تقاريرمانشيت

سوريا إلى الهاوية(التقسيم)؛ في ظل مصالح بوتين مع دولة أردوغان

اتصفت السياسة الروسية بالكثير من الغموض والتقلبات منذ تدخلها في الصراع السوري( تحت ذريعة التدخل المشروع) وشابت سياستها الكثير من المواقف التي تشي إلى التخطيط لمآرب خبيثة لا تبشر بمستقبل مشرق لسوريا؛ فكشفت الأزمة السورية الوجهَ الحقيقي لدكتاتوريات كانت دفينة تحت أقنعة الديمقراطية في عالم تملؤه المصالح على حساب القيم والأخلاق الإنسانية وظهرت الكثير من الأنظمة بوجه قبيح تجاوزت كل المعايير والمقاييس وأقحمت نفسها في هذا الصراع ضمن رؤى وتكتيكات استراتيجية مليئة بالأخطاء وتواجه تحديات عند رسمها وتنفيذها على أرض الواقع. فليس خافياً على أحد اليوم مسار الأزمة السورية التي مرت به منذ تدخل روسيا بقيادة بوتين في هذه الأزمة البينية بعد أن حولتها أنقرة إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة وأذرعها الأخرى من داعش وجبهة النصرة وباقي المسميات، والتخبطات في الحلول المزعومة أو الوهمية والتقارب والتباعد السياسي بين الدول المتدخلة في ميادينها لإطالة أمد الصراع لغايات ودوافع دولية تتعلق بالنفوذ والدور المستقبلي ورسم الخرائط على مزاجها وتقسيم الكعكة السورية حسب الرغبات، والشعب السوري هو الذي يئن تحت وطأة الأثمان الباهظة لهذه التدخلات.

التدخل التركي

 منذ أن اندلعت الثورة السورية فتحت تركيا المخيمات على أراضيها لاستقبال الفارين من أتون الحرب كما زعمت وبمرور الزمن عندما لم تجرِ الرياح كما تشتهي تركيا أصبحت تتاجر بالمهجرين السورين في المحافل الدولية تارة بالتهديد وتارة بالابتزاز بعد أن نادت في بداية الثورة السورية بإسقاط نظام الأسد ثم فتحت أبوابها على مصراعيه وأصبحت طريق الترانزيت لجميع التنظيمات الفاشية للدخول إلى سوريا في محاولة منها دفع جماعة الاخوان المسلمين للإمساك بزمام الحكم في سوريا التي تُعتبر الأب الروحي لحزب العدالة والتنمية، ولكن باءت كل محاولات النظام التركي بالفشل ولم يفلح في انتزاع ما كان يصبو إليه وخصوصاً المنطقة الآمنة التي كان النظام التركي يسعى إلى إقامتها آنذاك في محاولة منه هندسة الثورة السورية ورسم خطوطها العريضة بأيدي تركيا إلا أن سقوط ورقة التوت ( التنظيمات الإرهابية) التي كان يعتمد عليها في تنفيذ أجنداته جعل من النظام التركي بالطلب من مؤسسة الجيش التركي بالتدخل المباشر لمؤازرة هذه التنظيمات الراديكالية الفاشية إلا أن هذا المطلب لم يحظ برضى الجيش والقبول الفوري (لعدم رضى مؤسسة الجيش عما يقوم به رئيس النظام التركي آنذاك)

السيطرة على المؤسسة العسكرية

اتسمت السياسة التركية تجاه الأزمة السورية  منذ بدايتها في آذار / مارس 2011، بالتدخل غير المباشر بسبب موقف المؤسسة العسكرية الرافض للتدخل المباشر في سوريا رغم مطالبات الحكومة بذلك فكانت لعبة الانقلاب الذاتي التي افتعلها أردوغان فرصة  استغلها لتطهير الجيش وإحكام سيطرته عليه، وإخضاعه لتوجهات وسياسات حزب العدالة والتنمية الابن المدلل لجماعة الإخوان المسلمين

التدخل التركي المباشر في سوريا

جملة من العوامل دفعت تركيا إلى التدخل مباشرة في الصراع السوري، بعضها مرتبط بالوضع الداخلي التركي السياسي بعد زج الآلاف من الضباط والقضاة في السجون التركية، وبعضها الآخر مرتبط بالوضعين الإقليمي والدولي وتغير علاقة تركيا بالقوى المؤثرة في الموضوع السوري، وخصوصاً بعد اسقاط الطائرة الروسية وتقديم فروض الطاعة لروسيا، والأهم من ذلك فشل مخططاتها التي كانت قيد التنفيذ عبر الجماعات الاسلامية المتطرفة في السيطرة على الشمال السوري وعلى طول الشريط الحدودي بينها وبين سوريا؛ على يد القوى السورية الديمقراطية مما جعلها تختلق الذرائع والحجج بوجود قوى تهدد أمنها القومي للهروب من الممارسات السياسية الفاشلة في الداخل التركي.

التدخل الروسي من المنظور التركي

كانت العلاقة التركية الروسية دائما تصاحبها هواجس الماضي، والتباين في المواقف حيال القضايا الإشكالية بخصوص الموقف من النظام والمعارضة وكيفية التأسيس للحل السياسي في سوريا فموقف تركيا المتدرج تجاه الأزمة السورية من اجراء الاصلاحات ثم تموضعها مع القوى الراديكالية الاخوانية أحدث تصدعا في العلاقة مع روسيا كذلك الأزمة الأوكرانية والقرم وتزايدت هوة الخلاف بين الطرفين مع انتقاد الرئيس التركي قرار التدخل الروسي الذي عدّته أنقرة محاولة لاستهدافها من خلال:

ــ تطويقها وإضعاف تأثيرها في الملف السوري وكذلك إفشال الطرح التركي بخصوص المنطقة الآمنة.

ــ إحداث ضغوطات لجوء عليها مع احتمالية تصاعد موجات النزوح باتجاهها هربًا من الصراع المتزايد واحتمال كسب الجيش السوري المعارك التي ستخوضها جراء القوة الجوية الروسية.

وقد جاءت حادثة الطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا عقب اختراقها مجالها الجوي (تشرين الثاني/ 2015) لتشكّل أزمة حقيقية بين الطرفين، حيث لجأت روسيا إلى فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، وتوجيه اتّهامات لها بدعم تنظيمات إرهابية في  سوريا كما لجأت إلى تطوير علاقاتها مع خصوم تركيا الإقليمين آنذاك، كالعراق ومصر، ولكن دون أن يفضي إلى الشرخ في العلاقات المحكومة بالمصالح الاستراتيجية بين البلدين

تغيُّر قواعد الاشتباك بين روسيا وتركيا

راهنت تركيا كثيراً على التنظيمات الارهابية في النجاح الميداني وقلب موازين المعادلة السورية التي اصبحت متشابكة ومعقدة اكثر بعد الدخول الروسي إلى الميدان معتمدة بذلك على الدعم الدولي (اصدقاء الشعب السوري) لما سميت حينها بالمعارضة المسلحة والتمويل القطري السخي لهذه المجموعات إضافة إلى مراهنتها على موقف أمريكي وغربي داعم لها في أزمتها مع روسيا، لكنها مُنِيت بخيبة أمل كبيرة، عزّزها عدم الاكتراث الأمريكي بمقترح المنطقة الآمنة المطروح تركيًّا، يضاف لما سبق الموقفين الأمريكي والغربي السلبي إزاء محاولة الانقلاب الذاتي المكشوف للغرب في تركيا (حزيران/ 2016)، وهذا ما وضع تركيا أمام عزلة إقليمية ودولية مما اضطرت في نهاية المطاف إلى إعادة التموضع وتبنّي سياسة جديدة تهدف إلى إفشال المشروع الديمقراطي في الشمال السوري؛ حيث اتّخذت خطوات لكسر الجمود مع روسيا، وهو ما قوبل بترحيب روسي ناجم عن حاجتها إلى أنقرة لترجمة مكتسباتها الميدانية سياسيًّا، كذلك تخوف موسكو من تمدّد نفوذ إيران في  سوريا وحاجتها إلى قطب إسلامي سني توازنها من خلال تركيا، فضلًا عن استغلال الخلاف التركي مع الولايات المتحدة والدول الغربية لجذب أنقرة بعيدًا عن المحور الغربي.

التقاء المصالح بين الجانبين الروسي والتركي أثمرت في التوصل إلى ترتيبات جديدة، كدعم ضمني روسي لعملية درع الفرات (آب/ 2016)، وأداء تركيا دورًا مؤثرًا في اتفاق حلب الشرقية (13-12-2016)، كذلك ترتيبات سياسية، ومنها إعلان موسكو الثلاثي (20-12-2016)، ثم اتّفاق أنقرة لوقف إطلاق النار (30-12-2016) والتي مهدت جميعها الأرضية لإطلاق مسار أستانا (23-01-2017).

العلاقة التركية الروسية في زمن ترامب

شهدت العلاقات الروسية- التركية تناميًا عقب مجيء ترامب، وذلك على خلفية التناقض بين سياسة الدولتين( التركية والأمريكية) في معالجة الأزمة السورية فضلاً عن التقارب التركي الروسي في الملف السوري وبالتوازي مع إصلاح العلاقة مع روسيا كانت تركيا تتجه إلى إصلاح علاقاتها مع إيران إذ تمثّل سوريا نقطة خلاف جوهرية بين الطرفين ودعا الطرفان إلى تكثيف مشاوراتهما بشأن سوريا بهدف تقريب المواقف

 ويفسر ذلك عدم صدور أي ردة فعل إيراني سلبي  بالتوازي مع التواطؤ الروسي على التدخل العسكري التركي المباشر في شمال سوريا حين اطلقت تركيا لما سميت عملية غصن الزيتون واحتلال عفرين مع أنّ طهران اعتادت على إبداء انزعاجها من السياسات التركية في سوريا.

أهداف روسيا من التدخل في الصراع السوري

يقول ــ ستيفان إم والت ــ أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد في مقال له في “فورن بوليسي”:

إن بوتين يسعى إلى الإبقاء على نظام الأسد  ككيان سياسي ليوفر له ممرًا سهلًا لبسط النفوذ الروسي، ويضمن لروسيا حصة في أي تسوية سياسية ضمن البلاد في المستقبل، ومن هذا المنطلق، فإن الانتشار المحدود للقوة الجوية الروسية وحفنة من “المتطوعين”، قد تكون إجراءات كافية لتحقيق الهدف الروسي بالحفاظ على الأسد ومنع هزيمته ويمكن تأطير هذه الأهداف على النحو التالي

1- ملف الطاقة

وسط تشابكات ملف الطاقة المعقّدة يمكننا أن نستخرج ثلاث نقاط رئيسية توضّح الهدف الروسي المركّب فيما يخصّ ملف الطاقة:

أولًا: الحفاظ على الزبون الأوروبي: تمثل صادرات الغاز الطبيعي المسال أحد أبرز الروافد الرئيسية للاقتصاد الروسي، وتُعَدّ أوروبا الزبون” المستهلك” الأقدم والأكثر احتياجًا للغاز الروسي، إذ تستورد قرابة 65% من احتياجاتها من الغاز من روسيا فقط، وهو ما يجعل روسيا تولي مسألة “الحفاظ على احتياج الزبون الأوروبي لها” اهتمامًا دائمًا. تصدّر روسيا غازها إلى أوروبا عبر خط أنابيب “نورد ستريم” أو “السيل الشمالي” (روسيا – أوكرانيا – وصولًا إلى ألمانيا)، وبعد أن عملت على إنشاء خطّ أنابيب السيل الجنوبي “ساوث ستريم” (روسيا – البحر الأسود – بلغاريا – المجر – النمسا) قامت بإلغائه في ديسمبر 2014، وإحلال خطّ أنابيب “تيركش ستريم” الرباعي محلّه، والذي يمرّ مباشرة عبر البحر الأسود إلى تركيا واليونان في بعض تفريعاته، متفادياً العبور بأوكرانيا.

في المقابل، وكي تتمكّن أوروبا من التحرّر قليلاً من قبضة الغاز الروسي، أمامها خياران، أحدهما يتمثّل في مشروع خط غاز نابوكو الأمريكي (دول حوض بحر قزوين – إلى تركيا – بلغاريا – رومانيا – المجر – النمسا)، وهذا المشروع يعاني من مشاكل تقنية أخّرته قليلاً، ولكن روسيا حذّرت في يونيو 2015م، بعد قمّة دول بحر قزوين، من مغبة اتخاذ إجراءات أحادية الجانب بخصوص بناء خط أنابيب لنقل الغاز من منطقة بحر قزوين إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون المرور عبر الأراضي الروسية، وهو ما يعني تهديدًا مباشرًا للمشروع.

الخيار الثاني لأوروبا يتمثّل في الغاز القطري (الرابع على العالم من حيث كثافة الإنتاج، والأول من حيث كثافة التصدير)، ولكن لابدّ لإنشاء خطّ أنابيب غاز من قطر إلى أوروبا من المرور عبر سوريا ثم البحر المتوسطّ  ومن ثم دولة المخزن تركيا. هنا تصنع روسيا من سوريا العقبة الكأداء التي تمنع إتمام هذا المشروع، ليظلّ الاتحاد الأوروبي في احتياجه الدائم للغاز الروسي بلا وجود لأي بديل آخر متاح.

ثانيًا: الحفاظ على الاستثمارات الروسية في الطاقة داخل سوريا. المثلث الجغرافي الذي سمّاه بشّار الأسد بـ”سوريا الآمنة” ليس أكثر من منطقة واعدة بالبترول والغاز الطبيعي هي ومياهها الإقليمية في البحر المتوسّط بحسب ما أوضحت كشوف بترولية أمريكية وأوروبية، إلا أن امتياز الاستثمار في مصادر الطاقة السورية حازته روسيا بشكل حصري. ففي ديسمبر 2013م، عقدت شركة “سويزنفت جاز” الروسية عقدًا مع الحكومة السورية يقضي بالتنقيب عن البترول في المياه الإقليمية السورية لمدة 25 عامًا، قبل أن تعلن الشركة ذاتها في وقت سابق عن تخلّيها عن خطط التنقيب لصالح شركة روسية كُبرى أخرى، على الأرجح هي عملاق الطاقة الروسي “غاز بروم”.

ثالثًا: احتواء التوجّه الإيراني لتصدير الغاز إلى أوروبا. ففي 25 يوليو 2011، وقّعت سوريا والعراق وإيران اتفاقية لمدّ أنبوب غاز بطول 5600 كيلومتر، لنقل قرابة 61 مليون قدم مكعب من الغاز الإيراني من حقل “بارس” يوميًا، مبتدئًا من إيران ومارًا بالعراق ثم سوريا إلى البحر المتوسّط، وصولاً إلى أوروبا المتعطّشة دائمًا إلى الغاز الطبيعي.

وجود روسيا في الأراضي السورية مدعومة بغرفة مركز العمليات في بغداد (تضم الغرفة روسيا وإيران والعراق وسوريا)، سيقطَع الطريق أو يضيّقه على أقل تقدير أمام إمكانية تصدير الغاز الإيراني الحليف إلى دول الاتحاد الأوروبي.

2- وضع قدم في المتوسّط

 تزايد التواجد العسكري الأمريكي والأوروبي عبر حلف الناتو، في البحر المتوسّط بشكل مشهود بعد موجة الثورات التي اجتاحت المنطقة. وحاولت تركيا أن تُوجِد لها موطئ قدَم عبر بعض الترتيبات التي لم تكتمل (توطين سفن حربية تركية لحماية خط الإغاثة البحري من تركيا إلى غزّة). الغاية ببساطة تكمن في أن التواجد في المتوسّط يشكّل قيمة استراتيجية واقتصادية عالية. لأجل هذا، تشير خارطة التواجد العسكري الروسي في سوريا إلى نيّة روسيا في التواجد مستقبلًا في البحر المتوسّط وبشكلٍ واقعي دائم.

يعضّد هذا الإطار ما رصده د. إبراهيم شرقية فريحات، أستاذ الأزمات الدولية بكلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون ، عبر تأكيده أن “الوجود العسكري المكثف لروسيا في الجزء الغربي سيضمن لها ولحليفها النظام السوري إمكانية الانسحاب من المناطق المتوترة في سوريا وإقامة دولة علوية على الساحل تحافظ فيها روسيا على قواعدها العسكرية على ساحل المتوسط”.

الحال، أنه إذا تمكّنت روسيا من التواجد الدائم في شرقي البحر الأبيض المتوسّط، فستتمكّن بالتالي من صياغة تحالفات إقليمية جديدة في المنطقة، والدخول بقوة في أسواق السلاح والطاقة، وقد رسّخت روسيا مقدّمات لهذه التحالفات بالفعل من خلال اتفاقياتها في الطاقة السلمية مع كل من إيران ومصر والسعودية، ومفاوضاتها مع الإمارات والكويت والأردن في السياق ذاته.

3- إنشاء منظومة أمنية إقليمية تؤمّن المكاسب الروسية

 تبرز هذه المكاسب في ملف الطاقة كما سبق التوضيح، كما تؤمّن هذه المنظومة ظهرها في التواجد على السواحل الشرقية للبحر المتوسّط.

فما فعلته روسيا في “المثلث السوري الآمن” من تكديس لمنظومات الدفاع الجوي المتطوّرة وإنشاء منطقة عزل جوي، يبدو أنها قد تكرّره في كتلة التحالف (إيران – العراق – سوريا). التقارير تشير إلى وجود خطّة طويلة الأمد تهدف من خلالها موسكو إلى مدّ شبكاتها الصاروخية في المنطقة الواصلة ما بين طهران وبيروت، مرورًا ببغداد ودمشق، والسيطرة على أجواء المنطقة من خلال إنشاء شبكة دفاع جوي مع هذه الدول. ربّما يأتي هذا كمحاولة للموازنة مع إعلان واشنطن مؤخرا أنها ستنشر “قريبا جدا” في أوروبا مقاتلاتها من طراز”F-22 Raptor”، وهي من فئة طائرات الشبح، الخفية عن الرادار، متذرعة بأن خطوتها هذه مبادرة “لدعم الأوروبيين”.

وهكذا، لا تنحصر أهداف روسيا فيما أعلنته من الحفاظ على النظام السوري، وإنما تتجاوزه إلى مستهدفات أخرى؛ حتى وإن فتت سوريا إلى أجزاء دويلات تابعة لحلفائها رغم الدعاية الإعلامية في حرصها على وحدة الأراضي السورية.

ختاماً:

دون شك اقتنع السوريين وربما العالم أجمع، وبعد عدة سنوات من الصراع على الأرض السورية، بأن الموقف الروسي أو بالأحرى الدور الذي تلعبه ثابت لن يتغيّر حيال الأزمة السورية على الصعيد السياسي والعسكري، وكما يبدو من الوقائع فأن الكرملين قد حسم أمره بالوقوف إلى جانب النظام السوري أو الأصح إلى جانب أجنداته العابرة للدول وللأنظمة والشعوب، وإلى جانب من يؤمن له شروط البقاء والديمومة في المنطقة، ويتساءل الكثيرون: هل مصالح روسيا بالفعل مرتبطة بالنظام السوري، أم هي متعلقة بالإبقاء على سورية كجسر لروسيا على المتوسط وفي عمق المنطقة العربية والشرق الأوسط.

لكن تبقى الحقائق التي يمكن استشفافها من الدور الروسي في الأزمة السورية بشكلٍ عام ومن مسارات سياساتها تجاه الداخل والإقليم السوري هي إن روسيا استخدمت الورقة السورية، في فرض حضورها على الساحة الدولية والاقليمية عبر بوابة الأزمة السورية خاصة تلك التي ملأتها كل من تركيا وإيران وحاولتا الاستئثار بها منفردتين كقوى إقليمية صاعدة على الصعيد الشرق أوسطي على الأقل.

كذلك استخدمت روسيا الأزمة السورية كورقة تُنَافِسُ بها الغرب وتَضغطُ عليه بعد أن ضيَّق الغرب الخناق على اقتصادها خلال السنوات التي سبقت الأزمة السورية عموماً، ووصل الأمر إلى جرِّ روسيا إلى مرحلة شبيهة بمرحلة سباق التسلح والحرب الباردة، والتي لن يتحملها الاقتصاد الروسي مقابل الاقتصاد  الغربي -الأميركي الضخم.

على الوجه الآخر تجد روسيا نفسها اليوم واقعة بين أكثر من نار ومأزق في الواقع الميداني في سوريا، عليها تحجيم أو إنهاء الوجود الإيراني الذي يقلقها ويزاحمها على امتلاك القرار في دمشق، ويهدد مصالحها الاقتصادية، وبين “إسرائيل” التي طلبت من بوتين أكثر من مرة تحجيم الدور الإيراني في سوريا وفي عموم المنطقة، الأمر كذلك بالنسبة للدور التركي وعلاقته بالأطراف السورية” إخوان المسلمين ” ومحاولة روسيا تحجيم الدور التركي المنافس لها في سوريا على الأقل في الشمال السوري.

ويبقى الملف الذي يربك روسيا أكثر هو ملف إعادة الإعمار في سوريا، والتي تشكل معضلة حقيقية لها والتي تريد أن تعوّض خسائرها خلال ثماني سنوات، لكنها لا تستطيع القيام بذلك بالنظر لعدم قدرتها ولا قدرة حلفائها (تركيا وإيران) على تحمل هذه النفقات.

يبقى القول بأن الخاسر الأكبر في هذا الصراع هي الدولة السورية التي لم تعرف بعد مصيرها، هل هي مدرجة ضمن الخارطة الجيوسياسية الروسية أو التركية أم الأمريكية أم هي مشمولة أيضاً بتفاهمات صفقة القرن.

 

زر الذهاب إلى الأعلى