مقالات

شرق أوسط 2020 في خطوطه العريضة

يبدو إن التطورات الأخيرة التي يشهدها الشرق الأوسط على الساحة السياسية ستفضي في النهاية إلى رسم خرائط جيوسياسية للمنطقة عموماً من قبل صناع القرار وقوى الهيمنة لكن إلى أي مدى ستخدم هذه الخرائط السياسية قوى الهيمنة العالمية، وفي المقابل كيف ستنعكس على الشعوب وقوى التغيير والثورة التي تقارع الأنظمة السلطوية وقوى الهيمنة الإقليمية الصاعدة كتركيا وإيران. إن حساسية المرحلة الراهنة بكل مخاضها وانعكاساتها تطلب منا تقييماً واقعياً  خاصة وإن المرحلة تعد مصيريةً للشعوب وللأنظمة وللقوى الإقليمية وحتى بالنسبة لقوى الهيمنة العالمية.

هناك مشروع عالمي للشرق الأوسط أو كما أسماه مركز قوى الهيمنة “الشرق الأوسط الجديد” تنفيذاً لمصالحهم، لذا فقد كان البداية بإجراء بعض التغييرات خاصة تجاه الأنظمة الراهنة والتي انتهت صلاحيتها مع بداية الألفية الثانية. كونها لم تعد تخدم مصالح قوى الهيمنة بالشكل المطلوب، لابل أصبحت بعضها تشكل عرقلة أمام مصالحها وأجنداتها، كما إن قوى الهيمنة غيرت من اسلوب حربها بأنها اعتمدت على سياسة عدم المواجهة المباشرة، أي أنها استخدمت اسلوب الحرب بالوكالة، فتركيا على سبيل المثال تحارب وكالة عن حلف الناتو في المنطقة.

ومن طرفها تستخدم حلف الناتو تركيا بأسلوبٍ أو بأخر في صراعها وحروبها، لدرجة وصلت فيها الدولة التركية إلى حالة تشبه حالة الدولة العثمانية قبيل الحرب العالمية الأولى “الرجل المريض”، ولذا نشاهدها تدفع اليوم ثمن سياساتها الخاطئة على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، لقد أراد نظام العدالة والتنمية وعبر تنشيط التيار الإسلامي السياسي أن تخرج على قوى الهيمنة وأن تصبح هي بذاتها قوى مهيمنة لكنها فشلت وهي اليوم تشهد أزمات خانقة على كافة الصعد واصبحت أداة بيد روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولذا فهي ستكون ضمن الدول الخاسرة في هذا الصراع أو في الحرب العالمية الثالثة التي تدور رحاها في الشرق الأوسط.

أما الدور الروسي في هذا السياق فقد عادت روسيا وعبر سوريا إلى ميدان الشرق الأوسط وبقوة وكما يبدو فقد غيرت من قواعد سياستها عما كانت في مرحلة الاتحاد السوفياتي، حقيقة نستطيع القول بان روسيا وعبر استخدامها لتركيا كأداة تمكنت من فرض سيطرتها بشكلٍ محكم على سوريا وعلى البحر المتوسط، لكن علينا أن لا ننسى بأن مجمل القوى الدولية والإقليمية تعيش تناقضات كبيرة فيما بينها خاصة مع ظهور قوى منافسة جديدة لها ثقلها الاقتصادي والعسكري وبإمكانها قلب موازين القوى كالصين وألمانيا.

في سوريا على سبيل المثال هناك تقاسم بين القوتين المهيمنتين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ولكلٍ منها أذرع ووكلاء، فمن جهة تعمل الولايات المتحدة على اقتلاع نظام الملالي الذي بات يثير المشاكل والعراقيل للولايات المتحدة الأمريكية، واليوم تحاول تقليم أظافره في المنطقة ووضع حدٍ له والتظاهرات الأخيرة في العراق ولبنان كذلك الضربة التي استهدفت قاسم سليماني ومن معه من القيادة الإيرانية النافذة في المنطقة تأتي في إطار الحد من نفوذ إيران، كذلك حماية مصالحها في المنطقة وفي منطقة الخليج.

العائق الأخر أمام الولايات المتحدة تمثل في مشروع أردوغان  “العثمانية الجديدة”، كما نعلم فأن النظام التركي الراهن يهدف وبشتى الوسائل إلى إعادة رسم خريطة الدولة العثمانية وذلك من خلال التلاعب على وتر التناقضات الدولية لكن أردوغان لا يدرك بأنه ذاهب نحو الهاوية وإنه ليس سوى مشغل وأداة بيد قوى الهيمنة، وعزل تركيا اليوم عن القضايا الدولية وعن محيطها سياسياً والزج بها في الصراعات وقضايا الإرهاب يأتي في سياق الدفع بنظام أردوغان  الذي بات يهدد العالم أجمع نحو حتفه المحتوم ليقع وقعة لا قيام بعدها.

لكن وكما أشرنا فأن أردوغان سيحاول بشتى الوسائل البقاء في مسار سياسته كونه أمام مفترق طرق وسياسته تجاه دول حوض المتوسط خاصة فيما يخص قضية استثمار الغاز والحدود الإقليمية والدولية وتجاه ليبيا هي أحد الطرق التي يسلكها أردوغان اليوم لكن سياسته هذه تصدم بالعديد من القوى التي تجد في النظام التركي تهديداً حقيقياً على السلام والعلاقات الدولية، وهنا نلج قليلاً على ملف تركيا وحوض المتوسط وعلاقتها مع حكومة السراج الليبية التي تدعمها اردوغان.

لا يبدو خافياً بان النظام التركي يسعى لإعادة رسم حدود “الميثاق المللي”، وذلك بالسيطرة على شمال سوريا من حلب إلى كركوك والموصل والوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ليبيا ولتحقيق هذا الهدف ساند تنظيم إخوان المسلمين والمجموعات الإرهابية المتطرفة في العديد من دول المنطقة خاصة في سوريا ومصر وليبيا.

لكن سقوط الاخوان ومجموعات القاعدة في مصر وتهاويها في سوريا والعراق أدى إلى فشل مخططاته، لذا فقد دخل بشكلٍ مباشر في سوريا واحتل العديد من المناطق كان أخرها رأس العين وتل أبيض، وذلك ضمن إطار تفاهمٍ مع قوى الهيمنة وفي سياق تنافس وتقاسم فيما بينها على النفوذ والمصالح.

تركيا والصراع على المتوسط

نعلم بأن كلٍ من الدول المطلة على المتوسط والتي من حقها الاستثمار في حوض المتوسط وضمن الحدود الدولية وبموجب القوانين الدولية هي مصر واليونان وقبرص والتي عقدت فيما بينها اجتماعاً خلال الفترة السابقة من العام المنصرم، وذلك بهدف ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط والتعاون المشترك في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، لكن هذا الأمر استثار حفيظة الدولة التركية التي تعتبر شرق المتوسط بحيرة عثمانية، وإن المنطقة تقع ضمن حدود العثمانية الجديدة انتهكت القوانين الدولية وبدأت بتنفيذ مشروع التنقيب عن الغاز الطبيعي في المنطقة، وهذا ما استثار غضب تلك الدول التي رأت في السياسة التركية سياسة حرب وانتهاك لسيادة الدول.

ومع تصدي دول شرقي المتوسط لمشروع أنقرة وفشلها في تنفيذ مشروعها بالاستثمار والتنقيب في البحر المتوسط استغلت ورقتها في ليبيا وذلك بدعم حكومة فايز السراج وبالتالي إيجاد موطئ قدمٍ له في تلك المنطقة التي تشهد بدورها صراع إقليمي ودولي، وبالفعل فقد قدمت أنقرة

الدعم اللوجستي والعسكري وأرسلت قوى عسكرية قوامها المجموعات الإرهابية السورية المرتزقة والتي تستخدمها في حربها ضد الكرد وضد الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال سوريا.

وبذلك خسرت تركيا جميع حدودها الاقتصادية والسياسية مع كل من اليونان وقبرص وإسرائيل والأردن ولبنان. وفي هذه النقطة بالذات بدأت تركيا مساعيها لأجل التوجه نحو نقطة تلاقي البحر المتوسط مع إفريقيا الشمالية، ألا وهي ليبيا.

لا لوحدة تخدم مشاريع غير وطنية

حقيقة مطلب الوحدة مطلب استراتيجي ومحاولات الإدارة الذاتية الديمقراطية في هذا الإطار مشهود لها، لكن هناك تهرّبٌ دائم من قبل بعض الأحزاب التي لها أجندات مغايرة لأجندات الشعب الكردي ومن هنا فالشعب الكردي والأحزاب الكردية المنضوية تحت سقف الإدارة الذاتية الديمقراطية ليست ضد الوحدة، لكنها لا تقبل بالمشاريع الخارجية بالرغم من كل محاولات الضغط من قبل الأطراف الخارجية وكما أسلفنا سابقاً لا يمكن القبول بمشروع وحدة تخدم مشروع الهيمنة الاقليمية والدولية.

الشعب الكردي يدرك أهمية الوحدة الوطنية لكنه أيضاً أدرك تماماً اللعبة السياسية الجارية والتي تهدف للقضاء على مشروع الأمة الديمقراطية، وفي هذا السياق هناك مؤتمر كردي كردي لشمال سوريا قريباً أعتقد إن الفرصة سانحة لأثبات الجميع مدى مصداقيتهم من هذا الموضوع الجد هام.

مسلكية الحل في سوريا

حقيقة الحروب القائمة حروب إيديولوجية في أحد اوجهها، في سوريا على سبيل المثال نجح المشروع الديمقراطي الشعبي، وما أن تنبهت قوى الهيمنة العالمية لتصاعد المشروع الديمقراطي حتى سارعت إلى تقويضه وتحجيمه، وما يتم من ترابط مزعوم بالدعم العسكري المقدم وببعض التصريحات حول دعم قوى الهيمنة للمشروع ليس إلا لإبقاء القوة التي حاربت الارهاب تحت سيطرتها. في شمال سوريا نجح الكرد والقوى الديمقراطية بتأسيس مشروع سياسي إداري فعلي، هذا المشروع تعارض فعلياً مع أجندات النظام وما يرموا إليه كذلك يتعارض مع مشروع إخوان المسلمين الذي يدعمه النظام التركي بكل الوسائل، لذا فالصراع اخذ أشكال عدة.

أما الحديث عن العراقيل التي تقف أمام الحل السياسي في سوريا فهي كثيرة فمن جهة الايدولوجية البعثية الشوفينية لازالت متحجرة وعصية على التغيير، ويستند بنفسه إلى القوى الخارجية مثل “روسيا وإيران”، مما تؤدي إلى تفاقم الأزمة وانسداد أي رؤية للحل. أما بالنسبة للمعارضة حقيقة ليست هناك معارضة فعلية إنما مجموعات وتنظيمات مأجورة ومرتهنة لتركيا وتعمل وفق الأجندات التركية وهي لا تقبل بأي نموذج يلمح فيه إلى الديمقراطية أو التعددية وهي بطبيعة تمثل الوجه الأخر للعملة.

سُبل الحل تكمن في النموذج الديمقراطي، مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية قدمت نموذجاً فريداً للحل السياسي في سوريا وطرحته عبر المؤتمرات والحوارات الداخلية والخارجية عامة، لذا فأن تقبل هذا النموذج من كافة الأطراف حتماً سيكون بادرة وركيزة أساسية نحو الحل السوري الشامل.

زر الذهاب إلى الأعلى