مقالات

حقيقة اتفاق إدلب: كل السلاح إلى المنطقة (منزوعة السلاح)!

اجرائياً؛ يخال للمرء بأنّه حتى تنجز جهة ما اتفاقاً مع موسكو يجب أن يتّبِعه أولاً إسقاط طائرة روسيّة. حدث ذلك مرتين في الأزمة السورية. الأولى في 24 نوفمبر تشرين الثاني 2015حينما أسقطت أنقرة الطائرة الروسية سو- 24على تخوم المنطقة (منزوعة السلاح) اليوم في إدلب من شماليّ ريف حماة بكل ما يرافقها من تناول إعلامي محموم يهدف إلى أن قضية إدلب حُلَّت، أو أن احتمال الحرب الأكيد في إدلب بشقيها الكلي أو الجزئي تم لملمته. أمّا سوريا اليوم فإنها تتألف من عشرات من القضايا؛ ليست قضية إدلب أولّها على الرغم من أهميتها، الأهمية تبدو في التسلسل الميداني الذي أدى لتكوين نتيجة إدلب. أمّا سقوط الطائرة الروسية من نوع إليوشن20 في 18 سبتمبر أيلول المنصرم من قبل تل أبيب فإنها الثانية التي نجمت عنها اتفاقاً/ اتفاقيات ما بين روسيا واسرائيل؛ يعلم تفاصيلها الطرفين وأيضاً واشنطن. لكنها دول القرن الواحد والعشرين بأن المصالح أولاً والشعوب أخيراً؛ أكدت هذه النمذجة بأن الدول في واد والشعوب في واد آخر. هنا تظهر قضية مهمة متعلقة بالفكر السياسي في أن الانعطاف الممرورة من خلاله منطقة الشرق الأوسط يعتبر بالتوقيت الجيد ليتم فيه التفكير بجدية حيال فشل هذه النمذجة/ الدولنة التي تعيشها الدول فالانتقال تفكيراً على الأقل وقطيعة مع هذه الأشكال إلى نماذج أكثر خيّرية. لأن الدول حتى تكون الدولُ لا بد أولاً أن تقوم بواجبها في تحقيق السلام والأمن والاستقرار؛ بعكس كل الادعاءات التي يطلقها زعماء الدول أو أركانات القرار غير المرئية. في غالب مناطق (سوريا المفيدة)؛ تم ترويج هذا المصطلح من قبل موسكو في العام 2015؛ نجد بأن أشياء تحدث على الأرض وكلام مغاير عنها تماماً يُطلقُ ويوصَف. فعلى سبيل المثال من خلال اجتماعات لإنشاء مناطق خفض التصعيد في الآستانا (1 إلى 10) جرى كل التصعيد وتباعدت سوريا عن بعضها، كل جزء سوريّ مسنود إلى بعضٍ من دول إلّا سوريا. وصلت بعضها في هيئة مناطق احتلتها تركيا. زاد التوتر فيها والعنف والقتل إلى مستويات مرتفعة. وصل إلى عفرين أكثر من نصف مليون سوري نازح منذ بدء الآستانات ليتم احتلالها في 18 آذار العام الحالي بعد مقاومة بطولية دامت 58 يوماً؛ ما زال الدمار في عفرين قائم تحت أنظار ضامني الآستانا والسلطة السورية والعالم؛ بيد أن مقاومة الاحتلال التركي لم تزل مستمرة. كنتيجة للآستانات فإن مناطق كثيرة كان يعرفها السوري طالتها التغيير الكلي: ديموغرافياً وفي الشكل والظاهر. من الصعوبة على سوريٍّ أن يتعرف عليها كما كانت. الحال ذلك أيضاً ينطبق على إدلب في تفاهم سوتشي ما بين رئيس الاتحاد الروسي بوتين وسلطان العثمانية الجديدة أردوغان وحديثهما عن المنطقة (المنزوعة السلاح) بما يتخلله من إظهار إعلامي عن سحب (المعارضة) أو جبهة النصرة لسلاحها الثقيل، ونقل عناصر التنظيم الإرهابي إلى داخل المدينة، مع أن هذا الإظهار هو التضليل. إزاء ذلك يبدو التفاخر بصون أكثر من ثلاثة مليون من مدنيي سوريا في إدلب تضليلاً أيضاً ومعاكسة لحقيقة الواقع. شطب معركة إدلب الكلية والجزئية أو تأجيلها لا علاقة له بميل خيريٍّ وتفهمّاً حول الشأن الإنساني في إدلب. ليس من عادة مثل هذه (الدول) ذلك؛ إنما نزولاً لإصرار واشنطن والغرب في ذلك. حتى أن الاتفاق/ التفاهم الذي جرى بين بوتين وأردوغان ليس فيه نقاط توافق؛ لا بل تحديد نقاط الاختلاف، والذي صار بأن موسكو وأنقرة راهنتا على المتغيرات التي تنجم عن تحديد القضايا الخلافية التي سميت خداعاً بالاتفاق/ تفاه سوتشي، ولم تتفقا. بصريح العبارة أن كلا الطرفين قامرا. (سوريا المفيدة) أشبه أن تكون طاولة روليت يقامر عليها ضامني الآستانا. المقامر الأكبر حتى المرض ليس دوستويفيسكي في رواية كتبها كأنها بدت سيرته الذاتية (المقامر) والذي يُقال أنه ترك القمار في 1871؛ لا بل أنه أردوغان الذي لن يترك سوريا حتى خراب مصر والسعودية والخليج عموماً والأردن والعراق أو تنهار أنقرة. يطل بعض من صنوف الأراكوز/ المشغلين. ورائهم صورة السلطان العثماني المقامر أردوغان؛ تحت غطاء (جيش التحرير الوطني السوري) وأنهم واصلوا الليل بالنهار وسحبوا الأسلحة الثقيلة من دبابات وصواريخ غراد وما شابه إلى العمق الإدلبي؛ لكنهم في أهبة الاستعداد لأنه لا يثقون بروسيا والنظام؛ في الوقت نفسه يصدر الصوت الشاذ النشاز من الائتلاف –المتبقي الإخواني منه بأن إدارة مدنية تتشكل لأول مرة في إدلب!! خلاف هذا التضليل، وبكل العلم والحقيقة، فإن دخول أرتال جيش الاحتلال التركي دخلت إدلب منذ 8 أكتوبر 2017 ولم تتوقف حتى اللحظة. زادت دخولها في الفترة الأخيرة. تمّ سحب سلاح المعارضة (الثقيل)؛ لكن زيْدَ دخول السلاح النوعي التركي إلى المنطقة (منزوعة السلاح)، وأن (الإدارة المدنية في إدلب) التي يتحدث عنها الائتلاف هي نفسها التي تحدث عنها قبل أكثر من عامين حينما تفاخر بعض قيادات الائتلاف والزعم الباطل بأن ترويض جبهة النصرة قائمٌ على قدم وساق. ولا ساق للائتلاف بقى ولا رأس سوى هيئته الإخونجية الحقيقية. كل هذا يحدث في الوقت الذي تقوم به دمشق من إلهاء شعب (سوريا المفيدة) بالمرسوم رقم 16. لأن شعب سوريا سكت عن المادة (8) من الدستور القديم مفاده أن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع؛ فانشطرت المادة لتصبح اليوم (8+8) ويخرج المرسوم 16 بكامل حلته التقسيمية الإلهائية الفجة. السلطة في دمشق مطلوب منها إلغاء ما تسمى باتفاقية أضنه 1998؛ والبقية الممكنة تأتي. حتى لو قالها لافروف ونائبه الذي ينشط إعلامياً هذه الأيام. حتى لو قالتها دمشق وموسكو فإن هذا الاتفاق/ التفاهم ليس سوى خطة احتلال تركيا لإدلب. خلاف ذلك وبالتضاد منه فإنه لا يمكن الحديث -حتى الحديث- عن تحرير إدلب؛ ولن يكون؛ بمعزل عن الكيفية والوسيلة ومنهجية الهدف والمشروع الديمقراطي الذي تم من خلاله تحرير الرقة ويتم بالسوية نفسها تحرير دير الزور هذه الأيام. أمّا تحرير عفرين وعودتها إلى الشكل المدني الديمقراطي المدار فيها عشية الاحتلال التركي ومرتزقته لها فيبقى ثابت الانعطاف الحقيقي في استعادة سوريا. كل شيء يفي إلى ذلك. فكل شيء لا يؤدي إلى الحل السوري يعتبر بشكل أوتوماتيكي حركة روليت مقامرة تقوم بها دولة/ جمعية غير خيرية. حتى عدم التمديد لستافان دي مستورا وابقائه إلى نهاية الشهر الحالي. وإبقاء أنقرة بالمحتفظة لجبهة النصرة الإرهابية إلى شهرين أو ثلاث قادمة للدمج الأخير والجيش التركي. حتى أن لجنة الدستور التي تتعثر اليوم دون أمل عودة وفق ما رسم لها سابقاً. كلها وأمور أخرى تشبهها وتتعلق بها تؤكد بأن القوى الديمقراطية العلمانية في سوريا عليها أن تجتمع؛ اجتماع يشبه الوضع الاستثنائي الذي يمر بها سوريا؛ ولا تتقاطع مع التي جرت سابقاً، تقرر من أجل أن تنجز هذه القوى ما توّجب أن تفعله منذ سنوات. إذْ ما زال الوقت سانحاً أمامها. عليها أولاً أن تتخلص من شروطها المسبقة وآرائها في برامجها المسبقة ووسائلها السابقة التي فشلت. لا تطمح القوى الديمقراطية أن تشبه سوريا 2020 العراق 2005؛ بما لاقى العراق كل المآسي ما بعد 2005. للمعلومة أثبت فورد بأنه غير الناجح في وظيفتيه حينما كان سياسياً سفيراً وحينما (يشتغل) اليوم بالبحث.

زر الذهاب إلى الأعلى