تقاريرمانشيت

خطاب أردوغان المتغير إزاء القضية الكردية في تركيا

حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بداية استلامه للسلطة سنة 2002، استمالة الكرد في تركيا بأكثر من طريقة، للإشارة إلى أنّ هناك تحوّلاً كبيراً في سياسة الدولة التركية تتسم بالانفتاح على مواطنيها، ومعالجة مشكلاتهم، وكان يروم من خلال ذلك التقرّب من الغرب والتودّد له بغية تسريع مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ناهيك عن غاياته الانتخابية لاستقطاب المتدينين الكرد.

لكن عباءة التضليل التي غلّف أردوغان بها خطابه بدأت تنزلق من حين لآخر كاشفة الجسد الحقيقيّ الذي تستره، والذي لم تتمكن من إخفائه لوقت طويل، لأنّ الممارسات الإقصائية بدأت تتجلّى أكثر فأكثر على أرض الواقع.

في تركيا التي توصف بأنها تقاد في ظل حكم أردوغان بسياسة الإرهاب والرعب، يسعى أردوغان إلى إدامة دعم مؤيديه له وتحشيدهم ضد خصومه، من خلال إثارة القلق والمخاوف من انقسام تركيا وإسقاطها وضياع المكتسبات التي تحققت في ظل حكمه، دون أدنى مبالاة للتدهور الديمقراطي والاجتماعي والاقتصادي.

ظلّ الكرد في تركيا تاريخياً محكومين بنظرتين مقيدتين لهم وللهوية الكردية، فالدولة التركية دأبت على تصنيف المواطنين، وتحديد من يكون المواطن الحقيقي من الدرجة الأولى، ومن يكون في الدرجات الأخرى، وكان نصيب الكردي دوماً في الدرجات الدنيا من التقسيم الرسمي، وإن كان بطريقة غير معلنة.

أصبح التصنيف، بين المواطن الحقيقي، والآخر المشكوك به، في أيدي الدولة الجديدة التي يحكمها حزب العدالة والتنمية، أو على نحو أدق الرئيس رجب طيب أردوغان بذاته، بعدما كانت الدولة في ظل الكمالية هي من يحدد من هو المواطن الحقيقي، ولم تختلف إيديولوجيا السلطة لتقسيم المجتمع التركي، وتصنيف الكرد وفق مصلحة الحزب الحاكم وسياساته الإقصائية، وكان هذا وراء إطلاق السياسيين الكرد والنخبة المثقفة تسمية الكماليين الإسلاميين على أعضاء حزب العدالة والتنمية، وتسمية أتاتورك الإسلامي على أردوغان.

يضع حزب العدالة والتنمية الإسلامي، معاييره الخاصة لتعريف المواطن الحقيقي، فهو في عرفه “أن تكون مسلماً سنّياً وتروّج للأمّة، تظهر للعالم ممارسة شعائرك الدينية ليرى ويتعلم بمدارس الخطباء الأئمة التي تنامت لتصبح واجهة لأسلمة التعليم”، ومن وجهة نظر الكماليين سيكون هذا المواطن علمانياً يتطلع نحو الغرب ويتلقى تعليماً كمالياً.

ويقع الكرد دوماً ضحايا هيمنة الدولة المركزية، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو كمالية، لأنّ السلطة تمارس سياسة التهميش بحقهم، وتؤكد على أنّ “تركيا ينبغي أن تحكم كبلد تركي متجانس، وأنه يجب إبعاد أي شخص وجميع من لا يتوافقون مع هذا الانتماء التركي”.

في كتابها “تركيا والنزاع على الشرق الأوسط”، ترصد الأكاديمية التركية إزغي باشاران خطاب أردوغان المتغير إزاء القضية الكردية في تركيا، وتذكر أنّه في العام الذي تولى فيه حزب العدالة والتنمية الإسلامي للسلطة، زار أردوغان منشأة في قارص حيث قال عامل كردي: “ينبغي إيجاد حلّ للمشكلة الكردية. لا نريد مواصلة العيش في عنَت”. أجاب أردوغان على هذا الأمر قائلاً: “إن قلت إن هنالك مشكلة، فلا بد من أن تكون ثمّة مشكلة. لكن اسمع: أنا متزوّج من امرأة من سعرد وأنا سعيد. عليك أن تغيّر طريقة نظرك إلى الأمور”.

تشير باشاران إلى أنّ أردوغان ألقى عام 2005 خطاب انفراج في ديار بكر قائلاً: “المشكلة الكردية هي مشكلة تركية، وهي مشكلتي أيضاً”. استشهد مسؤولو العدالة والتنمية مرات عدة بهذا الخطاب باعتباره برهاناً على أن حزبهم سيجد حلاً للمشكلة. وتلفت إلى أن عام 2009 كان عام تحول الأقوال إلى أفعال. أعلن أردوغان قائلاً: “أياً كانت التسمية التي تودّ أن تطلقها عليها، المشكلة الكردية أو مشكلة الجنوب الشرقي، فقد شرعنا الآن بالعمل على حلّها”.

كما تذكر أنّه بحلول 2011 طرأ تحول ملموس على لهجة أردوغان، وقال حينها في خطاب في مدينة موش: لا توجد مشكلة كردية في تركيا بعد اليوم. لا أقبل ذلك”. كما قال: “أخي الكردي لديه مشكلة، لكن ليست هنالك مشكلة كردية”. وبعد شهر من انتخابات 12 يونيو في 2011 أعاد أردوغان الخطاب القومي المتشدد إلى موضعه، وقال: “ليست هنالك مشكلة كردية، بل مشكلة حزب العمال الكردستاني. لقد ساندنا مواطنينا الكرد أكثر من أي شخص آخر”. وبحلول سنة 2015 كانت تصريحاته متصلبة إلى درجة كبيرة. وفي الوقت الذي كانت تجري فيه عملية سلام، قال: “أي مشكلة كردية؟ ليس هنالك أمر كهذا. فالقول بوجود مشكلة يعني تمييزاً”. وكان حزب العدالة والتنمية يدعي أنه “الحزب الكردي الأكبر” في إشارة لاستمالته الكرد أكثر من أي حزب كردي آخر.

ووصفت محادثات السلام التي بدأت في عام 2009 وانتهت في عام 2015 بأنّها كانت عبارة عن مفاوضات مغلقة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة، والتي لم تسع للحصول على دعم المعارضة. ونفذت أنقرة بعدها حملة قمع ضد الكرد، لا سيما نواب حزب الشعوب الديمقراطي، الذين تتهمهم بالدعاية الإرهابية، والعمل لصالح حزب العمال الكردستاني.

وقال سيزاي تيميلي، الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي، إن القضية الكردية لا يمكن تركها الآن لحزب العدالة والتنمية بمفرده. وأضاف “سيكون هناك المزيد من المؤسسات والوكالات حول طاولة السلام. ثمة حاجة إلى دستور جديد. نحن نحافظ دائماً على آمالنا في السلام”.

ولم يستجب أردوغان في أغسطس الماضي، للدعوة التي أصدرتها أحزاب ومجموعات كردية، ومن بينها حزب الشعوب الديمقراطي، ومؤتمر الشعب الديمقراطي، ومؤتمر المجتمع الديمقراطي، في محافظة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، وأعلنت فيه استعدادها لتحمل كل المسؤولية في المناقشات الديمقراطية لتحقيق السلام في تركيا.

نقلاً عن موقع أحوال تركية

زر الذهاب إلى الأعلى