آخر المستجداتالأخبارالعالمسورية

تسعة وتسعون سنةً على معاهدة “الجريمة الكبرى بحق الكُرد” لوزان

مضت تسعة وتسعون سنةً على توقيع معاهدة الغدر (لوزان) على أنقاض معاهدة “سيفر” عام 1920 بين الحلفاء في الحرب العالمية الأولى والجانب العثماني والتي بموجبها (سيفر) أبرمت الدول المنتصرة “فرنسا وبريطانيا وإيطاليا” اتفاقية مع ممثلي الدولة العثمانية المهزومة وأرغمت تركيا على التخلي عن سلطتها على الأراضي التي كانت تحتلها وأعطيت الوعود للقوميات بحق تقرير المصير وحصول كردستان على الاستقلال وفقاً للباب الثالث للمادتين 62 و63 والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استناداً إلى نص البند 62 الذي يقول: إذا حدث خِلاف خلال سنة من التصديق علي الاتفاقية، يتقدم الكُرد القانطون في المنطقة التي حددتها المادة “62” إلى عُصبة الأمم قائلين: إن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حال اعتراف عصبة الأمم بأن هؤلاء السكان أكفَّاء للعيش في حياة مستقلة، توصي بمنح هذا الاستقلال، وعلي تركيا أن تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة، وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعاً لاتفاقية منفصلة تُعقَد بين كبار الحلفاء وتركيا، إلا أنه سرعان ما تم تخلي الحلفاء عن هذا البند لصالح القوميين الأتراك بموجب اتفاقية عام 1923 (لوزان) والتي بموجبها رُسمت حدود تركيا الحالية ومكنتها من ارتكاب المجازر بحق الأرمن والكرد.

وبينما تدغدغ أحلام الماضي المطامع الاستعمارية لتركيا، انخرطت أنقرة في أعمال عسكرية داخل كل من سوريا والعراق واليونان وأرمينيا وشبه جزيرة القرم…. والكثير من البلدان والدول العربية والغربية.

و على مدار السنوات الماضية لفت أردوغان انتباه المراقبين الدوليين لأجندته التوسعية أو ما يوصف بـ”العثمانية الجديدة”، التي تقف وراء انتقاداته المتكررة لاتفاقية لوزان.

وفي هذا الصدد قالت ـ في وقت سابق ـ مجلة “وورد بوليتيكس ريفيو”: إن تركيا تتخذ الآن خطوة كبيرة لإنهاء الوضع الإقليمي الراهن الذي أسسته معاهدة لوزان، ودلالات هذه الخطوة بدأت من إقدام الرئيس التركي على تحويل متحف آيا صوفيا الذي بناه البيزنطيون ككاتدرائية في القرن السادس الميلادي إلى مسجد، كذلك كلام أردوغان أمام تجمع لممثلي الأحياء التركية عام  2016 حيث قال: حاول البعض جعلنا نحتسب لوزان كنصر، ونتيجة لوزان، تنازلنا عن الجزر القريبة جداً (في إشارة إلى الجزر اليونانية جزر بحر إيجة)، ما زلنا نكافح بشأن ما سيكون عليه الجرف القاري وما سيكون في الهواء وعلى الأرض.

وفي هذا السياق تروِّج وسائل إعلام تركية منذ سنوات إلى أن معاهدة لوزان ترتبط بصلاحية تنتهي بعد 100 عام من توقيعها، أي بحلول 24/ يوليو (تموز) 2023، ما يعني استرداد تركيا الأراضي التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، ولكن المراقبين والسياسيين يصفون هذا الأمر بـ”البروباغندا السياسية”  نظراً لعدم وجود تاريخ انتهاء صلاحية المعاهدة.

وفي هذا الشأن أوضح السفير المصري السابق لدى أنقرة عبد الرحمن صلاح الدين، أن اتفاقية لوزان ليست لها مدة صلاحية ولا يمكن تعديلها سوى بموافقة جميع الأطراف الموقعة عليها.

ويقول الباحث السياسي التركي لدى جامعة توروك في فنلندا “عبدالله سنسر جوزوبينلي” على موقع “ريسيرش جيت”، المتخصص في الدراسات والأبحاث الأكاديمية: إن الأمر لا يتعدى واحدة من الأساطير الممتعة ونظريات المؤامرة التي يطلقها الساسة الأتراك على المعاهدات التي تم توقيعها قديماً، بينما مسؤولو حزب العدالة والتنمية يروجون لهذه الفكرة منذ مدة طويلة وأن الاتفاقية سينتهي مفعولها في صيف العام المقبل وستتحرر تركيا من قيود الاتفاقية وتعمل على استرداد ما فقدته قبل مئة سنة.

وما بين نفي نوايا أردوغان تارة وإثباتها تارة أخرى، تؤكد المعطيات والمسار السياسي للدولة التركية أن الخرائط الذهنية والقلبية لأردوغان تتعدى خرائط اتفاقية لوزان، وأن هذه الاتفاقيات والمعاهدات ليست إلا تحصيل حاصل في زمن الهزيمة.

وبهذه المناسبة قال رئيس تحرير جريدة الشمس نيوز “محسن عوض الله” لموقع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD:

ــ أعتقد أن تركيا تسعي للتحرر من تلك الاتفاقية التي مهّدت لقيام تركيا بشكلها الحالي، كما أنهت وجود الدولة العثمانية.

ــ اتفاقية لوزان أنهت وجود اتفاقية سيفر التي تم توقيعها عام ١٩٢٠ونصّت على حل القضية الكردية، ولكنها لم تطبق وبقيت حبراً على ورق حتى جاءت معاهدة لوزان وألغت بنودها بشكل كامل لتنتهي معها حق الكرد في قيام دولتهم المستقلة كردستان أسوة ببقية القوميات والأجناس التي حصلت على حقها في تأسيس دولة في تلك الفترة من تاريخ الشرق الأوسط والعالم.

ــ الغريب أن معاهدة لوزان ورغم ما منحته لتركيا إلا أن قطاع كبير من الأتراك وعلى رأسهم أردوغان نفسه يرفضون الاتفاقية وينظرون لها نظرة سلبية، وليس أدل على ذلك من تصريحات الرئيس التركي وهجومه على المعاهدة في أكثر من مناسبة، وتأكيده أن معاهدة لوزان لم تكن انتصاراً لتركيا، وأن من وصفهم بـ (خصوم تركيا) هم من أجبروها على توقيع معاهدة سيفر عام 1920 وتوقيع معاهدة لوزان 1923 !”

ــ أردوغان ونظام العدالة والتنمية يسعيان للعودة لِمَا قبل اتفاقية لوزان واستعادة أمجاد العثمانيين ومناطق نفوذهم وتطبيق (الميثاق الملّي) الذي يَعتبر أجزاء كبيرة من الدول العربية جزءاً من الوطن التركي الكبير الواجب استعادته، وانطلاقا من ذلك لا يتوقف أردوغان عن التدخل في شؤون الدول العربية وتنفيذ مخططات لاستقطاع أجزاء منها كما حدث في سوريا ويحدث في العراق، فضلاً عن نشر ميليشياته بليبيا.

ــ بعد قرابة المائة عام يشكو أردوغان من ظلم معاهدة لوزان وأنها ليست انتصاراً للأتراك رغم أنها أسست دولتهم وحرمت الكُرد من دولتهم، ومنذ توقيع الاتفاقية والكرد بتركيا يواجهون أبشع الجرائم والمجازر على يد الدولة التركية باختلاف النظم الحاكمة وسط صمت وتواطئ دولي كبير.

ــ ربما يجب إعادة النظر في اتفاقية لوزان مع مرور قرن على توقيعها وتقييم مدى التزام تركيا بنصوص الاتفاقية وموادها القانونية التي توجب على تركيا احترام حقوق الأقليات وحماية الحريات الدينية ومنح الشعوب داخل تركيا وعلى رأسهم الشعب الكردي حق تقرير مصيرهم سواء بالبقاء جزء من تركيا كما نصّت معاهدة لوزان أو منحهم حق الاستقلال كما نصّت معاهدة سيفر قبل الغائها.

وحول الغدر بالشعب الكردي جرّاء اتفاقية لوزان، يقول الدكتور “آزاد أحمد علي”:

لقد تم بموجب معاهدة لوزان القفز فوق مقترح إجراء انتخابات حول حق تقرير المصير السياسي لكُردستان العثمانية بناء على اتفاقية سيفر وتم دفن مشروع استقلال كردستان والانتقال إلى مشاريع فرعية لتقسيم كردستان وإزالة ثقافة شعبها وطمس هويته، ما يُحسب انتصاراً كبيراً لتركيا من هذه الزاوية.

ويضيف: من حيث الجوهر شكلت معاهدة لوزان أحد أهم المحطات القبيحة للتسوية السياسية وتقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، والتي تم بموجبها التمهيد لبناء (جمهورية تركيا) بحدودها الراهنة وجعلها دولة قابلة للحياة، بعد أن اختزلت السلطنة العثمانية في ثلاث ولايات داخلية من أناضول الغربية. لكن القوى الأوربية المنتصرة توافقت مع تركيا وبالتنسيق – بصيغة ما – مع روسيا السوفيتية على تأمين مصالح كل الدول الموقعة على المعاهدة، في ظل غياب تام لممثلي كردستان وأرمينيا والبلاد العربية.

وفي الصدد، قال عضو حزب الاتحاد الديمقراطي PYD سليمان أبو بكر:

إن ما يصدر من تحركات عن أردوغان بالوقت الراهن في عدة دول تؤكد عزمه على استعادة حدود ما قبل لوزان، أي إعادة بناء الدولة العثمانية، وفرض هذه التدخلات على دول الحلفاء للقبول بها، وهذا ليس إلا برهان آخر على نقض وضرب المواثيق الدولية التي أبرمت آنذاك ولا يعترف بها أردوغان.

يُشار إلى أنه في 21 يوليو 2022 غرَّد مستشار أردوغان (أيهان أوغان) على تويتر قائلاً: لدينا الحق بالحديث عن مستقبل سورية أكثر من عائلة الأسد

وأضاف: يعيش تحت حماية تركيا 3.7 ملايين مواطن سوري،  و4 ملايين يعييشون في إدلب بـ (ضمانة) بلاده ويعيش مليوني سوري في (المناطق الآمنة التي أنشأتها).

وقال أيضاً: إن سياستنا الأساسية هي التوافق مع جيراننا والفوز معاً، وإذا تم تجاهل مخاوف تركيا الأمنية واستفزازها، ستشكل تركيا خطاً أمنياً جديداً من حلب إلى الموصل.

وفي توصيف معاهدة لوزان يقول الدكتور آزاد علي:

ــ معاهدة لوزان 1923 غير مشروعة ولا تمتلك الشرعية القانونية ولا الاخلاقية وقد طمست حق شعوب المنطقة وخاصة حق شعب كردستان في تقرير مصيرها السياسي.

ــ شكلت تلك المعاهدة بداية الغدر بالكرد ومهادنة لعملية تذويب لهويتهم وثقافتهم، بل ساعدت حكومة تركيا للسير على منهج سياسات الإبادة الجماعية.

ــ أحد نتائج هذه المعاهدة الغادرة تنفيذ العديد من المجازر بحق مجتمعات كردستان، كانت إحدى أكبر هذه المجازر من نصيب الجزيرة الفراتية، فقد نفذت في عام 1925 مجزرة بحق قرويي منطقة آليان، وتم تجميع الأهالي العزّل في قرية آلا قمش وجرت عملية قتل جماعي وحرق حوالي 1450 شخص من الرجال والنساء والأطفال مع عدد من المصاحف التي كانت في أيدي بعض السكان للحماية بالكتاب المقدس ودرء خطر القتل… واستمرت هذه المجازر وأعمال العنف ضد شعبنا بصيغ مختلفة حتى يومنا هذا.

ــ التأكيد على أن كل الأطراف الموقعة مع الطرف التركي على هذه المعاهدة هم شركاء ومشاركين في تلك الجرائم الموجهة ضد الإنسانية وضد شعب كردستان بشكل خاص وخاصة حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.

ــ يجب المطالبة من الجهات الدولية على انهاء هذه المعاهدة والتعويض عن الأضرار التي لحقت المجتمعات والأفراد جراء تطبيقها.

وفي سياق المناسبة وقبيل مئوية لوزان، دعا مثقفون وحقوقيون كُرد إلى تشكيل مرجعية قانونية كردية موحدة، من سياسيين وقضاة ومحامِين، لدراسة الثغرات القانونية في اتفاقيتي سيفر ولوزان وتقديمها إلى المنظمات والمنصات الدولية الفاعلة وعلى رأسها الأمم المتحدة للمطالبة حسب القانون الدولي الموصوف بحق الشعوب في الحرية، للمطالبة بحقوق الشعب الكردي، إذ إن منطقة الشرق الأوسط والعالم تشهد مخاض ولادة جديدة وتمر بنفس الظروف والأحداث قُبيل توقيع اتفاقيتي سيفر ولوزان وخصوصاً أن التوقيع على معاهدة لوزان لم تشهد تمثيلاً كردياً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى