الأخبارمانشيت

ريدور خليل: الدولة التركية لديها تجربة طويلة في الغطرسة وارتكاب المجازر لا تزال مترسخة في بنية تاريخها السياسي

قال مسؤول العلاقات العامة لقوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل وعبر مداخلة فيديو أرسله إلى المنتدى: ” إن ممارسات الدولة التركية في عفرين أمثلة صارخة على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وذلك فق منظور المواثيق والقوانين الدولية و مبادئ حقوق الإنسان”. وأكد على” أن الخطر على الأمن القومي التركي أكذوبة للنظام التركي، الحقيقة هي أن الدولة التركية لديها هاجس وفوبيا تجاه الكرد والقضية الكردية”.

وهذا نص مداخلته:

“أتقدم بجزيل الشكر و التقدير لمركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية على جهدهم المبذول لعقد الملتقى من أجل عفرين  وكل الشكر والعرفان  لإتاحتهم لنا هذه الفرصة لنبادلكم أفكارنا حول ما يجري في عفرين من عملية ممنهجة للتغيير الديمغرافي التي سيكون لها آثار بالغة الخطورة على مستقبل سوريا عموماً و مستقبل الشعب الكردي و قضيته العادلة بشكل خاص.

يقال، والعهدة على الراوي، أن أشهر جملة أطلقت إزاء انتهاء الحرب العالمية الأولى هي (انتهت الحرب العالمية الأولى بإرساء سلام قضى على كل أملٍ للسلام)، إنها مقولة مختزلة، تعبر بعمق عن فداحة ما أفضت إليه تلك الحرب التي كانت أملاك الرجل المريض من أحد أهم أسبابها.

أيتها السيدات؛ أيها السادة:

إننا وأنتم مجتمعون هنا في مدينة عامودا، تأتينا الأخبار لحظة بلحظة، و تخبرنا بمدى فظاعة الممارسات والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال التركي والميليشيات الإرهابية المدعومة من تركيا بحق ما تبقى من سكان عفرين، فالغالبية العظمى قد نزحت كما قد علمتم، والقلة القليلة التي بقيت، أو بتعبير أدق، لم تسنح لهم فرص النزوح هرباً من الإرهاب التركي، هم أشبه ما يكونون بأسرى في معتقل جماعي، هي عفرين بكامل مساحتها، في محاكاة لمخيمات الهولوكوست التي افتتحها النازيون لليهود ما بين الحربين الكونيتين، لا غرابة في ذلك، إذا ما تذكرنا تأكيد الرئيس التركي على اقتداءه بالتجربة النازية في إحدى أشهر تصريحاته التي تحدى بها العالم في٢٠١٥.

إن سكان عفرين، يتعرضون في كل لحظة، للتهجير، والقتل، والاختطاف مع المطالبة بالفدية، والسطو على الأملاك، وطرد أصحاب البيوت إلى العراء لإسكان الغرباء أو عوائل الإرهابيين مكانهم و في بيوتهم، دون وازع من ضمير أو أخلاق، مما يعبر بجلاء عن تغيير ديموغرافي ممنهج و تطهير عرقي، و تدمير بيئي يشمل كل أبعاد الحياة في عفرين، في إطار ما أطلق عليه (الحل النهائي)، و في جغرافيا لا تخضع للنفوذ السياسي و القانوني والثقافي لتركيا، إنها تتحرك وفق قاعدة إرادة القوة والغطرسة و الاحتلال لتوسيع نفوذها داخل حدود دول الجوار مستفيدة من الصفقات السياسية التي تحاك على عكس إرادة و مصالح الشعب السوري بكل مكوناته من جهة، و من التجارب الإجرامية الدولية المعروفة والمترسخة في بنية تاريخها السياسي مثل مجازرها بحق الأرمن والكرد والسريان و باقي المكونات والقوميات والثقافات في بلاد الأناضول وكردستان من جهة أخرى، إنه الإرث الإجرامي الثقيل للدولة التركية الخارجة من رحم إجرام الامبراطورية العثمانية.

إن المؤكد لدينا، هو أن القائمين على تنفيذ سياسات التطهير العرقي في عفرين، بدءاً من القوات التركية و أجهزة المخابرات، وكذلك الفصائل الإرهابية، والجهات الخفية الموازية للدولة التركية، والتي تعمل فوق كل الاعتبارات القانونية، يمتلكون خارطة طريق واضحة المعالم لتنفيذ هذه المقاربة وفقاً لما نراه يومياً من الممارسات المروعة والفظيعة في عفرين وسط صمت دولي مطبق.

أيتها الرفيقات؛ أيها الرفاق:

كلي ثقة، بأنكم ستستفيضون في التطرق لعمليات التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي وفق أصول منهجية وبحثية قائمة على قواعد جمع البيانات وإشباعها بالأدلة والأمثلة والبراهين، ولذلك سأركز في مداخلتي على الجانب السياسي والأثر الناجم عن فظاعات الدولة التركية في عفرين، وسأحاول تسليط الضوء على البعد السياسي والقانوني المرافق لهذه الجرائم الفظيعة.

من الواضح والمعلوم لدى الجميع بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفريقه، روجوا و بصورة يومية مكثفة عبر آلة الضخ الإعلامي مزاعم تتعلق بالأمن القومي التركي في احتلالها لعفرين.

لقد تحول مصطلح (الأمن القومي) إلى كلمة سر تركية السمة لاتخاذها ذريعة في احتلال عفرين، وعلى ذلك فقد دشنت الدولة التركية التي يقودها أردوغان وبالتحالف مع حزب الحركة القومية المتطرفة، الدعاية التي تم ضخها على مسامع الرأي العام بأن عفرين تشكل خطراً وجودياً يهدد تركيا وأمنها القومي وصاحبت هذه المقاربة مع تصريحات بعض الدول الغربية وروسيا.

تصريحات تندرج في إطار صب الزيت على النار والتي يمكن تلخيصها باعتراف تلك الدول بحق تركيا في حماية أمنها و سلامة أراضيها، وكأن عفرين دولة عظمى تمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة الاستراتيجية وتهدد الأمن القومي التركي.

إن الخطر على الأمن القومي التركي أكذوبة والحقيقة هي أن تركيا مريضة بمرض الفوبيا الكردية.

وفق هذه المقدمات والمعطيات، بدأ المشهد بالتفاعل في الأفقين السياسي والإعلامي المغرض المأجور ، دون أن يلتفت أحد إلى صوت العقل و الضمير وحقوق الإنسان، ودون أن يكلف أحد نفسه عناء طرح سؤال بسيط: ما هي الحجج والأدلة والبراهين التي يستند إليها الأتراك للتسويق لمقولة الخطر على الأمن القومي المتأتي من عفرين؟؟.

من هنا ووفق الواقع العيني الملموس، يصبح إلغاء مصطلح (الأمن القومي التركي) ووضع الاحتلال في مساره الحقيقي المتمثل بكونه مسار إرهابي جرى تسييسه و تعويمه تحت عباءة الأمن القومي بالاعتماد على حرب الدعاية التركية لغرض بناء مشروعية سياسية للتطهير العرقي و التغيير الديمغرافي أمام الرأي العام المحلي والدولي، سيما إذا ما عرفنا أن عفرين كانت تتمتع بإدارة سياسية ذاتية تمارس حقها الوجودي في حماية كل مكوناتها وأهلها من الصراعات والنزاعات اليومية التي كانت تتربص بها و تجري في محيطها، وبالتأكيد، لا يتوفر لدى أي جهة دولية أو حقوقية دليل واحد يثبت تورط مقاتلي عفرين بأي عملية تهدد (الأمن القومي التركي) وبخلاف ذلك تماماً، تتوفر لدينا ولدى العديد من المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية الكثير من الملفات التي تثبت اختراقات وانتهاكات يومية من قبل حرس الحدود التركي وجيشه بحق أهالي عفرين، من تلك التي كانت تتسبب في خلق الزعزعة واللا استقرار في هذه المنطقة شبه المستقرة كجزيرة داخل جحيم متلاطم من الحروب الإثنية والمذهبية، والتي كانت بمثابة الملاذ الآمن للجوء عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين السوريين من مختلف المدن والمحافظات الذين هربوا من ويلات الحروب ولقوا الأمن والسلام في عفرين.

على هذا فقد كانت عفرين، ومن وجهة نظر سياسية واقعية بحتة، تسعى إلى حماية وجودها عبر إدارة شؤونها الذاتية و بصورة تشاركية مع باقي المكونات في ظل الفوضى العارمة التي كانت تجتاح محيطها وتشهدها البلاد، وكانت نموذجاً مقبولاً في سوريا يمكن اتخاذه بوابة تفضي إلى الاستقرار والأمن المنشود، ولذلك بالذات فإنها لم تمارس أي انتهاك، لا بحق المكونات المحلية ولا بحق الدولة التركية، على عكس التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها التي كانت تستبيح الحدود التركية وتمارس أنشطتها الإرهابية على الشريط الحدودي داخل الأراضي السورية وأحيانا داخل الأراضي التركية و بعلم وتنسيق مباشر من جهاز الاستخبارات التركية (هذا ما كشفته عدة تقارير إخبارية لصحفيين أتراك، تم زجهم في السجون).

أيتها السيدات؛ أيها السادة:

إن التنظيمات الإرهابية التي استقدمها الأتراك لغزو عفرين، هي ذاتها التي وثقت الكثير من المؤسسات الإعلامية والحقوقية انتهاكاتها الصارخة بحق السكان المحليين من مختلف المكونات وهي التي تشكل حقيقة خطراً وجودياً، لا على الدولة التركية فحسب، بل على السوريين وعلى الأمن المحلي والإقليمي والدولي، وهنا تكمن المفارقة المضحكة المبكية، وهذا ما أسميته بتجاهل، أو تعامي العالم عن رؤية الحقيقة العارية لذاتها كما هي.

كانت قواتنا و بالتعاون مع التحالف الدولي منشغلة لمطاردة فلول الإرهاب في دير الزور و في الوقت الذي كان علينا جميعاً أن نركز جهودنا السياسية والقانونية الحقوقية وكل اهتمامنا في إطار مكافحة الإرهاب، بدأت الدولة التركية غزوها ضد عفرين، وأصبح لزاماً علينا فضح المفارقات العجيبة لهذا الغزو الذي لا يمكن تصنيفه إلا في إطار المحاولات التركية المحمومة لإطالة عمر الإرهاب ومده في كل مناسبة بشريان حياة يطيل من أمد بقاءه، إنه الاستثمار الفاقع والصريح في الإرهاب وابتزاز للعالم، و تكرار لتجارب سابقة في تاريخ الدولة التركية التي تقوم على اتباع سياسات الإبادة بيد الغير، وإن هذا الغزو الهمجي ضربة موجعة للقوى المحاربة ضد الإرهاب.

لكن هل كانت تركيا تتجرأ أن تستخدم خديعة “الأمن القومي” وتستثمر الجماعات الإرهابية في تنفيذ سياسة أردوغان في عفرين دون حسابات سياسية أخرى؟ بالتأكيد لا؟

كما شاهدتم جمعياً كان الدور الروسي وبعض الأنظمة الأخرى التي شرعنت لهذا الاحتلال وبالتالي فسحت المجال أمام هذه الحملة العنفية المروعة ضد السكان المحليين.

منظومة الاتحاد الأوروبي التي كانت تركز على ملف تدفق اللاجئين من مناطق النزاع في سوريا، حتى هذه الحجة اختفت تماماً في مسألة عفرين بخلاف ما كان يتداول مؤخراً حيال إدلب.

في هذا الأمر فرض منطق سياسة القوة والهيمنة والمصالح الآنية القذرة نفسها على حساب مأساة عفرين وعلى حساب إزدواجية حقوق الإنسان، وبالتالي كانت خياراتنا السياسة أمام هذا الواقع السياسي التآمري هو الدفاع المشروع لحماية كرامتنا ولو بقدرات ضئيلة أمام ترسانة الناتو العسكرية من جهة وأمام التغطية الروسية الجوية من جهة أخرى.

أيها الاصدقاء؛

نحن في سوريا من الممكن أن نرى أن الذين يمارسون حقهم الديمقراطي والمدني يتحولون بين ليلة وضحاها إلى أناس لا تشملهم القوانين الدولية فيما يتعلق بالحرب والسلم، في حين أنه من الممكن أن تتمتع الجماعات الإرهابية والاستبدادية بحصانة قانونية ما أو على الأقل التغطية عليهم بطريقة سياسة ودبلوماسية ما، عفرين كانت ضحية تلك السياسة النفعية الفجة والحسابات اليومية القذرة التي ينعدم فيها أي نوع من المعايير العقلانية والحقوقية والسياسة، ومن أجل ذلك كانت بمثابة مدينة مستباحة كلياً لا تملك أي مسند للحماية بل كانت تقارع لوحدها ضد هذا التآمر المركب والمتداخل.

الأمر الآخر الذي يجدر أن نتوقف عليه جيداً، بأن عفرين نعتبرها كتلة اجتماعية موحدة تحتوى على الكرد والعرب وباقي المكونات الدينية والإثنية الأخرى، وبالتالي لا يمكن أن نفصل الحقوق الجماعية في التمتع بالحياة والحماية القانونية عن حقوق الأفراد الذين يتعرضون يومياً إلى الانتهاكات المروعة، لأن المخطط اليومي الممنهج الذي نشهده حالياً لا يستهدف أفراد ومجموعات معينة بحد ذاتها، وإنما يشمل المكون الكردي بصورة رئيسية، فهي إبادة ضد الكرد في المقام الأول في عفرين، وعلى الجهات المعنية والحقوقية أن تنظر إلى المسألة من الناحية الحقوقية بهذا المنظار، ولا تركز فقط على انتهاكات فردية هنا وهناك، لأن الرؤية السياسية التركية تتمركز على عقيدة القوة والعنف والحرب الدائمة حيث تتمثل صياغتها في الشكل التالي: يلزم تحطيم الكرد في سوريا بأي شكل كان وحتى لو اضطررنا أن نستخدم المجموعات الجهادية والإرهابية العالمية في سبيل ذلك المسعى الإجرامي”. وبالتالي هذا الإجرام يستهدف عفرين بتاريخها وجغرافيتها وناسها ومكوناتها وأشجارها من الزيتون ومياهها ولقمة عيشها وكل ما يمت بالبيئة البشرية والحيوية في هذه الجغرافية، وخير دليل على ذلك عمليات التوطين القائمة على قدم و ساق لمستوطني الغوطة و التركمان الإيغور وإسكانهم في عفرين.

سيداتي وسادتي الأكارم:

بحسب القانون الدولي تعتبر تركيا دولة احتلال وهذه الممارسات التي تجري في عفرين تعتبر جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

إن واجبات سلطة الاحتلال محددة بشكل أساسي في لائحة لاهاي لعام 1907 (المواد من 42-56) واتفاقية جنيف الرابعة (المواد من 27-34 ومن 47-78)، بالإضافة إلى بعض أحكام البروتوكول الإضافي الأول والقانون الدولي الإنساني العرفي.

وتنص بعض القواعد الرئيسية للقانون الدولي المعمول به في حالة الاحتلال على ما يلي:

  • لا يكتسب المحتل سيادة على الأرض.
  • تحظر عمليات النقل الجماعية أو الفردية للسكان من الأرض المحتلة أو داخلها.
  • تحظر عمليات نقل السكان المدنيين التابعين لسلطة الاحتلال إلى الأرض المحتلة بغض النظر عن كون هذا النقل قسريًا أو طواعية.
  • يحظر العقاب الجماعي.
  • يحظر أخذ الرهائن.
  • تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.
  • تحظر مصادرة الممتلكات الخاصة بواسطة المحتل.
  • يحظر تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها .
  • يحظر تدمير الممتلكات الثقافية.

وبما أن الدولة التركية والمرتزقة الإرهابيين المرتبطين بها والذين يشكلون قوة احتلال فعلية لمقاطعة عفرين يخترقون القانون الدولي الإنساني وما جاء في بنوده الصريحة والعلنية فإن مقاومته بكل السبل المتاحة أمر مشروع قانوناً، وعليه فإن المجتمع الدولي مطالب بتقديم الدعم لهذه المقاومة تنفيذاً للقرارات الصادرة عنها.

عفرين، أصبحت قضية دولية بامتياز، وكل محاولات نظام أردوغان إبعاد الاهتمام عنها لن يفقدها الجوهر، ولن يفلت مرتكبو جرائم القتل مسلحين كانوا أم حتى مستوطنين وأنظمة. ونظام أردوغان متورط في قتل أكثر من ٣٣٠ من أبناء عفرين بينهم ٧٠ طفلاً، وشردت الآلاف ودمرت قرى وبلدات ومتهم بارتكاب المزيد من الجرائم اليومية بعد أن احتلها جيشه ..

وعلى المدى الطويل، يجب على الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة أن تبدأ عملية المساءلة القانونية عن جرائم تركيا في سوريا. ويجب على الصحفيين والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني أن يستمروا في العمل على إيصال مختلف الانتهاكات اليومية إلى المنظمات الأممية ووسائل الإعلام لكسر الصمت عما يجري في المناطق المحتلة.

إن تصرفات تركيا في عفرين هي أمثلة واضحة على جرائم ضد الإنسانية، وفق منظور القانون الدولي وحقوق الإنسان. وإذا كان العالم يؤمن بقيم مؤسساته، فإنه سيسمي هذه الجرائم على ما هي عليه، ويعمل على وقفها، ويضمن المساءلة.

شكراً لكم ولوقتكم الثمين ورحابة صدركم في الاستماع إلينا

وكل التوفيق والنجاح لملتقاكم”.

زر الذهاب إلى الأعلى