تقاريرمانشيت

حضور الإرهاب مازال قائماً رغم الهزيمة العسكرية التي ألحقت به

كان للنصر الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية على تنظيم “داعش” الإرهابي عسكرياً في بلدة الباغوز بريف مدينة ديرالزور الشرقي وقعاً كبيراً في الأوساط المحلية والاقليمية والدولية التي تفاخرت بهذا النصر واعتبرته نصراً لعموم الإنسانية الخيّرة.

لكن الجدل المُثار حالياً هو ما بعد هدم الكيان العسكري للتنظيم فوق رؤوس مقاتليه الارهابيين المهزومين والقوى الداعمة له والتي اعتبرت الخسارة والهزيمة التي طالت التنظيم الإرهابي في شمال- شرق سوريا بمثابة كسر لأحد أهم أذرعه في المنطقة.

السؤال المثير للجدل: هل انتهى التنظيم بعد الهزائم الفادحة التي تلقاها في  شمال شرق سوريا..؟

 حسب اغلب المؤشرات الميدانية على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي، وما يصدر من تحليلات عسكرية وسياسية عن المختصين بالجماعات الإرهابية إن التنظيم لم ينتهي وإنما هزم كقوة عسكرية لكن لا يزال في مرحلة القوة وإن هُزم عسكرياً في شمال – شرق سوريا، وإن أسباب عديدة لا زالت قائمة مهيئةً لبقاء التنظيم واحتمال ظهوره ولملمة اجتثاثه المهزوم والعودة مجدداً إلى الهجوم على المناطق والسيطرة عليها منها:

هناك مناطق في سوريا سواء أكانت في البادية السورية العراقية الاردنية (الحماد) والتي تشكل طبيعتها الجغرافية الشاسعة بيئة مناسبة لتخفي عناصر التنظيم واعادة تجميع نفسه، والظهور مجدداَ على شكل مجموعات صغيرة تنفذ عمليات إرهابية مباغته هنا وهناك مُثيرةً الفوضى  وعدم الاستقرار وهذا ما يساعد على نمو قوة التنظيم الإرهابي خاصة وإن العديد من البلدات والمدن في الجانب السوري والعراقي وتحديداً في منطقة الأنبار العراقية لا تزال تشكل حواضن مناسبة لترعرعه مجدداً.

الأمر الآخر الذي يساهم في بقاء داعش والإرهاب عموماً على قيد الحياة هو استمرار بعض الجهات الإقليمية والدولية في تمويل ودعم وتجميع بقايا التنظيم الإرهابي على أراضيها وفي المناطق الخاضعة لسيطرتها كما الحال بالنسبة للدولة التركية والمناطق السورية في غرب الفرات الخاضعة لنفوذ احتلالها حيث عشرات التنظيمات الإرهابية الأكثر خطورة من داعش والتي جمّعتها تركيا وقدمت لها كل اسباب البقاء والنمو والقوة ناهيك عن آلاف  الفارين من عناصر تنظيم داعش الإرهابي الذين  احتضنتهم تركيا على أراضيها خاصة في المناطق المحاذية للحدود وشكلت منهم فصائل عسكرية ضمن التشكيل العسكري المرتزق الذي أنشأته تركيا(الجيش الوطني) والذي يهدد به النظام التركي مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال – شرق سوريا دائماً.

 من جانبٍ آخر عدم وجود مشروع وخطة دولية لمكافحة أسباب الإرهاب والجماعة الارهابية المتطرفة من جذورها وحصر مشكلة الإرهاب في القضاء عليه عسكرياً وترك بقية الأسباب خاصة مسألة التمويل والدعم الذي يقدم للجماعات الإرهابية جانباً، وترك الدول الراعية للإرهاب والتي تثير الفوضى في المنطقة بالاستئثار بهذه الورقة في الضغط على بعض الأطراف المحلية والدولية لتمرير اجندات معينة تُزيد من حجم مشكلة الارهاب ومكافحته وتصعب على القوى التي تحارب الإرهاب فعلاً مهمتها.

لا شك أن التنظيم تعرض لهزائم ونكبات كبرى خلال السنوات الثلاث أو الأربع الفائتة، بعد أن تضافرت جهود محلية ودولية و(إقليمية إلى حدٍ ما) في وقف زحفه وتمدده، خاصة بعد أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من تحرير كافة المناطق الحضرية الواقعة شرق نهر الفرات والتي كانت آخرها بلدة الباغوز حيث أعلنت في الـ23/آذار/2019 عن تحريرها بشكلٍ كامل، لكن التنظيم لايزال يظهر قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية وتهديد مدن وبلدات وقرى، سورية وعراقية، بل وشنّ هجمات نوعية، وهذا ما أكدته قوات سوريا الديمقراطية بعد أن حررت الباغوز آخر المناطق التي احتلتها داعش معلنةً عن كسر شوكة التنظيم عسكرياً في شمال- شرق سوريا عموماً.

كذلك من أسباب بقاء التنظيم وما يملكه  من قدرات عسكرية  هو وجود تشكيلات عسكرية نشطة للتنظيم في مناطق أخرى من العالم ( ساحات ينتشر فيها التنظيم بقوة ) مثل ليبيا ودول الصحراء الأفريقية وأفغانستان وغيرها من المناطق التي لا تتواجد فيها تنظيمات سياسية فكرية قوية تحمي وتوجه شعوبها والقوى العسكرية الوطنية نحو هدف مشترك فكل تنظيم يعمل من أجل مصلحته الخاصة لذا نجد إن هذه المناطق قابعة وغارقة في الفوضى وعدم الاستقرار وبالتالي تشكل بيئة مناسبة لظهور التنظيمات الارهابية وبقوة.

 الحقيقة الأخرى تتمثل في التهميش الدولي المُتعمد  لدور القوى السياسية الوطنية الفاعلة والتي تُعد عاملاً مهماً من عوامل الوحدة المجتمعية وما لها من تأثير على تكوين فكر ديمقراطي وطني جامع يكون بمثابة سد منيع في وجه ثقافة وايديولوجيا  التطرف والإرهاب والأساس في صياغة  العملية السياسية وذلك للانتقال نحو بناء دولة ديمقراطية تكمُن قوتها ومناعتها في نظامها الديمقراطي الذي يصون حقوق جميع المكونات.

بالطبع هناك أسباب أخرى تستفيد منها  بعض الأطراف التي ليس من مصلحتها إرساء دعائم الاستقرار في المنطقة.

يُستدل من كل ذلك، أن السياسات الاقليمية والدولية بكل ما تحمله من تصارع وصراع على المكاسب والنفوذ والتي ساهمت وتساهم في بقاء البيئة المناسبة التي سمحت وتسمح لنشوء الإرهاب بكل مسمياته قائمة، وساعدت في تمدده وتسطحه، لم تتغير بعد، وأنها ما زالت تؤثر على المناخ العام الذي يسمح لخلايا الارهاب وعناصره بالحركة والاختفاء وتنظيم الاعتداءات.

إن “مرحلة ما بعد داعش” لم تأت بعد طالما هناك جهات إقليمية ودولية ليست من مصلحتها نهاية التنظيم والإرهاب عموماً، وأن الاستقرار والحل السياسي، لن تترجم على الأرض طالما هناك ذهنيات ليست بأقل من ذهنية داعش في الرفض والاقصاء وعدم قبول الأخر.

لكن الهزيمة التي ألحقت بداعش أدت إلى تراجع قيمة التنظيم الإرهابي عالمياً وشكلت تشتتاً في النظام السلفي التكفيري العالمي بقيادة حركة الأخوان المسلمين التي تدار وتُقاد من اسطنبول بعد أن وصلت إلى  ذروة قوتها في أواخر عام 2014.

 يبقى أن نشير إلى أن المجموعات التي تبنت قضية مشتركة مع داعش، ما زالت تحتفظ بالبنية الأساسية والقدرات التشغيلية وبشخصيتها وحضورها البارز سواء في سوريا غرب الفرات أو في بقية المناطق الأخرى.

 إعداد: دوست ميرخان

زر الذهاب إلى الأعلى