المجتمعمانشيت

تزايد حالات الانتحار في مجتمعنا ….إلى أين؟!

ارتفعت معدلات الانتحار في سوريا بشكل عام خلال السنوات الأخيرة بصورةٍ حادة ومقلقة، مقارنة مع ما كانت عليه قبل سنوات الأزمة التي تعيشها البلاد منذ عام 2011، وبما أن روج آفا جزءٌ لا يتجزأ من الأرض السورية، فلا نستثني منها حالات الانتحار هذه؛ والتي لوحظ انتشارها بشكل غريب، فالانتحار إذن .. هو ذلك الفعل الذي يقوم به الشخص لإنهاء حياته عن سابق إصرار وترصد بعملية القتل الذاتي.

فالانتحار هي تلك الجريمة التي يرتكبها الشخص ضد نفسه بعد وصوله إلى مرحلة من اليأس التام، وهي ظاهرة عالمية لا تحدث في دولٍ مُعينة دون الأخرى، ولكن هناك تفاوت في الأرقام حيث قدرت الاحصائيات الخاصة بالانتحار أن هناك ما بين 800 ألف إلى مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً نتيجة الانتحار.

لذا سلطت صحيفة الاتحاد الديمقراطي الضوء على هذه الظاهرة التي احتلت المرتبة العاشرة عالمياً من أسباب وفاة البشر، ومع تزايد حالات الانتحار في الآونة الأخيرة في مناطقنا أعدت الصحيفة بصدد هذه الظاهرة المؤسفة التقرير التالي لبعض حالات الانتحار والبحث في الأسباب والعلاج.

الأسباب والعوامل المؤدية إلى الانتحار

هناك العديد من الأسباب التي تدفع الأنسان إلى حادثة الانتحار وإنهاء حياته؛ منها معاناة الشخص من بعض الأمراض النفسية والاكتئاب أو إدمان الشخص المنتحر على شرب المواد الكحولية والمخدرات، كما أن هناك مشاكل عائلية في العلاقات الشخصية؛ كذلك مسألة اليأس وفقدان الأمل والسبب الأهم هو معاناة الشخص المنتحر من مشاكل مادية مثل الديون أو الإفلاس مما يؤثر بشكل كبير على نفسيته ويدفعه للهرب من تلك المشاكل بالانتحار، حيث تبين أن أكثر من 79% من حالات الانتحار يعود سببها إلى الوضع المعيشي وإلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها بلادنا نتيجة الأزمة الممتدة لثماني سنوات، إضافةً إلى الخوف وفقدان الأحبة والنكبات التي طالت عوائل عديدة، ففي الآونة الأخيرة ازدادت حالات الانتحار بين اللاجئين والنازحين نتيجة انهيار أصابهم لعدم قدرتهم على التعامل مع ضغوط  الحياة التي فُرضت عليهم نتيجة الأزمات المادية والأمنية في بلدانهم، الأمر الذي ترك آثار نفسية عميقة على تلك العوائل.

أكثر الفئات العمرية التي تنتشر بينها حالات الانتحار تمتد ما بين 15إلى 34سنة، ولكن ثمة حالات كثيرة تم تسجيلها بين فئات عمرية تصل إلى 60سنة كما شوهد حالة انتحار لرجل سبعيني سنتناوله في الفقرة اللاحقة، ناهيك عن مشاكل اجتماعية فرضتها ظروف مختلفة كحالات الانفصال بين شخصين أو الطلاق وفشل العلاقات الزوجية وقلة الوعي والتعليم.

 

حالات الانتحار في روج آفا

بتاريخ 1/5/2017 أقدم جهاد حسين ابن حي قناة السويس بمدينة قامشلو على إنهاء حياته شنقاً في ظروف غامضة، على العلم من أن جهاد كان
مدرس في اللغة العربية.

ويذكر أن فتاة تدعى ميري من مدينة الحسكة تبلغ من العمر  15 عاماً انتحرت شنقاً إثر خلاف عائلي، حيث كانت الفتاة قد نجحت في الصف التاسع كما وتضاربت الأبناء حول الحادثة.

ويقال أن رجل في السبعين من العمر من بلدة شيران التابعة لمقاطعة كوباني انتحر حيث قام بشنق نفسه في بيته الكائن في أحد مخيمات اللاجئين بمدينة السليمانية ولدية ستة أولاد وتعد حالة الانتحار هذه نادرة فرغم تسجيل عدة حالات انتحار في كوباني إلا أن أغلبها كانت بين الفئات العمرية الصغيرة والشابة ولم يسبق أن انتحر رجل سبعيني.

وحادثة انتحار أخرى للمدعو ياسر نبعوني من قرية عاكولة التابعة لريف قامشلو أقدم على الانتحار بعد حرق نفسه داخل منزله بمادة البنزين.

وهناك حالة أخرى لفتى في الثانية عشر من العمر يسكن  في جنوب مدينة الشدادي أقدم على الانتحار بطلق ناري، وحسب شهود من المنطقة، فإن عائلة الفتى تعاني من أوضاع مادية صعبة جداً.

وقبله أقدم رجل بقرية خربة عمو جنوبي قامشلو على الانتحار بإطلاق رصاصة على رأسه.

وأيضاً انتحار الشاب رشيد من عفرين الذي كان يعيش في مدينة برغن بالنرويج، ويذكر أن السبب وراء ذلك كما يقول جيرانه إنه قام بخطبة فتاة وعند وصلها للنرويج تم إرجاعها إلى بلد أوربي آخر بسبب البصمات وعند رجوعها  قامت بالزواج من شاب آخر وتركته.

الوسائل والأساليب المستخدمة في عملية الانتحار

 هناك العديد من الوسائل والطرق التي يستخدمها الشخص المنتحر لإنهاء حياته عن طريق تناول السم أو استخدام سلاح ناري “المسدس” الذي بات انتشاره واسعاً بسبب الحروب وبات الحصول عليه من أسهل الأمور، كما يمكن الانتحار عن طريق استنشاق مواد سامة أو الغاز واستخدام الأدوات الحادة كـ السكين والشفرات لقطع الشرايين وتناول الشخص لجرعات زائدة من المخدرات بأنواعها أو أدوية ذو عيار عال جداً بالإضافة إلى وسائل  أكثر شيوعاً إلقاء المنتحر بنفسه من أماكن مرتفعة أو شنق نفسه أو حرقها.

كيفية الحد من ظاهرة الانتحار ومنعها

تلجأ العديد من الدول حول العالم إلى الإقلال من نسب إقبال مواطنيها على الانتحار كما ونتمنى من هيئات ومؤسسات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا العمل بجهود متضافرة للإقلال من عمليات الانتحار عن طريق الحد من الحصول على الأسلحة النارية المتوفرة بيد الأهالي، ووضع الشروط والقوانين الصعبة لامتلاكها، كذلك توفير العلاج النفسي وبناء مراكز صحية لحالات مرضى النفس والاكتئاب ، حيث أنه قد ثبت أن العديد من حالات الانتحار للأشخاص كانت ذات أبعاد نفسية وإلى جانب هذا يجب العمل على نشر التوعية المجتمعية بخطورة المواد المخدرة والكحول والآثار السلبية الناتجة عن تعاطيها من خلال نشر منشورات ودورات تعليمية في مراكز الكومين في كل حي لتوعية الأهالي ومحاربة انتشار اليأس الذي قد يؤدي إلى زيادة معدلات الانتحار، ومن خلال قراءة ما سبق نستخلص أن الانتحار حالة مَرَضيَّة تؤثر فيها عوامل اجتماعية وثقافية وبيئية ولكن علينا جميعاً التكاتف من أجل توقيفها من خلال الالتزام بمكافحة تلك الأسباب الآنفة الذكر التي يمكن أن تؤدي إليها بالتعاون مع الجهات المختصة ونشر وسائل توعية متطورة لوضع خطط وقائية لمنع الانتحار.

احصائيات منظمة الصحة العالمية لظاهرة الانتحار

أما منظمة الصحة العالمية التي حددت ومنذ عام  2003 يوم 10سبتمبر من كل عام يوماً عالمياً لمنع الانتحار وذلك بهدف توحيد جهود العالم من أجل ضمان منع الأفعال التي يقوم بها أناس من أجل إنهاء حياتهم.

هذا وما يزال منع الانتحار يمثل تحدياً عالمياً في جميع دول العالم وأكدت المنظمة أن الانتحار يعد أحد أهم 20 سبب رئيسي للوفاة على مستوى العالم، وأصبح مأساة حقيقية أكثر انتشاراً مما نظن، إذ تشير تقديرات المنظمة أن عدد ضحايا الانتحار في عام 2016 بلغ نحو 793 ألف شخص حول العالم، وأكثرهم من الرجال، حيث لا يزال هذه الظاهرة تتصدر أسباب الوفاة بين الرجال من هم تحت سن 45 عاماً، في حين أن هناك تفاوتاً في معدلات الانتحار بين الجنسين، إذ يمثل عدد المنتحرات نحو ثلث عدد المنتحرين، وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، سجلت أكثر من 15 حالة انتحار للرجال من بين كل 100 ألف رجل في نحو 40 في المئة من دول العالم ويعود السبب في ذلك كما ذكرت المنظمة سهولة الوصول لوسائل الانتحار هي أحد أهم العوامل التي تسهم في زيادة مخاطر هذه الظاهرة بين الرجال، بالنظر إلى أن ستة من بين كل 10 من الرجال لديهم أسلحة.

ووفق احصائيات أجريت تبين أن أكثر من نصف ضحايا الانتحار أزهقوا أرواحهم بالأسلحة، بالإضافة إلى عوامل أخرى جعلت نسبة الانتحار بين الرجال أكثر منها لدى النساء وينزع الرجال إلى إخفاء مشاعر الضعف وعدم الاعتراف بها، وقد يكونون أكثر تحفظاً من النساء في كتمان المشاعر التي تُعد من أهم العوامل التي تزيد مخاطر الانتحار، بينما لا تجد النساء غضاضة في التنفيس عن مشاكلهن والتحدث عنها مع الآخرين، إن الرجال أقل استعداد لطلب الاستشارة النفسية ومراجعة طبيب نفسي، وتزايد معدلات تناول الخمر وإدمان المخدرات بين الرجال، ما يجدونه محاولة الهروب من اليأس الذي يتملكهم، وكل هذا يزيد من مخاطر الانتحار .

الخلاصة

هناك العشرات من حالات الانتحار التي تمت لأسباب مختلفة سواء أكان المنتحر ذكراً أم أنثى، كل هذه الأمثلة الآنفة الذكر لأشخاص قاموا بإنهاء حياتهم، وما دفعهم إلى هذا فقدان الرغبة في متابعة هذه الحياة التي لن يتوقعوا منها سوى الأسوأ، الأمر الذي دفعهم  إلى الانتحار كل هذه الأمثلة وغيرها تتجلى عند فقدان الإنسان الإيمان بالقدرة على تغيير ظروف حياة روتينية معينة ما جعله يفقد اتزانه ويصاب بكآبة تدفعه إلى إنهاء حياته بالانتحار بسبب عدم قدرته على تغيير الواقع الذي يعيشه والذي قتل روح  الإيمان والأمل بداخله، كل هذه الأمور يجب على المعنيين الوقوف عليها والعمل من أجل الوصول إلى حلول تساعد على الحد منها وإنقاصها إلى النسب الدُنيا المتوقعة وذلك لأن حياة الإنسان مقدسة ومن أثمن  ما يمكن للمرء الحصول عليه، وإهدارها أو قتلها بدون وجه حق؛ ظلم مخالف لكافة الشرائع الدنيوية والسماوية، لا توجد حتى اللحظة حلول مباشرة للقضاء على هذه المشكلة المعقدة والمتشابكة.

اعداد: بارين قامشلو

زر الذهاب إلى الأعلى