مقالات

زعيق الغريق

بدران الحُسيني

لعل المتابعَ للشأن السوري لا يحتاج إلى إعادة سلسلة المسارات الهوليودية وأفلام الكاوبوي التي مرَّتْ بها سوريا منذ بداية النزاع المسلح، ولا يحتاج إلى تحديد المواعيد والتواريخ التي تعدَّلتْ وتغيَّرت فيها مواقف ما تُسمى المعارضة الخارجية وفق معادلات الهزائم التي مُنِيَتْ بها هذه المعارضة وجناحها المسلح وذراعها الإرهابي في الأرض السورية على مدى سنوات الصراع السوري دون أن تَقِرَّ أو تَعترِفَ بالهزيمة والفشل وتتراجع عن أخطائها وهلوساتها كأي ممثل ديمقراطي لشعبٍ معين أو مكونٍ ما، وما تزال هذه المعارضة الهُلامية في طور الأخذ والرد والتقولات في محاربة طواحين الهواء بل يصل الوهم بها في كثير من الأحيان إلى الحديث عن أنها ممثلٌ شرعيٌ عن الشعب السوري في المحافل الدولية، وفي أفضل الحالات لا يرتقي حديثها هذا إلى أكثر من مادة للاستهلاك الإعلامي أو تمنيات حبيسة لديها منذ بداية الثورة السورية مروراً بكل الخَضَّات التي شهدتها إلى يومنا الراهن.

واللافت أن سقوف المطالب العالية التي كانت تطالب بها منصَّات ما تسمى المعارضة الخارجية ــ وخصوصاً من بعض رموزها كالحريري مثلاً  في بداية المشهد السوري ــ سُحبت من التداول إرضاءً وتماشياً مع رغبات الدولة التركية التي قامرت وما تزال تقامر على رؤوسهم، وبات القضاء على المشروع القائم في شمال سوريا شغلهم الشاغل والهدف الوحيد لثورتهم المسلحة المزعومة هو إسقاط هذه التجربة.

والأدهى من ذلك أن كلا الطرفين القائمين على ركيزة المافيا الإسلامية (المعارضة الخارجية وتركيا) ـــ رغم السمسرة التركية بهم في البازارات الدولية ـــ ليسا على استعداد للتخلي عن بعضهما البعض، ويتبادلان الأدوار ويتقاسمانها في المحافل الدولية ضد كل ما يحقق الاستقرار في سوريا حتى هذه اللحظة، ويتكئ كلاً منهما في ذلك على خزعبلات وأوهام مَرَضِيَّة لا تساهم إلّا في تعميق الشرخ القائم بين المجتمعات والمكونات السورية، وتفخيخ الصراع العرقي والمذهبي والطائفي بأقصى مستوياته وتحديداً في شمال وشرق سوريا، وهذا ما يتقاطع مع تصريحات  أحد الشخصيات >>الفلِّينيَّة<< المعروفة المنشأ ــ من الائتلاف الهلامي المعارض ــ فيما يخص توقيع اتفاقيةِ تفاهم لخطةِ حلٍّ في سوريا بين مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الإرادة الشعبية في موسكو >>وحظيت بقبولِ ودعمِ الطرف الروسي<< رغم أن كل ما تم إنجازه هو في خدمة جميع المكونات السورية.

وعليه فإن هذا المشهد المليء بالقرائن والمعطيات عن التنسيق التركي ومفلسي المعارضة وردود الأفعال النارية واللغو وأضغاث الأحلام وإحصاء الأوهام تشي بأنَّ خطوة الاتفاق والتفاهم أتت أُكُلَها، وهي بحق أُولى الركائز والنُسخ المُنَقَّحَة للحل في سوريا، وفي نهاية المطاف فإن المُفلسَ من المعارضة السورية لا بد من أن يصرخ بوتيرة عالية ويتخبط بفوضى التصريحات، وليس للغريق منها إلا الزعيق لا سيما حين يكون هذا الغريق والمفلس مرتبطاً بأهداف وغايات وأجندات الدولة التركية المؤهلة دائماً لبيع هذه الأدوات(المعارضة) في مواسم الصفقات التي تزدهر من حينٍ لآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى