مقالات

روسيا والتاريخ والتلاعب على القضية الأرمنية

قهرمان مامد   

مثلها مثل القضية الكردستانية تعُتبر القضية الأرمينية إحدى القضايا التي يتم التلاعب عليها وتكون مرهونة بالصفقات السياسية بين الدول الاقليمية والكبرى بالرغم من أن أرمينيا دولة ذات سيادة إلا أن عين العثماني البغيض القديم منه والجديد مازال يتربص بالشعب الأرميني ومازالت رائحة الموت العفنة تفوح من فاه الدولة التركية الحديثة بعد قيامها بالإبادة الكبرى المليونية بحق الشعب الأرميني البريء في القرن العشرين.

روسيا والتي تعتبر نفسها الدرع الماسي وحامي حمى الربوع الأرمينية تراوغ وتتلاعب بأرمينيا منذ مئات السنين بالرغم من أنها تُظهر علناً التأييد المعنوي والسياسي لأرمينيا إلا إنها وتطبيقاً لجينات الامبراطورية الروسية المتوارثة في تنفيذ أجنداتها ومصالحها ومراوغاتها تركت وتترك الشعوب المظلومة في وقت الأزمات والمحن فمهاباد وعفرين مازالتا شواهد تاريخية على الخيانة الروسية.

لو عدنا الى التاريخ في القرنين الثامن والتاسع عشر وعندما عظم شأن الامبراطورية الروسية تزامناً مع ضعف الدولة العثمانية وقبلها الدولة الصفوية في ايران كان الشعب الأرميني يعاني الأمرين من صراعات الدولتين العثمانية والصفوية والقاجارية الإيرانية وكانت الأراضي والقرى الارمينية ساحات قتال ودمار لمعارك الدولتين وفي العام 1678 م قامت الشخصيات الوطنية بعقد مؤتمر سري في إتشميادزين وأصدروا قرارات بضرورة التخلص من الهيمنة الاجنبية وتحرير الاراضي الارمينية الا انهم لم يستطيعوا مجابهة الدولتين في نفس الوقت فبحثوا عن مساعدات دولية وخاصة أوروبية فلم يلقوا صدى لدى عواصم بلدان القارة العجوز. وفي العام 1722 أعلن القيصر الروسي بيتر الاكبر الحرب على الصفويين والعثمانيين فقدم الارمن الكثير من الدعم للروس في حربهم مع تلك الدولتين بحكم توافق المصالح والاهداف وتطوع العديد من الجنود والضباط الأرمن في الجيش الروسي للقتال، كانت هذه اولى التضحيات الجِسام التي قدمها الأرمن للروس.

وفي الأعوام الثلاثين بعد 1801 م وسعت روسيا من مناطق الصراع والحروب في مناطق القوقاز من مملكة قاجار الايرانية والدولة العثمانية وايضاً حصلت على دعم ارميني خاصةً من رجال الدين وقادة اسقف تبليسي “كنرسيس اشتاركتسي “. كان الدعم الشعبي الارميني للروس لامتناهي بحكم العقيدة الواحدة والخلافات المشتركة وتقاطع الرؤى والمصالح ضد العثمانيين والايرانيين.

وبعدها بدأت الهيمنة الروسية على مناطق القوقاز كأرمينيا وجورجيا واذربيجان والتي كسبت هذه المناطق من خلال معاهدة ” كلستان ” مع ايران والتي خسرت فيها مملكة قاجار الايرانية تلك الاراضي، بدأ القمع الروسي لبعض الاصوات الارمنية على الرغم من تضحياتهم للروس في حربهم ضد العثمانيين والصفويين كما أن ما بين أعوام 1892 الى 1923 شهدت مجازر مروعة بحق الشعب الارميني من قبل العثمانيين بعد أن كانوا مُتهمين من قبل العثمانيين بأنهم ساعدوا الروس في الحروب ضد العثمانيين إضافة الى اسباب دينية ومذهبية وجيوسياسية لا يسعنا ذكرها مطولاً.

وفي العام 1917 سيطر الروس على مناطق واسعة تقطنها الاغلبية الارمنية كما أن الروس وعدوا الارمن بإقامة حكم ذاتي وتطوع آلالاف الضباط والجنود الأرمن في الجيش الروسي، وبعد ثورة اكتوبر وصعود البلشفيين الى الحكم في روسيا انسحب الجيش الروسي من تلك المناطق وتركت روسيا هؤلاء الجنود والضباط عرضة للقتل والوحشية العثمانية وقامت الدولة التركية بقتلهم بأبشع صورة يندى لها الجبين الانساني.

وبعد عام 1920 احتل الاتراك أرمينيا الغربية وقام الجيش الأحمر بغزو جمهورية ارمينيا في ديسمبر من العام ذاته وضمتها الى روسيا وفي العام 1921 عُقدت معاهدة صداقة بين البلشفيين الروس والكماليين الاتراك! وبقي الشعب الأرميني مشتت في الشرق الاوسط وأوروبا يعاني الويلات والصعوبات والانكسارات.

الصورة ذاتها تتكرر اليوم بعد مئة عام إذ رأينا في هذا الأسبوع توقيع اتفاقية بضمانة روسية خضوع وشبه استسلام أرميني للهجوم الأذري المدعوم تركياً في اقليم قراباغ فاحتلت أذربيجان مدن عديدة فيها وبقيت أرمينيا وحيدة في معركتها ضد التطرف والحقد التركي بصورة أذربيجانية.

لم تلقَ ارمينيا إلّا الكلام المعسول الدبلوماسي المؤيد لها من قبل الروس والمجتمع الدولي حيث أن هذه الاتفاقية لم تكن ملائمة لتطلعات الشعب الارميني ورأينا مدى غضب الارمنيين لبنود هذه الاتفاقية المُجحفة بحق ارمينيا.

مرة أخرى قّدمت روسيا مصالحها العليا في تقارباتها مع الدول الاقليمية خاصة تركيا تنفيذاً لتحقيق مصالحها في الهيمنة السياسية والاقتصادية على الشرق الأوسط وتشتيت الغرب ومحاربة الولايات المتحدة الامريكية وأغمضت عينها عما حصل وسيحصل للشعوب من ويلات ومعاناة وأزمات تدّمر البنية المجتمعية.

زر الذهاب إلى الأعلى