهاية الديباجة (مقدمة العقد الاجتماعي السوري/ الدستور التوافقي) قد بيّنا هذا الدستور؛ يجب أن يكون اللون الكردي موجوداً. وحتى نكون أمام أوركسترا سوريّة حقيقة لا بد أن يكون الكردي موجوداً. الكردي كما هو كما في مثال من يمثل الإدارة الذاتية الديمقراطية. فلننهي وضعية الشهود الزور؛ فلنبدأ بالتحضير أو تهيئة طاولة التفاوض الحقيقية.

زر الذهاب إلى الأعلى