ثقافة

حكاية الكرد في روج هلات

تتدحرج كرة الثلج بين الدول التي طال استبدادها على شعوبها لتحل ربيعاً على الدولة التي تصل إليها؛ فها هي كرة الثلج تكبر في إيران؛ لتهب الشعوب الإيرانية بكافة مكوناتها من الأرياف وتدحرجت الكرة حتى وصلت إلى المدن الكبرى، لتطالب بما كانت تحلم بها من مطالب مشروعة هي من حقوقه الطبيعية، ونزلت إلى الشوارع بشعارات وهتافات ضد نظام الملالي وسياستهم التي فاقت حد التحمل؛ فالبطالة في تزايد مستمر والفقر يزداد على السكان يوماً بعد يوم،  ناهيك عن الإعدامات التي تُنفَّذ بحق أبناء شعوبها حتى تعبت المشانق من حمل رقاب المحكومين، وبما أن الكرد هم القومية الثالثة في إيران، عمل هذا النظام المستبد على قطع الأواصر والعلاقات والاحتكاك بين مكونات الشعوب؛ فنحن في “روج آفا” من منا يعرف عن كرد “روجهلات” هذه اليد الحديدية التي  منعت الاحتكاك والتواصل “بروج هلات” عن طريق الحصار الذي فرضه النظام القاتم الأسود على شعبه عامة؛ وعلى الكرد خاصة، وإجراء وتنفيذ الاعتقالات والإعدامات للناشطين والسياسيين الكرد. هذا ليس بالغريب لشعب تكاتفت عليه أمم ودول منذ عهود؛ فكردستان المجزأة إلى أربعة أجزاء قُسِّمَت وأُلحقت قَسرَاً بالدول المحيطة حسب اتفاقيات ظالمة آنذاك بحق شعبنا واقتطاع وطننا” كردستان”فكانت هذه التجزئة كالتالي:

“روج آفي كردستان”(غرب كردستان) القسم الذي ألحق بسوريا حسب اتفاقية سايكس- بيكو

“باكور كردستان”(شمال كردستان) وهو القسم الذي ألحق بتركيا وفق الاتفاقيات الظالمة آنذاك

“باشور كردستان” (جنوب كردستان) وهو القسم الذي ألحق بالعراق

“روج هلات” (شرق كردستان) وهو القسم الذي ألحق بإيران.

إيران هي دولة تقع في غرب أسيا؛ اسمها بالفارسية القديمة يعني” أرض الآريين”؛ هذا يعني أن الكرد من سكان هذه الأرض قبل الفرس، وفي العصور الوسطى تدعى “بلاد فارس” وحالياً تدعى “دولة إيران” ونادراً ما يُطلق عليها بلاد الفرس تبلغ مساحتها 1648195 كم² ويبلغ عدد سكانها نحو 72 مليون نسمة وهي نقطة التقاء لثلاثة مجالات آسيوية، غرب آسيا وسطها وجنوبها، عاصمتها “طهران” وهي تمتلك ثاني أكبر احتياطي الغاز الطبيعي، وهذا ما شجعت إيران على صنع الأسلحة النووية؛ وملفها النووي موضوع على طاولة المفاوضات مع الدول الكبرى، وهي تملك رابع أكبر احتياطي نفط العالم مع هذا كله فشعبها يعاني الفقر والبطالة، بسبب صرف الأموال الطائلة على الأسلحة وتجاربها النووية و والحرس الثوري الايراني

تاريخها:

هي موطن لواحدة من أقدم الحضارات في العالم، وأول سلالة حاكمة في بلاد الفرس المملكة (العيلامية) سنة 2800 قبل الميلاد، وثم وحَّدها الميديون عام 625 قبل الميلاد؛ وهم الكرد، ومن ثم قامت الامبراطورية الأخمينية الإيرانية؛ وتلتها الإمبراطورية السلوقية الهيلنية ثم البارثيين والساسانيين؛ كل هذا قبل الفتح الاسلامي الذي جاء عام 651 م، وخلال الفتح تشكلت سلالات ودويلات منها الدولة الظاهرية، والدولة الصَّفوية والسامانيون والبويهيون

التوزع الجغرافي في ايران:

تنقسم إيران الحالية إلى (31 محافظة) ويتم فيها التوزيع الجغرافي وفق التالي:

يشكل الفرس نسبة 35% من مجموع السكان، ويستقرون في 11 محافظة وبعدها الآذريين (الأتراك- التركمان)،ويشكلون 24% من السكان؛ ويتوزعون في ثلاث محافظات أما (الكرد) فهم القومية الثالثة في إيران؛ أغلبهم من السنة ويشكلون نحو 11% من نسبة السكان وهم كرد (اللر- البختياريين- الكلهر- الللك) ويقطنون في سبع محافظات هي (أذربيجان الغربية- كردستان- كرمنشاه- إيلام- لرستان- جهار محال- وبختياري- كهكيلوية وبوير أحمد)؛كما ويشكل الكرد نصف سكان محافظة همدان وثلثي سكان محافظة هرمز، ومعظمهم يتكلمون اللغة الصورانية و الكرمانجية

نظام الحكم الإيراني الملالي:

يزعمون أن الحكم فيها جمهوري يُنتخب الرئيس من قبل الشعب؛ ولكنه في حقيقة  الأمر  مخالف ومغاير للواقع تماماً فالانتخابات تجري بصورة شكلية لتضليل الشعب، فالسلطة الفعلية بيد من حديد؛ حيث يديرها شخص يُطلق عليه اسم المرشد الأعلى أو الولي الفقيه أي خليفة الله والقائم بأعماله في الأرض؛ وله الصلاحيات المطلقة في الموافقة على المرشحين للرئاسة. توقيع حكم وتنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه؛ وقيادة مُطلقة للقوات العامة والجيش؛ إعلان الحرب والسلم؛ كما وله الحق في تنصيب وعزل المسؤولين والعفو عن المحكومين أو تخفيف عقوباتهم.

التقسيم العسكري الإيراني:

بعد الإطاحة بنظام الشاه الملكي وتأسيس الجمهورية الإيرانية؛ بدأ تشكيل الجيش وفق آلية تخدم السلطة الحاكمة؛ والذي يتكون من ثلاثة أقسام رئيسية:

الحرس الثوري الايراني، وهو الحرس الوفي للمرشد الأعلى.

جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

قوى الأمن الداخلي؛ كما يشار إلى وجود قوة عسكرية تطلق عليها اسم الباسيج، وهي منظمة شبه عسكرية قوامها شباب وطلاب الجامعات تتبع أوامر الحرس الثوري الذي يقوم بتدريبها وتزويدها بالسلاح وبرزت دورها بشكل أساسي في قمع المظاهرات والانتفاضات.          

صفحات من نضال شعبنا الكردي ضد النظام الإيراني المستبد

معركة قلعة دمدم:

تُعد معركة دمدم التي يسميها الكرد ملحمة دمدم واحدة من أهم المعارك التاريخية الموثقة عند الكرد. وقعت هذه المعركة عام1609م – 1610م بين الكرد الذين كانوا يقطنون المنطقة الواقعة قرب بحيرة أورمية بقيادة الأمير خان بن جهزيرين (أو ذو الكف الذهبي)، والصفويين الفرس بقيادة حاتم بيك.

انتفاضتا إسماعيل آغا شکاکي، و(سمكو) آغا ابن محمد باشا ابن علي خان

ثار القائد (سمكو آغا) ضد الحكومة الإيرانية لأجل نيل استقلال كردستان وتحقيق حقوق شعبها ما بين عامي 1920م و 1930م، وفي شهر أيلول/سبتمبر من سنة 1930م استدرجته الحكومة الإيرانية للتفاوض الى مدينة (شنو) حيث نصبوا له كمينًا واغتالوه غدرًا.

تأسيس جمهورية مهاباد

تأسست في 22 ینایر/كانون الثاني سنة 1946م في شرق کردستان برئاسة القائد الرمز “قاضي محمد”، واتخذت من مدينة (مهاباد) عاصمة لها، وبقيت لأكثر من 11 شهرًا ،وقد تم القضاء على هذه الجمهورية الفتية بمؤامرة دولية وبضغط من نظام الشاه على الولايات المتحدة التي ضغطت بدورها على الاتحاد السوفييتي، وكان ذلك كفيلًا بانسحاب القوات السوفييتية من الأراضي الإيرانية، وقامت الحكومة الإيرانية بإسقاط جمهورية مهاباد بعد 11 شهرًا من إعلانها، وتم إعدام الشهید “قاضي محمد” مع ثلاثة من مساعديه في 31 مارس/آذار 1947م في ساحة چارچرا بمدينة مهاباد نفس الساحة التي أعلنت فيها جمهورية مهاباد

الثورة الإيرانية:

أو ما يدعى بالثورة الإسلامية في إيران أطاحت بالنظام الملكي في إيران سنة 1979  شاركت في أحداثها معظم تيارات وشرائح المجتمع وكان الكرد هم أول المشاركين فيها، ونقلت هذه الثورة البلاد لأول مرة في تاريخها إلى النظام الجمهوري المؤسس على نظرية “ولاية الفقيه” الشيعية. استمرت أحداث الثورة الحاسمة قرابة 16 شهراً، وتجاوز عدد قتلاها ستين ألفاً، وشكلت تحولاً سياسياً إقليمياً وحدثاً تاريخياً واستراتيجياً هاماً؛ ولا يزال العالم مشغولاً بها، إلا أن مشاركة الكرد في هذه الثورة بكل قواهم والذين كانوا يتوقعون بعض الامتيازات ومنها الحكم الذاتي؛ وهو ما رفضته السلطات الإيرانية مطلقاً؛ كما ومنعتهم من المشاركة في كتابة الدستور.

احتجاجات 2009

اندلعت احتجاجات في الشارع الايراني اعتراضاً على نتيجة الانتخابات الرئاسية آنذاك ودامات أيام إلا أن الحكومة أخمدتها ولن تدعها تتوسع أكثر

انتفاضة من  أجل فريناز خسرواني:

خرج الآلاف من المتظاهرين الكرد  في مدينة (مهاباد) شمال غربي إيران، سنة 2015 احتجاجاً على قيام ضابط إيراني بالتحرش بفتاة كردية مما دفعها إلى الانتحار، وبحسب التقارير الإعلامية فإن فتاة كردية تدعى فريناز خسرواني تعمل في إحدى الفنادق انتحرت بعد محاولة ضابط استخبارات إيراني اغتصابها، برمي نفسها من شرفة الفندق من الطابق الرابع؛ بعد أن شعرت بالخطر على حياتها، ونتيجة ذلك عم الإضراب في مدينة مهاباد الإيرانية ذات الأغلبية الكردية بعد الاعتداء على تلك فتاة الكردية التي انتحرت هرباً من ذاك الضابط؛ والتي أصبحت مثالاً للشرف والعِفَّةِ؛ وعلى أثر ذلك اندلعت الانتفاضات و الاحتجاجات والمظاهرات ضد الحكومة الإيرانية، وعلى الرغم من أن الحكومة الاستبدادية في إيران نَفَتْ خبر قيام أحد ضباطها بمحاولة اغتصاب الفتاة الكردية، بل وقمعت تلك المظاهرات بيدٍ من حديد ولجأت إلى كافة أنواع العنف؛ فكان حصيلة تلك الاحتجاجات 70 شخصاً بين قتيل وجريح؛ وكذلك اعتقال المئات من المتظاهرين.

اعدامات الحكومة الايرانية بحق شعبها :

إيران سجلها حافل بالإعدامات الكثيرة؛ وحسب المصادر فإن نظام الملالي في إيران يقوم بإعدام المئات من المواطنين واغلبهم من خِيرة شباب الكرد الذين تُنفَّذ بحقهم أحكام الإعدام دون وجه أي حق أو سبب مقنع؛ ويصل نسبة إعدام المواطنين سنوياً لإحصاءات عددية غير متوقعة، وكان أكبر عملية إعدام ميدانية؛ قام بها السلطات الإيرانية  بحق السجناء السياسين سنة 1988  حيث تم إعدام ما يقارب 30 ألف شخص ففي عام 2012 أعدم النظام 500 شخص وارتفع هذا العدد في عام 2013 إلى أكثر من 800 شخص وفي عام 2014 أعدم نظام الملالي الظالم 860 شخصاً وفي سنة 2017 أعدم 750 شخصاً معظمهم من الكرد ومؤَّخراً صادق النظام على قرار إعدام نحو 30 معتقلاً كردياً في سجونه؛

كما وأعدمت السلطات الإيرانية مؤخراً (المناضلة شيرين علمهولي) لأنها كانت عضوة في حركة التحرر الكردستانية بعدما لاقت تعذبياً في سجون نظام الملالي  لرفضها التعاون معهم لصالحهم؛ حتى يزيلوا حكم الإعدام الصادر بحقها، وكذلك إيران أعدمت المهندسة (ريحانه جباري) بسبب الدفاع عن شرفها حيث طعنت مسؤولاً إيرانياً بالسكين دفاعاً عن نفسها.

طبيعة عمل الكرد في روج هلات

يبلغ عدد الكرد حوالي أربعين مليون نسمة، رابع قومية في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان؛ وهم يتميزون بامتلاكهم تاريخاً عريقاً مليئاً بتراث ثري من العادات والتقاليد المميزة، والتي أعطت لهذا الشعب تميزه وتفرده عبر العصور.وبعيدًا عن القتال الدائر والمشاكل السياسية، فلنغوص عميقاً لنتعرف على أبرز عادات وتقاليد الكرد التي لا تتغير بتغير الدولة التي يعيشون فيها والملحقة بها كما ذكرنا سابقاً وفق اتفاقيات دولية مشؤومة في كلٍ من العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران.

المجتمع الكردي مثل أي مجتمع بشري يتمتع بمقومات أساسية كاللغة والثقافة والعادات والتقاليد والقيم، فالمجتمع الكردي كيان جماعي من البشر؛ والعلاقات الدائمة والمستقرة نسبياً نوعاً ما في جميع أجزاء كردستان؛ ففي (روج هلات):  طبيعة المنطقة الوعرة ساعدتهم على الاحتفاظ بهويتهم ولغتهم رغم الاضطهاد الذي طال سكان روج هلات كردستان على يد الحكومة الإيرانية؛ فجعلت تلك الطبيعة من الإنسان الكردي في روج هلات ومنحته صفات القوة والشجاعة والفروسية؛ وهذه الطبيعة الريفية الجبلية أثرت على بنيتهم كما جعلت حياتهم الاجتماعية محكومة بضوابط تقليدية كثيرة كما عكست العلاقة الدينية على المجتمع الكردي، فوضعت الولاء الديني قبل الوطني، و كذلك انتشار الطرق الصوفية كان لها أثر على هذا الولاء؛ وتحت ذريعة الأخوة الدينية فقد الكرد في إيران الكثير من حقوقهم، فالمجتمع في إيران وبينهم الكرد هو مجتمع محافظ ومتماسك بالمعتقدات الدينية.

المرأة في روج هلات كردستان

من الصفات التي يتميز بها الكرد أينما كانوا؛ وفي ظل أية دولة كان، والتي لا يستطيع أحد إغفالها هي حبهم الشديد للحرية؛ إلى حد الشهادة في سبيلها، إلى جانب الشجاعة والصبر، والاستعداد الدائم للقتال في وجه الظلم، وبما أن الأسرة هي النواة الحقيقية لأي مجتمع والأسرة الكردية لها طابع خاص في جميع أجزاء كردستان؛ لذا كانت المرأة الكردية في روج هلات كردستان أكثر حظاً من النساء الإيرانيات اللواتي يعانين من قيود كثيرة؛ على الرغم من أن في المجتمع الإيراني أهمية بارزة للعائلة وفق أسس وقواعد دينية، فالمرأة الكردية في روج هلات كردستان تشاطر الرجل في أغلب أعماله فهي الأم والمربية والعاملة والموظفة أيضاً، كما ذكرنا طبيعة روجهلات كردستان وما ميزت المرأة سحر جمالها وقوامها المنتظم.

عمل الكرد ونشاطهم:

أما بالنسبة للنشاط والعمل الذي يقوم به كرد روج هلات فأغلبيتهم يعمل بالزراعة إلا أن نقص الماء سبب لأهالي المناطق الزراعية عدم الاستفادة من كامل أراضيهم؛ ومن المزروعات التي يزرعها الفلاح الكردي في إيران هي القطن والتمر والفواكه والعدس والذرة الشامية والمكسرات و الأرز، وكذلك يعمل الكرد في تربية المواشي والحيوانات؛ وأهم المناطق التي يربى فيها الكرد المواشي هي محافظة كردستان  ولورستان؛ وترعى قطعان الماشية على نباتات المراعي على مدار السنة، كما يعمل القليل من الكرد في الصناعة والصيد والاعمال التجارية  الأخرى؛ وتكون الخدمات بطيئة جداّ في المناطق التي يقطنها الكرد نتيجة السياسة التي تتبعها حكومة إيران من تسلط وقهر وظلم، لذا نرى أكثر الطرق غير معبَّدة؛ فوسيلة النقل لدى الفلاح تكون الحمير والجياد والبغال؛ أما بالنسبة للتعليم، فإن سياسة الاضطهاد التي تمارسها السلطات الايرانية الفاشية يحظر عليهم تعليم اللغة الكردية في المدارس، ويواجهون تعقيدات وتهديدات مستمرة؛ ومع ذلك تعمل الأسرة بكل جهدها كي يستطيع أبنائها إكمال دراستهم رغم الاجراءات التعسفية من السلطات كفصلِ وطردِ الطلاب الكرد واعتقالهم من الجامعات بتُهم مُلفقة، ومهما بلع العنف والظلم إلا أنه لا يضيع حق وراءه مطالب.

زر الذهاب إلى الأعلى