المجتمع

شبح الأسعار بات يطارد كل مواطن

تقرير: حسينة عنتر

الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية بات موضوع يتم الحديث عنه في كل منزل أو تجمُّع في أمسية أو لقاءٍ بين مواطِنَينْ، ويعتبرها البعض من السكان مشكلة شائكة ومعقَّدة، ويرَونَها مستحيلة الحل.

في الآونة الأخيرة كادت أسعار معظم المواد الغذائية الأساسية في “روج آفا وشمال سوريا” تعود إلى الهبوط نوعاً ما؛ بعد ارتفاعها إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الماضية؛ لكن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الضرورية بشكل مضطردٍ وملحوظ في السنوات الأخيرة، جنباً إلى جنب مع إحجام الجهات المعنية فيما يبدو عن اتخاذ خطوات فعالة لتنظيم السوق وتنظيم أسعار السلع الغذائية واستقرارها؛ لا يزال مصدراً هاماً لتصاعد الاحتقان الشعبي بين جميع سكان “روج آفا” صغيرهم قبل كبيرهم، ولا سيما بعد هبوط سعر الدولار في سوق الصِرافة بشكل ملحوظ وغير مسبوق. الشماعة التي يتحجج بها التاجر أو صاحب المحل عندما تسأله عن سبب ارتفاع هذه السلعة أو تلك؛ سيكون جوابه السريع ارتفاع سعر الدولار!! فأين هبوط سعر تلك السلعة؛ وقد هبط سعر الدولار؟ ومازال سعر المواد الغذائية على حالها وبنفس الغلاء الفاحش الذي يثقل كاهل المواطن المياوم بل وحتى كاهل الموظف؛ لذا ارتأت صحيفة “الاتحاد الديمقراطي” لاستطلاع بعض الآراء حول هذا الموضوع:

هبوط الدولار؛ لم يرافقه هبوط الأسعار

“محمود حج نوري” صاحب محل(سمانة) للبيع بالجملة في سوق “قامشلو”. بعد هبوط سعر الدولار في المنطقة وخاصة مدينة “قامشلو” التي تعاني من اكتظاظ سكاني غير مسبوق بسبب توافد سكان المحافظات الأخرى إليها من (مناطق التوتر والاحتقان)؛ فوجدوا في مدينة “قامشلو” الملاذ الآمن؛ و على الرغم من كل شيء يبحث المواطن عن الاستقرار في الأسعار والتي يجب أن تناسب المواطن، ويتساءل عن سبب عدم هبوط أسعار المواد مع هبوط سعر الدولار؟ هذا السؤال يراود كل مواطن؛ هذا من حقه وأما التاجر بدوره لا يستطيع أن يخُفِّضَ سعر المواد الغذائية بشكل ساعي أو يومي مع صعود وهبوط الدولار؛ لأنه غير مستقر وكل ساعة بسعر فهو يهبط ويرتفع بشكل آني ولحظي، ومع ذلك فقد هبط سعر أغلب المواد الغذائية رغم الخسارة التي ُألحقت بنا؛ فمثلاً كان سعر علبة الزيت سعة 4 لتر بـ “2400” فواصلت الانخفاض حتى “1800 -1900” ل.س وكيس السكر من “15000إلى 13000” وكذلك السَّمنة والشاي؛ ونحن لسنا مسؤولون عن اختلاف أسعار المواد الغذائية من تاجر لآخر، وعندما يأتي المشتري إلى هذا المتجر أو ذاك؛ ولاحظ اختلاف أسعار السلع؛ يجب عليه مراعاة النوعية والجودة واختلاف شركات الانتاج والمصدر.

تفاوت الأسعار من تاجر لآخر

موظف وصاحب دخل محدود؛ راتبة لا يتجاوز الأربعين ألفاً من مدينة “تربسبيه” فضَّل عدم ذِكرِ اسمه: يعاني العديد من المستهلكين من اختلاف أسعار المواد الغذائية من تاجر لآخر؛ سواءً أكان التاجر صاحب بقَّاليَّةٍ صغيرةٍ في أحد الأحياء؛ أو “سوبر ماركت” مشهور؛ أو تاجر بالجملة. كل بائع يبيع بضاعته بسعر يحلو له؛ لربما لا يتأثر به بعض المواطنين، ولكن بالنسبة لي أجد ضرراً كبيراً من ذلك؛ فإذا قلنا عشر ليرات من هذا النوع وخمسون ليرة من نوع آخر؛ فبالمجموع والمحصلة هذا التفاوت والاختلاف في الأسعار ستمكنني من شراء سلعة أخرى، في كل الأحوال حين تبلغ تكلفة طبخة (الغداء) على الأقل”2000 أو3000″ ل.س تبدو الخيبة على وجهي وعلى وجه الموظفين أمثالي الذين يتذمرون من الاستحكام بهم واستغلالهم من قبل الباعة, حيث تفاوُتُ الأسعار بين محل وآخر؛ أما بالنسبة لسوق اللحوم والفواكه؛ أكَّد لنا هذا الموظف: من النادر أن أتجول فيها للشراء؛ وذلك لأن أسعارها جنونية؛ كأنها تقول: احذر الاقتراب منها خطر …………

بسبب الغلاء أحجمت  أكثر الأسر عن شراء أكثر أنواع الفاكهة واللحوم والخضار

“شكرية عباس” ربّة أسرة من حي قناة السويس بقامشلو:

شو هـالعيشة..؟ والله كرهنا الذهاب إلى السوق !لأيمت الأسعار بدها تضل هيك..! اشقد آخذ معي أرجع مديونة!!! “جملة قد ترددها شكرية كل يوم” عندما يسألها أولادها ماذا ستطبخين لنا اليوم..؟ بل هذا ما ستسمعه من أغلب النساء؛ وما ينطق به أفواه المواطنين في عموم مدن الجزيرة, تؤكد الأم “شكرية”؛ بسبب هذا الغلاء لجميع المواد الغذائية تراجعت أكثر الأسر في “روج آفا” عن شراء أكثرية أنواع الفواكه واللحوم والخضار، وأصبحوا يأكلون الحواضر، إذ كيف لأسرة مؤلفة من أربع بنات وثلاثة صبيان تدبير شؤونهم وسط هذا الغلاء الفاحش؛ والأب هو الوحيد الذي يعمل؟ لذا ألجأ أحياناً إلى مساعدته في المصروف، وذلك بشرائي الحاجات القديمة وبيعها؛ وقد عرف أهل الحي ذلك؛ فمن يريد أن يبيع شيئاً يخبروني لأبيع له، أو أجِدَ  له مشترٍ؛ لقاء أجرٍ رمزي.

 أين دور الكومينات

“عطية” من قدور بك؛ تعيش هي وعجوزها المريض مع ابنها وزوجته وأولاده الصغار؛ تقول السيدة التي تناهز الستين من عمرها، وتعاني من مرض السكر والضغط: فأين ابني من بين هذين النارين؟ نار تأمين الأدوية لي ولوالده؛ ونار تأمين قوت العيش ومصروف زوجته وأولاده في ظل هذا الغلاء؟. حاولنا مراراً وتكراراً التسجيل في المنظمات الإنسانية دون جدوى، يبدو أن الوصول إلى تلك المنظمات يحتاج إلى الواسطة (المحسوبية)، فسجلت في كومين الحارة؛ ولكن أين دورها في كل هذا؟. أحياناً عندما ينتهي دوائي لا أخبر ولدي عطفاً عليه؛ وكيف سيدبر ثمن الدواء؟ وأنا على يقين من ارتفاع الأسعار. في كل يوم يخرج من الصباح ولا يعود حتى منتصف الليل؛ لأنه يعمل عملين في آن واحد لتدبير متطلبات العائلة وسط هذا الغلاء. لا أعرف الدولار، ولكنني أسمع عنه تارة ينزل وتارة يرتفع؛ ولكن الأسعار تبقى كما هي بما فيها أسعار الخضار والفاكهة والأدوية واللحوم في الأسواق.

كلمة أخيرة

هذا الارتفاع في الأسعار يعود إلى أسباب كثيرة: منها تحكم الدولار؛ وطرق الشحن والحواجز، ولكن لا يخلو الأمر من هؤلاء النفوس الضعيفة أمام المال والتجار المتسلقين الذين لا يهمهم الشعب والمواطنين؛ المهم كيف يجمعون النقود وبأيَّة طريقة كانت؛ لذا تشكلت إبَّان هذه الثورة أصحاب رؤوس أموال خيالية لا تصدق؛ وأصبحوا من الطبقة الغنية التي تتحكم بالسوق؛ فصارت لها محلات صرافة؛ هذه المحلات التي لم نكن نشاهدها من قبل! حتى نستغرب ونندهش لكلمة الدولار، ولم نجد في سوق “قامشلو” ما يسمى “بالصرَّاف” أو محلات الصيرفة. إن تحكمهم بالسوق أدى إلى رفع الأسعار بشكل جنوني؛ وحجتهم في هذا الدولار يرتفع!! بات أكثر المواطنين يكرهون لفظ الدولار وكأنه شبح يطاردهم، سواءً أكان هذا سبب مباشر أم غير مباشر في ارتفاع الأسعار، وبالتالي ما أدى إلى أن تمتنع أكثر العائلات ذوي الدخل المحدود مُكْرِهَةً عن شراء بعض احتياجاتهم إثر موجة الغلاء هذه التي تزامنت مع ارتفاع سعر العملة الصعبة “الدولار”. بيد أن التراجع لسعر هذه العملة لم يُحدِثْ أثراً ملحوظاً في أسعار السلع الاستهلاكية خاصة الغذائية منها بالأسواق المحلية، وعزا التجار ذلك لعدم استقرار الدولار بالسوق وسط توقعات بهبوط أسعار المواد الغذائية في حال استقرار هذه العملة لعل وعسى انخفاضها يسهم في انخفاض أسعار جميع السلع.

زر الذهاب إلى الأعلى