مقالات

شرعنة الاحتلال وتلميع ممارسات مرتزقته مهمة أوكلت لـ ENKS وراعيهم

ياسر خلف

تُعد المواقف السياسة دليلاً على مدى نضج وعي الشخوص والنُّخب التي اتخذتها، وهذا النضج السياسي يقترن نجاعته بمدى قربه من نبض الشارع وتعبيره عن آلام المجتمع وأفراحه، فهذه المواقف بمثابة الالتزام التام بالقيم والمبادئ الجمعية للمجتمع التي يجب أن يتحلى بها صاحب هذا الموقف في ميدان السياسة سواء أكان حزبياً أو قيادياً أو شخصاً عادياً، وخاصة في ما يتعلق بالقضايا المصيرية والحقوقية، فنحن نعيش في واقع بات الكثير منا يختلط في ذهنه وتفكيره الكثير من المواقف والأحداث التي تحتاج إلى التوقف عليها بِرَويِّة وتأني لاتخاذ القرار الصحيح المتوافق مع الحقائق التي نعيشها ونلتمسها ونجاريها في حياتنا، وربما يحتاج المرءُ إلى استرجاع بعض المُسَلّمات الراسخة في الذاكرة الجمعية لوطنٍ وشعبٍ قاسى وعانى سابقاً من هكذا خذلان وتآمر من شخوصٍ كان من المفترض أن يكونوا ملتزمين بقيم ومبادئ شعبهم وفي مقدمة المدافعين والمقاومين عن كرامتهم ومكتسباتهم التي تحققت بكَدِّ ودماء أبنائهم. لكنهم ونتيجة مصالح مادية ضيقة ومنافع شخصية بغيضة تركوا مصير شعبٍ بأكمله عُرضة لشتى أنواع الإرهاب والقتل والتنكيل، وجلسوا في أحضان الأعداء وأثنوا على إرهابهم، ولم يكتفوا بذلك  بل أصبحوا مطية طيِّعة في يد الأعداء والمحتلين وينفذون كل ما يُطلب منهم بكل خسة ودناءة ليتحولوا إلى أداة رخيصة الثمن للتدمير والتشهير بكل جميل ومقدس يخص شعبهم ومجتمعهم، وهذه التراجيديا المأساوية رافقت الثورات الكردية منذ القِدَم، وكانت أحد أهم الأسباب في انتكاستها، ابتداءً من “هرب كوس” ومروراً بتبعات مأثرة “قلعة دمدم” وانتهاءً بـ”حسن خيري” وصولاً إلى يومنا الحاضر، وهذه السلسلة من الخذلان والخيانات لا تزال مستمرة ولكنها ولدت من نبع آسن واحد.

إن ما يمكن سوقه في هذه الجزئية من المقال هو مقارنة ومقاربة بسيطة حتى يتسنى لنا فهم ومعرفة الغرض من زيارة الإرهابي نصر الحريري إلى عاصمة جنوب كردستان والتي هي في حقيقة الأمر كانت مخططة لها من قبل دائرة الاستخبارات التركية بشكل دقيق ومدروس تماماً كما تم فعله مع الخائن “حسن خيري” حين قام كمال أتاتورك  بدعوة شخصية كُردية والتي كان من المفترض أن يكون لها وزنها في ميدان السياسة يمثل منطقة ديرسم آنذاك يدعى “حسن خيري” للحضور إلى البرلمان التركي، وقال له: “يوم غد تزيّن بالألبسة الكردية وشارك في جلسة البرلمان التركي لكي تثبت وتبرهن للصحافة والإعلام والبعثات والوفود الدولية أن الحكومة التركية تحترم الشعب الكردي وتسمح باللغة الكردية واللباس الكردي، وأن الكرد أصحاب حقوق وامتيازات مضمونة ومصونة داخل تركيا، وأن الكرد لا يطالبون بالانفصال عن تركيا وعن إخوانهم الأتراك المسلمين! وأن مصيرهم سيكون واحد وعلى أرض واحدة وفي حدود دولة واحدة وأن عامة الكرد قرروا هذا القرار بالعيش في إطار الدولة التركية!!.” وهذا ما أراد الإرهابي نصر الحريري إيصاله، وتلقفته إمعات وكركوزات الأنكسى وراعيهم برحابة صدر!.

وقد يكون هذا التوقيت بالذات ما أراده سلطان الإرهاب اردوغان إيصاله إلى المجتمع الدولي عبر سماسرته وأدواته في كلٍ من الائتلاف الإخواني التركسوري وذيلهم أو ذليلهم الأنكسي وراعيهم لتلميع صورة الاحتلال التركي وشرعنته، وخاصةً لما بات واضحاً من مسار السياسة الدولية بأنها تتوجه نحو فتح الملفات الحقوقية في المناطق التي تحتلها تركيا في كل من عفرين وسري كانيه وكري سبي وحجم التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي والقومي والديني فيهم، والذي وصل إلى حَدِّ جرائم الحرب كما تؤكد ذلك جميع التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية سواء الداخلية منها كالمرصد السوري لحقوق الانسان أو الخارجية كمنظمة هيومن رايتس ووتش  وغيرها العشرات من المنظمات الحقوقية التي تؤكد تجاوزات الاحتلال التركي ومرتزقته بحق ما تبقى من السكان الأصليين ضمن المناطق المحتلة، كما أن إماطة اللثام عن التجاوزات الحقوقية لا يقتصر فقط على الممارسات القمعية والإرهابية ضمن المناطق المحتلة من قبل تركيا وإنما يتجاوزها إلى الداخل التركي وخاصة التي ترتكبها الدولة التركية بحق الشعب الكردي ونخبه السياسية وبرلمانيه في شمال كردستان والتي ازدادت بشكل واسع بعد هزيمتها في الحملة العسكرية على كل من حفتانين وغاري ورغبتها في الانتقام من الشعب الكردي عبر اتباعها حملات الإبادة السياسية بشكل ممنهج والتي صدر فرمانها من أعلى سلطة في الهرم السياسي للدولة التركية ابتداء من اردوغان وانتهاء بزعيم الحركة العنصرية دولت بخجلي. حيث يسعى أردوغان وطغمته الحاكمة للالتفاف على التوجهات الأمريكية والأوربية وخاصة بعد تلقيه انتقادات واسعة بخصوص ملفات حقوق الانسان؛ حيث تصاعد ضغوط المشرعين الأمريكيين على الإدارة الأميركية وبإجماع نادر من الطرفين الديمقراطي والجمهوري وجّه أكثر من خمسين عضواً من الحزبين في مجلس الشيوخ انتقادات لاذعة للرئيس التركي وطالبوا رئيس الولايات المتحدة جو بايدن بوضع حد لسياسات أردوغان في ملفات حقوق الإنسان وسياسة بلاده الخارجية.                                                                                                                  يبدو أن الدولة التركية تعيش في أجواء من الرهبة والترقب وخاصة أن الإدارة الامريكية إلى الآن لم تقم بأي اتصال بتركيا وسلطتها القائمة، بل على العكس فان الإدارة الامريكية الجديدة ماضية في تصحيح مسار السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط إبان حكم الرئيس السابق دونالد ترامب والتي كانت متناغمة مع الرؤية التركية إلى حد بعيد حيث صدر من الرئيس الحالي الكثير من القرارات والأوامر التنفيذية أكثر من نصفها يلغي أوامر وقرارات ترامب السابقة، وهذا الأمر بات يثير الفزع لدى اردوغان ويسعى جاهداً للتودد للإدارة الأمريكية الجديدة عبر سيناريوهات ومخططات عدة، منها التودد إلى إسرائيل والتخفيض من نبرة الخطاب الشعبوي تجاه الدول الغربية وتحديداً تجاه فرنسا والعمل على التقارب مع الدول العربية (مصر والسعودية والامارات ) حيث جميع هذه السيناريوهات تهدف إلى تلميع صورة السياسة التركية واستباق أي طارئ ستجلبه التغيرات في السياسة الأمريكية، ولكن ما يبدو واضحاً هو أن الأخطاء التركية أكثر تعمقاً وتشعباً من أن ينقذها خطاب منمق لأردوغان عن حزمة إصلاحات في مجال حقوق الانسان، وسجونه باتت مكتظة بعشرات آلاف السياسيين والمعارضين لحكمه أو إرسال كومبارس إلى إقليم كردستان لدعوة كركوزات الأنكسة ENKS  للرقص في عيد النوروز بعفرين، في حين أن مئات الآلاف من سكانها مهجرين قسراً من مدنهم وقراهم والآلاف منهم مختطفين ومغيبين في سجون مرتزقة نصر الحريري، والبقية الباقية معرضين للإرهاب والابتزاز والطرد من بيوتهم واستيطان مئات الآلاف لأراضيهم وقراهم، والمضحك أن المدعو نصر الحريري طُرِدَ من قِبَلْ بَنِي جلدته وأهله في درعا وإدلب بالأحذية والنعال  حيث ينطبق على كلا الطرفين المُستقبِل والضيف المثل القائل (من لا خير له في أهله لا خير له في غيره).

 كما أن السياسة التركية لم تعد بإمكانها اللعب على متناقضات السياسة الدولية في الشرق الأوسط، وخاصة بعد توجه السياسة الأمريكية إلى تبني الرؤية الأوربية التفاوضية مع إيران بخصوص ملفها النووي ومحاولتها إشراك الدول الخليجية التي صارت على علاقة طبيعية مع إسرائيل، كما أن إخراج جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب هو توجه أمريكي ــ إلى حدٍّ ما ــ نحو إرغام إيران للمضي في الملف التفاوضي وقبول مشاركة دول الخليج (السعودية) في هذه المفاوضات في قابل الأيام الأمر الذي يلغي أي فرصة لأردوغان للتغلغل في ملف دول الخليج وعلى وجه التحديد “اليمن” التي سعت قطر لإدخال تركيا عبر بوابة المرتزقة لمساندة تنظيم القاعدة وليس لمحاربة الحوثيين وإنما لإنهاء الدور الإماراتي في الجنوب والحد من تحركات السعودية في السيطرة على كامل اليمن واستخدام المرتزقة كورقة ابتزاز وإرهاب مستمرة تجاه دول الخليج. كما أن هناك الكثير من الملفات العالقة بين تركيا ومحيطها الإقليمي والدولي وجميعها تنذر بما لا تحبذها السياسة التركية سواء في ليبيا أو في اليونان وحوض المتوسط فأغلب المؤشرات تدل إلى سعي أمريكي أوروبي إلى تسليح اليونان  بشكل قوي لمواجهة غطرسة اردوغان واستفزازاته، كما أن إلغاء مشاركة تركيا في تصنيع طائرات “F 35″ هو في نفس التوجه الذي يهدف إلى ترويض تركيا وإرجاعها إلى حجمها الطبيعي وخاصة بعد تحديها لحلف الناتو وأمريكا ومضيها في شراء وتشغيل صواريخ S 400″”.

زر الذهاب إلى الأعلى