ثقافةمانشيت

شهادات غربية عن الإبادة الأرمنية

القضية الأرمينية

المسألة الأرمنية مثلها مثل جميع القضايا العالقة في الشرق الأوسط أثيرت ونوقشت في المحافل الدولية ولكن من دون جدوى

إن خطورة القضية الأرمينية بالنسبة إلى الحكومة التركية تكمن في مطالبة الأرمن في بلادهم بالقسم الشرقي من الأناضول ليعيشوا عليها بكرامة، حيث  بدأت المذابح الوحشية المنفّذة من قبل العثمانيين ضد الأرمن في عام 1909م في أضنه و كليكيا ووصلت ذروتها في عام 1915م.

قام قادة جمعية (الاتحاد والترقي) باتخاذ قرار حول إبادة الأرمن في أحد اجتماعاتهم السرية في فبراير/شباط عام 1915م وشرعوا بتنفيذها خلال الحرب العالمية الأولى. و نُفِذَت مجزرة  الإبادة ضد الأرمن بقرار رسمي عثماني فسقط أكثر من مليون و نصف المليون أرمني ضحية لأولى عمليات الإبادة العرقية في القرن العشرين.

تابع الأتراك مخططاتهم الإجرامية ضد الأرمن وشردوا مَن بقي منهم على قيد الحياة في أصقاع الأرض، في الوقت الذي قاموا برفع الأحرار العرب(السُنَّة) على أعمدة المشانق وأعدموا الوطنيين وبالرغم من تهديد الأتراك العثمانيين للسكان المحليين الذين كانت دولهم تحت الاحتلال العثماني بِعدم تقديم المساعدات للأرمن، فقد رفض معظم سكان هذه المناطق والدول الانصياع للأوامر الجائرة وتنفيذها؛ وهناك الكثير من الأمثلة والروايات الحية والشاهدة على ذلك في وقتنا الحاضر.

إن الإبادة الأرمينية وإظهار أسبابها ونتائجها وجدت اهتماماً بالغاً في الأوساط العلمية وخاصة المعنية بدراسة التاريخ. فكُتبت عنها العديد من المقالات والكتب التي قامت بكشف الأحداث التاريخية عن هذه المجازر. على سبيل المثال في كتاب عثمان الترك ومحمد كرد علي…… والكثير من الأسماء اللامعة الأخرى.

في البلدان التي استقروا فيها كان الأرمن مخلصين في التشارك مع الشعوب التي احتضنتهم وتعايشوا معهم جنباً إلى جنب وكانوا أوفياء جداُ حتى في الدفاع عن البلدان التي هجروا إليها ودافعوا عنها بدمائهم.

الدكتور أرشاك بولاديان باحث في متابعة قضية الأرمن وحياتهم ومآسيهم وإبادتهم والمجازر المهولة التي “ارتُكِبَت بحقهم أثناء هيمنة الدولة العثمانية فاختار النبش في الوثائق والأوراق لتقديم شهادات غربية توضح حقيقة ما جرى من إبادة للأرمن على أيدي الأتراك.

بدأ الكاتب بقول لــ ونستون تشرشل

لا توجد صداقات أو عداوات دائمة وإنما توجد مصالح دائمة، هذه البداية أو الكلمة الأولى التي اختارها الكاتب ليبدأ كتابه عن الشهادات الغربية لشهود عيان من الغربيين؛ وهؤلاء الغربيون هم سياسيون ودبلوماسيون ومؤرخون، وكانوا ضمن الدائرة الضيقة التي عَرَفَتْ عن قرب حقيقة ما جرى في رحلة الإبادة الأرمنية.

لتوضيح حقيقة ما جرى لا بد من الوقوف على الوثائق التي انتزعها هذا الشعب المؤمن المكافح من معاقل الغرب الذي حاول مراراً التعمية على هذه الأحداث؛ لذا جاء في الفصل الأول في كتابه من التمهيد عنوان( القضية الأرمنية ضحية المصالح والسياسات الدولية).

«إن العلاقات الدولية الصعبة وتشابك مشاكل الدول العظمى أدت إلى توقف التدخل الدولي في القضية الأرمنية وتركها لرحمة السلطان، والدليل على ذلك والمذكور في الكتاب القول التالي: ونصح المستشار الألماني بسمارك السلطان عبد الحميد الثاني في خريف عام 1883 م بعدم الإسراع في تنفيذ الإصلاحات في الولايات الأرمنية حرصاً على هيبته..».

لم تكن مواقف الغرب مقتصرة على التغاضي، بل كانت كما في نصيحة بسمارك تَحُول دون إنصاف الشعب الأرمني في السلطنة العثمانية، وهذا الفصل من الأهمية بمكان قراءة ردود فعل المجتمع الدولي حيال ما جرى وكيف يمكن لمصالح الدول أن تتحكم في مصائر دول وشعوب أخرى كما جرى على الأرمن آنذاك و(عفرين الكردية السورية مثال حي أمامنا) في العصر الحديث.

ضمن هذه الرؤية للمصالح الدولية دارت مجموعة من الشخصيات الدبلوماسية الغربية ولم يفعلوا شيئاً في حينها؛ لكنهم سجلوا هذه الشهادات وقاموا بحملات للتبرع وجمع الأموال فقط؛ والتي لا تتناسب الجزء اليسير مما كتبوه عن مجازر الأرمن وشهدوا به.

بعد استقصاء: هنري مورغنتاو وتأليف كتابه ” قتل أمة “ولعل أهم هذه الوثائق ما سجله مورغنتاو في كتابه «قتل أمة» والشهادة لسياسي ودبلوماسي وسفير يتحدث من قلب تركيا حين كان سفيراً لأميركا في تركيا ، وطبع الكتاب عام 1947 في نيويورك ولم ينشر حينها.

ومما يذكره المؤلف في شهادته «تصرف الأرمن بتمالك نفسي ملحوظ، ورغم أن الجو كان مليئاً  بالمتاعب في خريف وشتاء عام 1914- 1915 م كانت السياسة التركية لسنوات عديدة هي تحريض المسيحيين على ارتكاب أعمال عدائية علنية لتكون عندهم الأعذار للقيام بالمجازر؛ فعندما وجد رجال الدين والزعماء السياسيين الأرمن بوادر كثيرة تشير إلى أن الأتراك عادوا إلى سياستهم القديمة، ولذلك ذهبوا إلى رعيتهم ينبهونهم بأن يحافظوا على الهدوء وأن يتحملوا كل الإهانات والاعتداءات بالصبر حتى لا يعطوا الأتراك الحجة التي كانوا يفتشون عنها، وقالوا لهم حتى إذا أحرقوا بعض قرانا : لا تثأروا لأن قتل بعضاً منا أفضل من تدمير أمة».

هكذا يكتب السفير الأميركي لدى تركيا عن تعامل الأرمن وقياداتهم تجاه ما كان يتعرض له الأرمن من اضطهاد، وما أورده يؤكد تواصله مع الآخرين تواصلاً وثيقاً.

والشهادات ذاتها تتكرر مع شخصيات أخرى من المؤرخين.

آرنولد توينبي المؤرخ يقول «ارتكبت هذه الأعمال الوحشية بحق الأرمن على الرغم من أنهم لم يفعلوا أي شيء يدعو لذلك» ومن كتاباته عن هذه المرحلة فيما يخص المسألة الأرمنية: الفظائع الأرمنية، معاملة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية 1915.

ويختتم الدكتور أرشاك

الإيمان بعدالة القضية وحتمية الانتصار:

«خلال مئة عام من الانتظار والشعب الأرمني يؤمن بعدالة قضيته والضمير العالمي، ويثق بمفاهيم العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان والشعوب في العيش وتقرير مصيره ومتابعة مسيرة النضال من أجل حياة كريمة والاعتراف الدولي بالإبادة الأرمنية».

أعدَّه: آرتيش الحسيني

زر الذهاب إلى الأعلى