مقالات

تركيا والتسابق مع الزمن


قهرمان مامد
تهديداتٌ، وعيدٌ، أحلامٌ، فِتنٌ، تدخلات، احتلالات، وأكثر من ذلك نهج الدولة التركية الحالية في تعاملاتها مع الوضع الدولي والإقليمي والمحلي.
تركيا تُسابق الزمن في القضايا الدولية. تتدخل في كل الصراعات الإقليمية والبعيدة منها جغرافياً وسياسياً، وتعتبر نفسها الوريث الشرعي والابن البار للدولة العثمانية الضالة؛ فتّدّعي بأن لها الحق بالتدخل، والتأثير على مكونات المعادلة السياسية في أي دولة من دول الشرق الأوسط.
يا تُرى ما هو هدف الزمرة الحاكمة في تركيا من كل هذا الكم من التدخلات الاقليمية؟، هل يا ترى تعلم تركيا أنها تتجه نحو الانهيار وحافة الهاوية؟؛ فتقوم بالسباق مع الزمن، وتأمل أن تُوقف الوقت والسرعة؛ مطبقةً بذلك نظرية آنشتاين للنسبية، وتُسقط هذه النظرية على مساراتها السياسية والاقتصادية في واقعها الحالي المرهون بالانهيار.
الانهيار؟! نعم الانهيار الداخلي والخارجي. كثيراً ما نسمع منذ سنوات تصريحات اردوغان عن الاتفاقيات الدولية التي حصلت منذ قرن؛ كاتفاقات لوزان وسيفر وسايكس بيكو وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدول العظمى حينها، فتصريحات أردوغان المغايرة للتاريخ والواقع آنذاك تدخل في خانة الظلم والغبن الذي وقع على تركيا، وكأن تركيا دولة مظلومة وأصيلة منذ القدم في منطقة الشرق الأوسط فقامت الدول الكبرى التي حاولت تقليص حجمها ونفوذها الذي كانت تتمتع به، وقَوْقَعَتْهَا في شكلها الحالي!.
تركيا وعلى مرِّ القرون كانت دائماً حالة طارئة وجِدت واستمرت بحكم تقاطع المصالح والصراع بين الامبراطوريات في القرون الوسطى والحديثة.
منذ قرون وتركيا تمارس الإبادة والقتل والصهر والانحراف بحق شعوب منطقة الشرق الأوسط وأجزاء من أوروبا الشرقية والقوقاز.
إن الاستراتيجية المتعششة في أذهان القوى الحاكمة المتعاقبة على الدولة التركية هي الاستمرار في نهج آبائهم وأجدادهم في الحكم بخلق الأزمات والصراعات والاحتلالات والتهديدات في الشرق الاوسط، “السلام يعني الموت بالنسبة للزمر الحاكمة في تركيا”.
إن مدى وصول تركيا إلى هذا الحد من الانهيار الاقتصادي والسياسي من خلال التراكمات الإرثية التاريخية والواقع الراهن يُجبر تركيا على أن تتسابق مع الزمن لاكتساب ديمومة حياتها الدموية قدر الإمكان وأن تحصل من خلال التغيُرات الجيوبولتيكية والاقتصادية على موقع لها في تغيير المعادلة العالمية والشرق اوسطية، لذلك تخلق الازمات في المنطقة وذلك بدعم من بعض القوى العالمية التي تسخّرها في فتح جبهات عديدة في الشرق الأوسط، آملة من تلك القوى أن تحفظ لها كيانها الطارئ في المعادلة الدولية الجديدة وتحولها من دولة مارقة طارئة إلى دولة ثابتة دائمة.
لذلك نرى الزمرة الموجودة في الحكم بتركيا كالعدالة والتنمية AKP مع القومية الفاشية التركية MHP تحاول جاهدةً الهروب إلى الأمام في كل سياساتهم مع الدول الاقليمية والاوربية و تتجمل في الداخل التركي وتوعد الشارع بالأوهام الواهية والتخيُلات الخرافية في وضع الحلول للاقتصاد المزري والشرخ الذي يزداد في السياسة الداخلية والخارجية لتركيا من خلال تهديداتها وتدخلاتها السياسية والعسكرية في شعوب ودول المنطقة وتشكيل الأحلاف الراديكالية المؤدلجة وفق تطلعات وتصورات تركيا الاستعمارية.
والتدخل في البحر الابيض المتوسط بعد ظهور مكامن كبيرة من الغاز فيها والتي شاءت الأقدار الكونية والطبيعية بأنها لم تظهر في المناطق البحرية التركية فادَّعَت تركيا بحجج جغرافية غير منطقية كالجرف القاري وأنها صاحبة أطول شريط ساحلي في بحري الأبيض المتوسط وإيجة، وعادت الى الروح
الاستعمارية فادعت احقيتها في الحصول على الغاز في البحر المتوسط وانشأت جسراً وهمياً مع دويلة الوفاق الليبية لقطع الطريق أمام مصر واليونان وأوروبا وباقي الدول في الحصول على حقوقهم الشرعية في التقسيمات الدولية البحرية المستندة إلى القانون 121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بين الدول المتشاطئة، مغمضة عينيها عن مدى وصول الأزمة الاقتصادية في الداخل التركي وارتفاع مستوى البطالة وتدهور الليرة التركية وارتفاع نسبة المديونية الخارجية بمئات مليارات الدولارات.
في الخلاصة إن تركيا والزمرة الحاكمة المتسلطة على رقاب الشعوب في المنطقة تُدرك ما هو عمق جوهر الكارثة الحقيقية التي تنتظر تركيا، وعدّاد الموت يقترب أكثر بعد كل هذا الكم من الأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي وصلت إليها والتي ستصبح في المستقبل القريب أزمة وجودية بالنسبة لتركيا إذا ما استمرت على هذا المنوال في تطبيق أبشع صور الدكتاتورية والفاشية والعنصرية بحق شعوب المنطقة والعالم.

زر الذهاب إلى الأعلى