مقالات

حرائق الساحل السوري… هل هي حربٌ على الطبيعة أم على البشر

جواهر عثمان

لم تكن السنوات العشر الأخيرة التي مرَّت على السوريين عادية وطبيعية بل كانت من أصعب السنين في تاريخ سوريا الحديث، حيث انتفض السوريون كغيرهم من الشعوب العربية المجاورة لينضموا إلى ثورة الربيع العربي، ولكن للأسف كانت تلك الأعوام صيفاً حارقاً على سوريا  من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، حيث ذاق السوريون الويلات والمآسي من أيدي النظام تارةً وعلى أيدي مَنْ سمُّو أنفسهم المحررين لسوريا وتارة أخرى على أيدي التنظيم الإرهابي الأكبر على مساحة سوريا والعراق، ومن كان الداعم لهم من دول إقليمية ودولية، وندرك تماماً أن الذي يدفع ثمن هذا كله هو الشعب السوري بكل فئاته، وأن من تأذى وذاق الأمرَّين هو نفسه بيده الحل وآلية الخروج من هذه الأزمة، حيث إرادة الشعوب وكلمته هي الفصل في كل القضايا، وأن ما آلت إليه الحال في سوريا من أزمة اقتصادية وإنسانية قد أثقلت كاهل الشعب ووضعته في متاهات لا مخرج منها، ورغم قانون قيصر والذي هو قانون يضيق الخناق على النظام فقد خنق الشعب، ومازال النظام متعنتاً بمواقفه التي أدت بسوريا إلى هذه الحال منذ بداية الأزمة إلى يومنا هذا، وبات عالة على الشعب وأغلق جميع الطرق التي تؤدي الى الحلول لهذه الأزمة.

وأصبح الجميع يتلاعب بمصير الشعب السوري، والحرب التي كانت بالوكالة، أصبحت حرب معلنة والتنافس على إثبات الوجود بات واضحاً للعيان، وبين هذا وذاك لازال الشعب يدفع ضريبته “الدم والدموع”، تحت قصف الطائرات وانتهاكات المحتلين والتغيير الديمغرافي والهجرة الممنهجة وصولاً لإحراق سنابل الجزيرة وأشجار زيتون عفرين حتى انتقل التركيز على الساحل السوري لحرق الشجر والبشر لتبدأ من جديد دراما التهجير والتعجيز، وندرك تماماً أن من حرق سنابل الجزيرة السورية هم أنفسهم من أشعل النيران بغابات وأحراج الغرب  السوري، حيث اشعلوا اكثر من خمسين موقعاً من داخل البساتين  في نفس التوقيت، هذا يدل على أنه قد وُظِف لهذه المهمة العدد الوافي لها أو حتى قد استخدمت التكنولوجيا الأحدث. 

ليس كما يدعي أنه ماس كهربائي أو نتيجة حرق الأعشاب، اللعبة باتت واضحة واللاعبين أيضاً ظهروا للعيان.

الروسي يسعى للشراء، والإيراني يسعى للنفوذ، والنظام لازال يقايض على الكرسي العفن،  وليس مهماً له إن ضاعت الأرض او شُرد الشعب، ويرى بأم عينه أن الأرض احتلها الأتراك  ويغلق عينه وأذنه عن ذلك، ولكن عندما تنادي الإدارة الذاتية بالحوار معه يأتي النظام ليتهمها وقسد بالانفصاليين،  ويتكلم عن السيادة السورية، وجميع المعطيات تشير إلى أن مَنْ  طعنَ في السيادة السورية هو الأسد وحاشيته من اللصوص وتجار الحروب حيث جعلوا الروس ينتهكون السيادة السورية وبات يبيعون أرض سوريا رقعة تلو الأخرى، وايضاً أعطوا لإيران حصة الأسد من السياسة في سوريا وأسكنوها في تجاويف قلبها وشرايينها، ولا نعرف لأي مدى اُدخِلَ الاسرائيلي في تضاريس أجهزتها الأمنية والاستخباراتية وعلى ماذا ساوم النظام  ليبقى على ذاك الكرسي المهترئ، وكم من الدماء سفك وانتهك من الأعراض ليحافظ على سلطته القاتلة لسوريا.

ومازلنا واثقين أن الحل يكمن في سوريا وحدها وبين ابنائها وليس في جنيف وأستانا، ولا في الترسانة العسكرية الروسية، ولا بغرف استنبول المغلقة والجميع يعلم بمشروع التمدد العثماني والميثاق الملي الذي أطلق أردوغان أبواق الحرب ليعلن عن مشروعه الاحتلالي الفاشي أمام أعين العالم، وحتى اللحظة لم يتصدَ له أي طرف، فمن هنا نعلم أن الجميع يمرر مشاريعه من خلال حكومة اردوغان والكل يدعم ملفه على حساب الشعب السوري.

ويبقى هنا السؤال إلى متى سيبقى النظام يتسلط على سوريا أرضاً وشعباً؟ وإلى متى سيسمح لهذه الأجندات أن تنزف دماء السوريين؟ وإلى متى الصمت الدولي أمام الانتهاكات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها؟ وإلى متى ستُخترق السيادة السورية؟ ومتى تنتهي حرب التوازنات والتحالفات؟ فالشعب السوري تعبَ من الهجرة والتشرد وهدر الدماء تعب من الحريق المشتعل دائماً في صدور الأمهات السوريات، تعب من التدخلات الدولية والإقليمية وهنا دور الشعب هو محور الحديث، فالشعوب تستطيع تغيير السياسات وإفشال المؤامرات  وتستطيع تقرير مصيرها من خلال توحيد الصفوف وتوحيد الجبهات السياسية والعسكرية وصنع دستور يحمي فيه السوريون أنفسهم وتحصين سوريا من أي تدخل خارجي لتبقى سوريا كاملة متكاملة بأبنائها وبناتها ومن جميع مكوناتها وطوائفها وأديانها التي كانت وستبقى النسيج الضامن لوحدة سوريا أرضاً وشعباً لتعطي بذلك اللوحة الديمقراطية التي نفتخر بها.

فنداؤنا إلى أولئك الذين يدعون المعارضة ولم نراهم يوماً يعارضون شيئاً من الانتهاكات التي تقوم بها تركيا وشقيقاتها من الروس والايرانيين ولا ناهضوا تلك الممارسات اللاإنسانية من قتل للطبيعة وانتهاك قوانين البيئة ولا حتى نددوا ببيان بل العكس أصبحوا يَدْعُونَ على السوريين بالحرق والموت وكأن المدنيين الذين أُحرقت أملاكهم وقلوبهم هم الذين باعوا سوريا وأهانوا القضية، وكأنهم كانوا السبب بأن تصبح المعارضة التي ستكون الحامي والمدافع عن كرامتها قد أصبحت معارضة ارتزاق وقد نسيت سوريا ومحتليها، وذهبت لترتزق في ليبيا وأرمينيا وكأن العالم لا يعرف بأن من يسكن في فنادق العدو ويملئ جيوبه بالدولارات هو تاجر حرب من الدرجة الاولى، وهو لن يكون يوماً طالب حق ولن يناضل لأجل قضية وطنه. بل العكس يجب على الشعب أن يسحب منه الثقة وألّا يُعتبر من مواطني سوريا لأن المواطن السوري أو الوطني الذي دافع عن عرضها وكرامتها؛ هو فقط من حقه أن يعيش فيها ويطالب بمكتسبات، ومن حقه فقط أن يجلس على طاولات التفاوض ليحل المشاكل المتأزمة. 

كما قلنا فأن الدور الآن على الشعب وإرادة الشعب السوري بكل مكوناته وتصميمه على نيل حقوقه المشروعة، وأن يناضل ليعيش حياة كريمة في وطنه الأم.

زر الذهاب إلى الأعلى