مقالات

روسيا وأمريكا.. تنافس لاسترضاء تركيا

تشهد الأزمة السورية مؤخراً تطورات هامة ومتسارعة لكنها ليست بعيدة عن السياق العام، ولعل من أبرز هذه التطورات التوافقات الروسية والتركية بشأن إدلب وما تشهده إدلب مؤخراً وما شهدته شمال وشرق سوريا عموماً فيما يتعلق بتركيا واحتلالها لكلٍ من سري كانيه وكري سبي ومحاولاتها في السيطرة على الطريق الدولي، كذلك تكثيف كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لتحركاتهما في شمال شرق البلاد، وهذا أدى إلى حدوث توترٍ شكلي في أكثر من نقطة التقاء بين الطرفين لدرجة أصبحت مادة إعلامية يتداولها الاعلام بكل أوجهها، كما شهدت الساحة السورية تراجع ملحوظ للدور الايراني بعد مقتل قاسم سليماني والضربة التي وجهتها إيران لقواعد أمريكية في العراق.

 في السياق العم للتوتر الشكلي بين النقيضين الدوليين قال المرصد السوري لحقوق الإنسان قبل أيام، “أن القوات الروسية عمدت إلى استقدام منظومات صواريخ دفاع جوي متطورة، وذلك إلى مطار القامشلي، ويأتي ذلك في ظل التوتر المتصاعد بين القوات الروسية ونظيرتها الأمريكية ضمن منطقة شمال وشرق سوريا”.

حيث شهد في أكثر من وقعة مرور الارتال العسكرية للطرفين بجانب بعضهم البعض دون صدام أو توقف لكن مؤخراً وفي ظل أجواء “مشحونة” تم رصد توترات بين القوات الأميركية ونظيرتها الروسية بعد محاولة الأخيرة التوجه نحو مدينة الرميلان حيث التموضع الأمريكي، وتأتي هذه التوترات في إطار محاولة كل طرف بسط نفوذه على المنطقة، هذا التوتر الذي بدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة بشكل كبير، حيث باتت المنطقة تشهد مشاحنات متكررة بين الجانبين.

 وبحسب وسائل الاعلام “فقد انتشرت القوات الأميركية مؤخراً على مداخل ومخارج بلدة تل تمر الاستراتيجية التي تعد عقدة وصل بين الحسكة – القامشلي – حلب، بالإضافة لانتشارها عند مدخل أبو رأسين (زركان) ومفرق قرية غيبش، فضلاً عن تسييرها دوريات مكثفة على اتستراد حلب – الحسكة المعروف بالـ “M4″، في محاولة منها لتحجيم الدور الروسي لكي لا تتمدد وتقوم بالمهام المنوط بها فيما يتعلق المناطق الحدودية مع تركيا.

 من جانبهما اكدت كلٍ من واشنطن وموسكو بأن الاتصالات بين الاطراف قائمة، وبأن كافة الاطراف تعمل لتجنب حدوث أي نزاع بين الطرفين.

وبدوره قال المتحدث باسم البنتاغون، جوناثان هوفمان” إن العسكريين الأمريكيين سيبقون في مواقعهم في سوريا”، وأكد على حرصهم لإبقاء الاتصال مع نظرائهم الروس تجنبا لوقوع اشتباكات بين الجانبين.

وفي السياق ذاته أيضاً سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى التأكيد بإن هذه العملية مثال حي على كفاءة قنوات الاتصال العسكرية القائمة بين البلدين في سوريا.

وأضافت أن التصعيد المصطنع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية حول عمل الدوريات في سوريا لا يعمل على تعزيز الاستقرار، مشيرة إلى أن ذلك يعرقل عمل العسكريين.

وبوقت قصير أصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً تراجعت فيها ضمنياً عما قالته الوزارة في وقت سابق حيث جاء في البيان “طورت اليوم في سوريا، القوات المسلحة الروسية والولايات المتحدة الأمريكية علاقات طبيعية ومهنية، نحن نعرف مكان الوحدات الأمريكية والجانب الأمريكي يعلم مكان عمل القوات الروسية، يتم بسرعة حل المسائل في مناطق النزاع عبر القنوات الحالية”.

وفي مجمل التصريحات والبيانات عادة المياه إلى مجاريها بين الطرفين، وعاد كل طرف على نقاط تمركزه مع احتفاظه بمناطق النفوذ دون أي تقدم فيما يخص السوريين وسوريا.

الوضع في إدلب كما هو متفق عليه في اتفاق استانا وسوتشي وما يجري حاليا يأتي في اطار الخارطة السورية التركية التي ترسم برعاية روسية, والوصول إلى تفاهم يشمل كامل الشريط الحدودي بين البلدين أي تفعيل اتفاقية اضنة لكن بشروط وبنود جديدة ستكون لصالح تركيا، وجاء لقاء استخبارات النظامين التركي والسوري قبل فترة قصيرة في هذا الاطار”.

وبذلك يمكن القول بأن هناك تفاهم وشبه اتفاق أوروبي روسي أمريكي على تقليص الصراع في سوريا، وذلك بتحجيم الدور التركي والايراني في سوريا والمنطقة عموماً، مع الحفاظ على تواجدهما على الأراضي السورية.

ووفق لتصريحات الجانبين الامريكي والروسي وتوافقهما على التواجد التركي في شمال سوريا وفق الصورة الحالية واهتمامهما بمصالح تركيا أكثر من مصالح الشعب السوري على الأقل في ما يتعلق بحل الأزمة السورية بالوسائل السلمية فأن الطرفان متفاهمان ايضاً على تقليص دور الإدارة الذاتية الديمقراطية في سوريا بمعنى أخر إن الطرفان يعملان على الدفع بكافة الأطراف إلى عملية سياسية تحضر لها أروقة الكرملين والبيت الأبيض وفق ما يخدم مصلحة الطرفين بالدرجة الأولى مع احتفاظهما بمناطق النفوذ والامتداد، والحديث عن دعم أمريكي أو مساهمة روسيا في الحد من العدوان التركي على شمال سوريا ليس إلا ذر الرماد في العيون كون مصالح الطرفين وارتباطهما مع النظام التركي أكثر نفعاً بكثير من مصالحهما مع الإدارة الذاتية الديمقراطية أو مع النظام السوري، لتبقى النتيجة بالنسبة للسورين بأن الحوار السوري السوري هو السبيل لأي حل يخدم السوريين بالدرجة الأولى، وهذا ما ينفر منه النظام حتى اللحظة، بالرغم من الدعوات المتكررة لمجلس سوريا الديمقراطية وقواتها العسكرية بهذا الخصوص.

زر الذهاب إلى الأعلى