مقالات

تناغم الإرهاب بين تركيا وداعش هل أنتجه التآمر الاستخباراتي أم غفلة إقليم كردستان؟!

ياسر خلف

إن من أفظع أنواع الإرهاب هو الإرهاب المُنظَّم الذي تمارسه الدولة لقمع وإبادة شعوبها، وهذا الإرهاب يتم تحت نوع من الغطاء القانوني وأحكامه، وخاصة في ظل قوانين الطوارئ والأحكام العُرفية والقوانين الاستثنائية المتعلقة بما يسمى بأمن الدولة، وقد يكون أفضل استدلال على هكذا حالات هو الواقع الذي يعيشه الشعب الكردي منذ ما يقارب الأربعة قرون منذ توقيع اتفاقية “قصر شيرين” بين الصفوية الإيرانية والعثمانية التركية عام  1639 والتي بموجبها تم تقسيم كردستان إلى جزأين ولاحقاً اتفاقية “لوزان وسايكس بيكو” اللتان بموجبهما تم تقسيم الجزأين بين كل من “تركيا وإيران وسوريا والعراق” ومنذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة لم تتوقف ممارسة الإرهاب المنظم لهذه الدول بحق الشعب الكردي ليصل إلى حد الإبادة الجماعية كما حدث في “الأنفال وحلبجة وكليي زيلان” وغيرها العشرات من الجرائم المنظمة التي ارتكبتها وترتكبها هذه الدول كالإعدامات اليومية بحق الوطنيين الكرد في شرقي كردستان “إيران الحالية” وكذلك الأحكام الجائرة التي أصدرتها حكومات البعث في كل من العراق وسوريا كدراسة الضابط البعثي “محمد طلب هلال” بحق الكرد والتي تقتضي بموجبها إحداث تغيير ديمغرافي ممنهج بهدف تهجير الكرد وبناء مستوطنات على طول الحدود المصطنعة بين كل من “سوريا وتركيا” والتي تعمل تركيا حالياً عبر مرتزقتها ومجاميعها الإرهابية لإبادة الشعب الكردي وتغيير التركيبة السكانية في روج افا وشمال كردستان وصولاً لجنوبها.

إن هذا الإرهاب المنظم التي تمارسه حكومات هذه الدول بحق الشعب الكردي يتم بتناغم وتنسيق تام بين هذه الدول؛ فعملية التهجير المنظم سواء في المناطق التي تحتلها تركيا في كل من “عفرين وسري كانيه وكري سبي” وكذلك عمليات التشويق للهجرة عبر خطوط النقل التركية سواء براً أو بحراً أو جواً تتم بشكل مخطط ومدروس والتي افتُضِحَ أمرها مؤخراً في بلاروسيا حيث اتهمت صراحةً العديد من دول الاتحاد الأوربي تركيا بالوقوف وراء أزمة اللاجئين في بيلاروسيا عبر تسيير خطوطها الجوية لعشرات الرحلات اليومية إليها كنوع من الابتزاز المتجدد للقارة العجوز وإفراغ إقليم كردستان من سكانه الأصليين حيث كان جلهم من الكرد، وهنا ينبغي التنويه إلى أن اللقاءات الاستخباراتية بين هذه الدول لم تتوقف لحظة واحدة، والهدف معروف وهو الحيلولة دون حصول الشعب الكردي على أية حقوق أو صيغة قانونية يضمن حقوقه المشروعة، وهذا ما جرى التأكيد عليه في اللقاء الاستخباراتي الأخير في بغداد بين كل من رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام السوري “علي مملوك” ورئيس جهاز الاستخبارات التركي “حقان فيدان” والذي سبقه اللقاء الاستخباراتي بين الطرفين في أوائل عام 2020 في روسيا حيث أعقب اللقاء الحملة التركية على مناطق الدفاع المشروع في “زاب وقنديل وآفاشين” وغيرها من المناطق الكردستانية والتي لاتزال مستمرة حتى اللحظة؛ حيث استخدم الاحتلال التركي في هذه الحملة جميع صنوف الأسلحة وصولاً للأسلحة المحرمة دولياً؛ كما أن تركيا جندت لحملتها مختلف فصائل المرتزقة ومنها ما تسمى جماعات (بيشمركة روج) المتواجدة في مناطق سيطرة البرزاني وتُموَّل بشكل مباشر من الاحتلال التركي حيث استشهدت على يدها مؤخراً مجموعة من قوات الكريلا في كمين نصبته لهم هذه الجماعات، ولا تزال جثامين الكريلا  بيد قوات البرزاني رغم جميع مناشدات واعتصامات الأهالي بتسليمها لذويهم. ومن هذا المنطلق وبناء على الأنباء والتقارير الواردة من جنوب كردستان فأن الهجمات الإرهابية التي شنتها مرتزقة داعش على قرى كركوك تمت بتنسيق تام مع تركيا عبر قواعدها المنتشرة في جنوب كردستان وبشكل متزامن مع الاستهداف المتكرر للمسيرات التركية للرموز الوطنية في كل من “شنكال و”روج آفا” في شمال وشرق سوريا حيث استشهد على إثرها الرئيس المشترك للإدارة الذاتية في شنكال “مروان بدل خوديدا” وكذلك استشهاد “يوسف كولو” وثلاثة من أحفاده مؤخراً في “قامشلو” حيث يمكننا التأكيد هنا أن أعداء الشعب الكردي ومهما بلغت حدة الخلافات بينها فأنها تلتقي على طاولة المؤامرات حين يتعلق الأمر بالشعب الكردي وقضيته العادلة وخاصة دولة الاحتلال التركي ونظام حكمها برئاسة اردوغان حيث ينكرون حتى وجود الشعب الكردي كما جاء مؤخراً على لسان وزير الخارجية التركية “خلوصي أكار” الذي نفى وجود جغرافية باسم كردستان ليس داخل تركيا فحسب بل أنكر وجود إقليم كردستان المعترف دولياً داخل العراق الاتحادي!!

فهل يتعظ قادة الديمقراطي الكردستاني العراق، ويستفيقوا من غفلتهم ويراجعوا أولوياتهم الوطنية والكردستانية ويغلبوا مصلحة شعبهم على مصالحهم المنفعية الضيقة قبل فوات الأوان ولا يعيدوا تاريخ وتجربة “حسن خيري”؟ التي لا تزال ماثلة للعيان عبر أبواق الأنكسة في الخارج وما تًسمى رابطة (المثقفين الكرد) الذين يَدْعُون علانية الاحتلال التركي لاجتياح روج آفا وشمال سوريا ولن يختلف دورهم في إقليم كردستان إن حققوا مآربهم في روج آفا وشمال كردستان؛ طبعاً وهذا لن يتم إلا بالقضاء على كل الشرفاء والمقاومين من الشعب الكردي الذين ترعرعوا على فكر وفلسفة حركة التحرر الكردستاني الذين يجابهون المحتل التركي منذ قرابة النصف قرن من الزمن حيث مُنِيَ المحتل التركي بالهزيمة في جميع حملاته العسكرية المتعاقبة حتى هذه اللحظة.

زر الذهاب إلى الأعلى