مقالات

روسيا وإيران ما تجمعه المصالح تفرقه أيضاً

أمين عليكو
مع اقتراب نهاية العمل العسكري في سوريا، واقتراب مرحلة الحلول و التسويات السياسية بعد سيطرة النظام على أغلب المحافظات، عدا إدلب والمنطقة الشرقية ومع ظهور أزمة كورونا التي أدت لضعف الاقتصاد وهبوط أسعار النفط عالمياً، بدأت روسيا و إيران مبكراً بمرحلة حصد النتائج و توزيع الغنائم، وهنا بدأت الخلافات بينهما بالظهور فكل طرف له مصالح كبرى لوجودهم في سوريا.
وأثناء انشغال العالم بأزمة الوباء بدأت روسيا العمل من تحت الطاولة، على تقوية علاقاتها مع تركيا و أمريكا و إسرائيل على حساب حلفائها الحاليين إيران و النظام السوري، وعملت بشكل خاص على تقوية علاقاتها مع إسرائيل لأن بينهم تاريخ طويل من العلاقات السياسية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وحتى بدأت حرب سوريا، فيوجد في إسرائيل حالياً أكثر من مليون من اليهود السوفيت الذين هاجروا إلى إسرائيل بعد سقوط الاتحاد، وبين الطرفين اتفاقيات أسلحة مشتركة، عملت إسرائيل جاهدة على نجاحها، فهذه الاتفاقية مبدؤها أن يعمل الطرفان على البحث وتطوير الأسلحة الفعالة، ولكن لا يمكن لأي طرف بيعها لأي دولة دون موافقة الطرفين معاً، وبهذا ضمنت إسرائيل تقليل كمية السلاح المتطور الذي تم شراؤه من قبل سوريا و إيران من روسيا، وأثناء الحرب جنوب سوريا فتحت وزارة الدفاع الروسية خط مباشر للتنسيق مع الجيش الإسرائيلي لمنع حدوث مواجهة أو احتكاك مع القوتين اللتين تنفذان عمليات ضمن الأراضي السورية، فإسرائيل ليست قلقة من النظام السوري فهو لم يتجرأ على الرد على غارتها الجوية طوال سنوات الحرب، وحتى قبلها في ( ٢٠٠٧ ) ولكنها قلقة كثيراً من الوجود الشيعي الذي طالما هدد علناً بمسح إسرائيل عن الخريطة، وهكذا بدأت التحالفات بين روسيا و إسرائيل خوفاً على مصالحهما حتى أن إسرائيل أبدت استعدادها لتلعب دور وسيط بين روسيا و أمريكا لوضع تفاهمات بينهما وهكذا تستعد روسيا هيبتها العالمية على أنها دولة عظمى لها دور ونفوذ قوي في العالم بعد أن خسرت هذه المكانة عندما تدخلت في حرب فيتنام ولم تستطيع إنهاءها وحينها أمريكا تدخلت و أنهت تلك الحرب، ولتثبت روسيا أن أمريكا لم تعد القطب الأوحد الذي يدير دفة العالم، كل هذه التنازلات من إسرائيل وتدخلها لتوطيد العلاقات الروسية الأمريكية فقط لتسمح بتدخلها بحرية في شن غارات على مواقع ضمن الأراضي السورية تراها إسرائيل تهدد أمنها، وطالبت بخروج إيران من سوريا ولكن لاحقاً أقرت إسرائيل إمكانية هذا الطلب على إبعاد القوات الإيرانية ” ٨٥ ” كم من الحدود الجنوب بين سوريا وإسرائيل وهذا ماحصل مؤخراً.
وداخلياً روسيا تعتمد على سياسة براغماتية، فهي تحاول جاهدة إعادة تشكيل الجيش السوري على الطريقة الروسية، والتي تضمن أن يكون الجيش قوة مستقلة، خاضعة للإدارة السياسية ذات الطابع العلماني البحت بعيداً عن الدين أو كما يصطلح “الإسلام السياسي” ولا يهمها كثيراً إذا بقى الأسد قائداً للنظام أو رحل، لأنها بدأت بالفعل بنشر جذورها في سوريا ووقعت اتفاقيات طويلة الأمد في عدة أماكن ومجالات مختلفة وبإعادة تشكيل الجيش، هكذا فهي تضمن أقوى حليف لها على الأرض السورية.
أما إيران فهي تعتمد سياسة الفوضى الخلاقة التي تناسب الظرف الحالي وهي معتمدة على بقاء الأسد في السلطة، وتلعب على وتر أن سوريا هي محور المقاومة والصمود، في المنطقة وتستغل الطائفية في رعايتها للنظام الحاكم بحيث أن نسبة الشيعة و العلوية قليلة جداً وضعيفة أمام الأغلبية الساحقة لنسبة السنة، وتركز على توجيه الأنظار على أن كافة الإرهابيين من داعش و جبهة النصرة و مرتزقة الجيش الحر كلها ذات طابع سني بحت، وأنه لا يوجد أمل للنظام والأسد بالبقاء سوى الاعتماد على طائفتهم وأن السنة ستسحقهم إذا وصلت للحكم ، ومهما حلصت فإيران لن تترك حليفها السوري لأنها الوحيدة بين دول العرب التي تدعمها.
خلاصة القول، أن إيران تعتمد كلياً على بقاء نظام الأسد في المنطقة أما روسيا فليست متقيدة كثيراً ببقائه لأنها قامت بتثبيت وجودها على الأراضي السورية، مع العلم أن لا أحد من الطرفين قادر على إخراج الآخر حتى لو كان يريد ذلك ، وهكذا سيبقى الطرفان على علاقة مصالح مشتركة سطحية تزول مع زوال المصالح في الوقت الحالي والأحداث القادمة ، هي من سيقرر مصير هذه العلاقة، وما تجمعه المصالح تفرقه أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى