مقالات

جوائز نوبل بعد خنق السلام

قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين من الشعوب المضطهدة والمعرَّضة للإبادة لِمَ تختار الأمم المتحدة شخصيات معينة لتمنحها جائزة نوبل للسلام!! وقد فارق السلام ديارهم أو خُنِقَ السلامُ في مهدها لتقول لهم أنتم تسحقون السلام لكن حين نقرر نحن أن نمنحها لكم!

لكن ليس من الغرابة أن يكون هذا التناقض من أمم ترى السلام حسب قوالب ومقاييس أعدت حسب مصالحها ومنافعها؛ فمِنَ المعلوم أن الفرد ــ نوبل ــ هو مخترع الديناميت سنة 1967وسميت جائزة السلام باسمه ومن هنا نجد أن هذا التناقض ليس مصادفة على الإطلاق فلكي ينال شخصية ما السلام فعلى شعبه أو قومه أن يذوق طعم البارود ومادة الديناميت التي صنعت في مصانعهم واُرسِلت من قبلهم للقتلة والارهابيين ومجرمي الحرب.

 فهذه الشخصية التي تم منحها جائزة نوبل (للسلام) هي من تلك الشعوب التي عانت الظلم والاستبداد على مرأى ومسمع هذه الأمم ولم نرها ترفع من صوتها وتتخذ موقفاً مسانداً لهذه الشعوب التي لا تزال تجابه هذه النظم المستبدة وتقاومها، ولكن هذه الأمم وعلى النقيض من جوائز سلامها تَرَكت هذه الشعوب للإرهاب والتهجير والسبي والقتل أو تضع هذه الشعوب ومقاومتها في لوائح سوداء للإرهاب؟

حقيقة إن المتابع لمسيرة هذه الاختيارات وجوائز السلام الممنوحة لشخصيات لها وزنها في مقارعة الدكتاتوريات والعنصرية والاستبداد والمحتلين سيجد نفسه في تناقض كبير بين آلية الاختيار والساحة الواقعية المرافقة لهذه الشخصيات أو لنقُل بطريقة أكثر إيضاحاً إن الأمم المتحدة والمؤسسات المانحة للجوائز العالمية تغدق ثناءها بعد وقوع الكارثة أو المقاومة التي تحققها الشعوب وشخصياتها التي تعتبر جزء من تكوين تلك الشعوب، ومقاومتها ونضالها فعلى سبيل المثال لا الحصر مَنْحُ جائزة السلام للمناضل الأممي نيلسون مانديلا جاءت بعد مقاومة استمرت لعشرات السنين ضد العنصرية وقبوع مانديلا في السجن لأكثر من عشرين سنة من حياته فهذه الأمم صاحبة جوائز السلام أو النوايا الحسنة! وضعت مانديلا ومقاومته المجتمعية على لائحة الإرهاب العالمية؟ لتقوم بمجازاته بجائزة للسلام بعد أن انتصر الشعب في جنوب أفريقيا على العنصرية والتمييز العرقي وفضحت بهتان هذه الأمم وضربت تصنيفاتها الانتقائية للإرهاب عرض الحائط.

كذلك الواقع الكردي يعتبر مثالاً حياً لهذه الجوائز الانتقائية المتناقضة للسلام وهذا ما بدا ظاهراً عندما قررت السلطات التركية منح «جائزة اتاتورك للسلام» في العام 1992 إلى مانديلا تقديراً لنضاله ضد الاستعمار ولكن مانديلا رفض الجائزة احتجاجاً على التمييز العنصري ضد الكُرد في تركيا واضطهادهم في إشارة ضمنية إلى أن ما يطبق ضد الشعب الكردي في تركيا شبيه بما كان يمارسه البيض في جنوب أفريقيا ضد السود من تمييز عنصري وبالتأكيد موقف مانديلا كان رسالة نقدية شديدة ضد القوميين الأتراك ونزعتهم العنصرية ضد الشعب الكردي في البلاد ورسالة موجهة لبعض الدول في الأمم المتحدة التي تصنف مقاومة الشعب الكردي بالإرهاب.

وكذلك قيام مجلة التايم الأمريكية العالمية باختيار القائد الكردي عبدالله أوجلان ضمن قائمتها السنوية للشخصيات المئة الأكثر تأثيراً في العام ونيل أفكاره وفلسفته جوائز وتكريم من مؤسسات وبلدان عدة يضع المرء أمام تناقض واستغراب من المواقف التي تبديها البلدان والدول المتواجدة في الأمم المتحدة تجاه الشعب الكردي ونضاله ضد الاحتلال والدكتاتورية التركية فقد أقدمت هذه الدول وعبر مؤامرة كونية دنيئة في أسر القائد عبد الله أوجلان وتسليمه للفاشية التركية وإيداعه السجن منذ ما يقارب التسعة عشرة عاماً وتصنيف نضال الشعب الكردي ومقاومته في شمال كردستان ضمن قوائمها الانتقائية المنفعية  للإرهاب؟!

كما إن اختيار الفتاة اليزيدية نادية مراد كسفيرة للنوايا الحسنة ومنحها مؤخراً جائزة نوبل للسلام من قِبَل الأمم المتحدة وذلك بعد أن وقَعَت كارثة شنكال منذ ما يقارب الخمس سنوات وقيام داعش بقتل الآلاف من الشعب الكردي في شنكال وسبي ما يقارب خمسة عشر ألفاً من بناتهم وبيعهم في أسواق النِخَاسَةِ والعبيد والجواري أمام مرأى ومسمع الأمم المتحدة هذا الشعب الذي لم يبدِ يوماً نيَّة سيئةً تجاه أي شعب أو دولة أو طائفة كان يستحق أن يُوضع بأكمله من ضمن الشعوب الأكثر نبلاً وأخلاقاً في العالم والأكثر تعرضاً للإبادة والصَّهر في الكونِ، وقد كان وما يزال من أكثر الشعوب السباقين في الدفاع عن كرامة الإنسان وقيَمِهِ وهذا ما أثبتته الوقائع الجارية في الشرق الأوسط والعالم فلم تستطع هذه الأمم صاحبة النوايا الحسنة ومانحة جوائز السلام المتأخرة بكل قواها وجيوشها وجبروتها من مجابهة الإرهاب العالمي المتمثل بداعش ومثيلاته ولكن الشعب الكردي وبما يمتلكه من قيم حضارية وأخلاقية وعبر قواته المقاتلة في وحدات حماية الشعب والمرأة  والكريلا (قوات الدفاع الشعبية )أوقفت هذا المد الإرهابي الداعشي عند حده وانتصرت عليه وأنقذت مئات الآلاف من وأوقفت سفك الدماء ورسَّخت اُسس فكرية وأخلاقية أصيلة أبهرت العالم بفلسفتها وقيمها وأجبرته للوقوف باحترام أمام مقاومتهم وتضحياتهم التي أنقذت البشرية من شر مطلق، وعلى النقيض من ذلك نجد تلك الأمم صاحبة النوايا الحسنة ومانحة جوائز السلام تقف عاجزة ومترددة  ومتناقضة في مواقفها لتقديم العون والمساندة لهؤلاء المخلصين الحقيقيين للكون أجمع، وعلى العكس نجدها تتودد لصانعي الإرهاب ومموليه حسب ما تقتضي مصالحهم ومنافعهم ضاربة كل القيم الإنسانية عرض الحائط لتعود وتتمسك بقوائمها السوداء للنوايا الإرهابية وتلوح بها في وجه القوى الحقيقة التي دحرت الإرهاب ومموليه وأنقذت العالم من شره.

زر الذهاب إلى الأعلى