ثقافةمانشيت

تركيا بين الماضي والحاضر… سياسة محوٍ لثقافة وتاريخ المنطقة

منذ نشوء دولة العثمانيين ارتبط تاريخها بالجرائم والانتهاكات، وكُتبت صفحاتها بحبر التآمر والخيانة، فشغلهم الشاغل كان السلطة، وإلى الآن عرشهم ملطخ بدماء الأبرياء، فهم من تلذذوا بممارسة أبشع الجرائم بحق الشعوب الحالمة بالحرية، حيث حكمت الدولة العثمانية المنطقة لقرون ومارست أفظع الجرائم لمحو تاريخ وثقافة تلك الشعوب، وقادت دول المنطقة إلى الظلام والإخفاق في كافة النواحي الثقافية والاجتماعية…

نرى اليوم بأنه وبالرغم من انتهاء الحكم العثماني إلا أن أردوغان وحكومته ما زالوا مستمرين في تلك السياسات بحق مكونات المنطقة، وما تفعله تركيا في سوريا اليوم خير دليل على ذلك، حيث ترى نفسها خليفة للدولة العثمانية في سفك الدماء وإمحاء ثقافة الشعوب، فكل ما تقوم به من “قتل، تهجير، سلب، نهب، تغيير ديمغرافي..” هو امتداد لثقافة الدولة العثمانية، فكلاهما يسير على نهج القمع وسفك الدماء، فقد قامت دولة الاحتلال التركي بتدمير العديد من المدن والمعالم الأثرية والتاريخية في سوريا وخصوصاً في عفرين، والهدف من ممارساته تلك هو اغتصاب حضارات المنطقة، فما تفعله اليوم مجرد من كافة معاني الإنسانية، وهذا ما يؤكد لنا أن اردوغان يريد أن يعيد أمجاد السلطنة العثمانية، وهذا ما نراه أيضاً من خلال الجدار الذي تبنيه في عفرين بهدف تتريكها وعزلها وبالتالي تقسيم سوريا، كما حصل للواء اسكندرون، فتاريخ تركيا صفحة سوداء مكللة بالجرائم والعار.

وبالعودة إلى تاريخ الدولة العثمانية في الجرائم والانتهاكات بحق كافة شعوب المنطقة، نستعرض في هذا التقرير بعض من الانتهاكات التي قامت بها عبر التاريخ، وكيف أن أردوغان يسير على ذات النهج ويرى نفسه خليفة لها، وإذا أردنا الحديث عن كافة المجازر التي قامت بها عبر التاريخ سنحتاج إلى مجلدات وتقارير مطولة، لذا سنكتفي بتسليط الضوء على بعضها.

بداية سنعود إلى السبب وراء اختيار السادس من أيار عيداً للشهداء، والذي يرتبط بالمجازر التي قامت بها الدولة العثمانية في سوريا ولبنان آنذاك:

في عام 1915 قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر وهو ما سمي بـ “حرب السفربرلك”، إلا أن القوات البريطانية التي كانت تتحصن في الضفة الغربية للقناة حصدت الجيش التركي بمدافعها ورشاشاتها، ومع أن بعض السرايا القليلة استطاعت اجتياز القناة إلا أن الهجوم فشل فشلاً ذريعاً ولم ينجُ من الجيش الرابع إلا القليل.

كان هذا الفشل الذريع لهذه الحملة ومسؤولية جمال باشا المباشرة عن ذلك الفشل، السبب وراء صب كل غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية وحملها مسؤولية إخفاقه هذا، ففصل العديد من الضباط وأمر باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت.

إضافة إلى قيام جمال باشا بإعدام نخبة من المثقفين العرب من مختلف مدن سوريا ولبنان, ولفق لهم تهم التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية والعمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، وأحال ملفاتهم إلى محكمة عرفية في جبل لبنان دون أن يتحقق فيها أي معايير المحاكمات العادلة والقانونية، وأديرت هذه المحكمة بقسوة وظلم شديدين، ونفذت أحكام الإعدام شنقاً على دفعتين: الدفعة الأولى كانت في 21 /آب 1915 والثانية في 6 /أيار 1916 في كل من ساحة البرج في بيروت، فسميت ساحة الشهداء، وساحة المرجة في دمشق، لهذا تم اختيار يوم السادس من أيار عيداً للشهداء.

مجزرة ديرسم:

بتاريخ 4 أيار سنة 1937 صادق أتاتورك على قرار الحكومة التركية التي تقضي بالهجوم على ولاية ديرسم الكردستانية والقضاء عليها كلياً، حيث شنت القوات التركية حملة كبيرة ارتكبت فيها الآلاف من الجرائم الوحشية من قتل وذبح واغتصاب النسوة وإلقاء الأطفال في الآبار وحرق القرى والغابات، والمئات من الفتيات الكرديات ألقين بأنفسهن من أعلى الصخور كي لا يقعن أسرى في أيدي الأتراك، والآلاف من القرويين لجأوا إلى الكهوف والمغارات؛ مع ذلك لم يسلموا منهم، فقد قام الأتراك باستخدام الغازات الكيماوية وقتلت بها الآلاف من الأطفال والنسوة والشيوخ المحتمين في تلك الكهوف، وما زالت بقايا عظامهم مكومة في كهوف جبال ديرسم.

ولم تكتفِ السلطات التركية بذلك فحسب بل قامت بتهجير المواطنين المتبقين وتشتيتهم في عمق المناطق التركية ومنعهم من العودة إلى كردستان وبالأخص ديرسم.

وراح ضحية هذه المجزرة ما بين 75 – 80 ألف كردي مدني.

وفيما يلي سنسلط الضوء على جرائم أخرى قامت بها الدولة العثمانية عبر التاريخ بحق شعوب المنطقة بمختلف مكوناتهم وطوائفهم، وذلك بحسب المصادر:

مذبحة بغداد 1831:

قام العثمانيون بعد احتلال بغداد عام 1831 ثانية بعد تمرد داوود باشا المملوكي، بقيادة الوالي المكلف علي رضا باشا، بمذبحة لجميع المماليك المتبقين في المدينة.

المجزرة بحق الشيعة في العراق 1842-1843:

أتت هذه المجزرة رداً على انتفاضة مدينة كربلاء على انتهاكات القوات العثمانية لها، حيث حاصرها نجيب باشا وقصفها بالمدافع وقطع نخيلها ونهب ممتلكاتها، وتتباين الإحصائيات في حجم الضحايا بين 4 آلاف رجل وامرأة وطفل إلى 10 آلاف، فيما تذهب بعض المصادر إلى أن العدد فاق 24 ألفاً.

مذبحة بدر خان 1847:

كانت نتيجة صراع على النفوذ داخل السلطنة بعد أن وصل النفوذ البريطاني إليها، وراح ضحيتها أكثر من 10 آلاف في منطقة هكاري، الموجودة الآن ضمن الدولة التركية.

مجازر لبنان 1841-1860:

وهي مجازر تمت بحق أهالي حاصبيا والشوف والمتن وزحلة، نتيجة الصراع الدولي في المنطقة، راح ضحيتها أكثر من 82 ألف لبناني.

الصراع الديني في لبنان ودمشق 1860:

فقد أدت سياسات السلطنة العثمانية (نظام الملل) إلى تغذية عوامل التفرقة المجتمعية القائمة على أسس دينية ومذهبية، وأثارت عدة حوادث متفرقة، ما أدى إلى مقتل بين 12-25 ألف شخص في المنطقة، فيما امتنعت السلطة العثمانية عن التدخل لمنعها؛ هذا ما عدا عن نهب الممتلكات وحرق البيوت، وانهيار اقتصاد هذه المنطقة حيث قُدرت الخسائر آنذاك بحدود 4 مليون ليرة ذهبية.

الإبادة العرقية لعشيرة المواجدة 1910:

ومن سلسلة الجرائم العثمانية، تلك التي وقعت بحق بلدة عراق الكرك إحدى البلدات الأردنية، نتيجة انتفاضة أهلها على الجور العثماني، إذ قامت القوات العثمانية باتخاذ الأطفال والنساء دروعاً بشرية داخل إحدى المضافات؛ لإرغام الفرسان على تسليم أنفسهم، ثم جمع فرسان عشيرة المواجدة بالإضافة لأطفال العشيرة، دون أية محاكمة مدنية أو عسكرية، فقاموا بقتلهم وإلقاء جثثهم في كهف ما زال قائماً، دون السماح بدفن الجثامين. فيما أُلقي شيخ المواجدة ومرافقته من أعلى القلعة.

ذهب ضحية هذه المجزرة قرابة 85-100 شخص، إضافة إلى نهب الخيول والمؤن الموجودة في بيوت البلدة، وإحراق متاع أهل البلدة.

مجاعة لبنان 1917:

قام العثمانيون بحصار وتجويع لبنان وإخضاعها عام 1917، خوفاً من إنزال قوات الحلفاء فيها، أي أن القوات العثمانية قامت بحرب استباقية على الشعب اللبناني بمختلف مكوناته وطوائفه “مسلمين، ومسيحيين”، أدّت إلى وفاة عشرات الآلاف من أصل 400 ألف هم سكان المنطقة. وشمل الحصار منع دخول المواد الغذائية (القمح بشكل أساسي) من سوريا إلى جبل لبنان، ومصادرة القمح الموجود لدى اللبنانيين لإطعام الجيش العثماني، تَرَافَقَ ذلك مع عمليات ترحيل إجباري (سفر برلك) لقسم من سكان لبنان.

مذابح سيفو (خلال مرحلة الحرب العالمية الأولى وبعدها):

وهي المذابح العثمانية بحق الآشور والسريان والكلدان في بلاد الشام والعراق وجنوب شرق تركيا، وهم من سكان المنطقة الأصليين، حيث شنت القوات العثمانية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية هجوماً عليهم، أدى إلى مقتل مئات الآلاف منهم، ونزوح آخرون من مناطق سكناهم الأصلية بجنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب إيران وسوريا والعراق. وتتباين الإحصائيات حول حجم الضحايا بين 250-500 ألف شخص، فيما ترفعها بعض المصادر إلى 750 ألف، عبر عدة مجازر استمرت من عام 1915 حتى عام 1923. ومنها، مجازر: دير الزور وديار بكر وطور عابدين، وفي عموم منطقة الجزيرة السورية، مترافقة بتدمير المدن وحرق الأراضي ومصادرة الممتلكات وتهجير من تبقى من السكان، والذي أدى إلى جانب المجازر بحق الأرمن واليونانيين (بإجمالي 2 مليون ضحية)، إلى تخفيض نسبة المسيحيين في الدولة العثمانية من 33% عام 1915، إلى 0.1% حالياً.

جريمة التعذيب بالخازوق:

تم استخدام الخازوق على نطاق واسع من قبل العثمانيين في مصر والشام، وقد تفنن الأتراك في صنع الخازوق، وأجروا العديد من الدراسات حول استخدامه، وكانت الدولة العثمانية تدفع المكافآت للجلاد الماهر الذي يستطيع أن يطيل عمر الضحية على الخازوق لأطول فترة ممكنة تصل إلى يوم كامل، إضافة إلى العديد من الجرائم والمجازر الأخرى بحق كافة شعوب ومكونات المنطقة.

وإذا ما قارنَّا بين انتهاكات الدولة العثمانية قديماً وانتهاكات تركيا اليوم نرى إنها ذاتها وغير مقتصرة على طائفة أو منطقة معينة بل تشمل كافة شعوب المنطقة وذلك لمحو ثقافتهم وتاريخهم، ربما الفرق الآن هو أن تركيا أصبحت متمسكة أكثر بثقافة الاحتلال وتدمير حضارة وتراث المنطقة، فهي لا تعمل على محو الثقافة الكردية فحسب، بل تستهدف بسياساتها اللاإنسانية جميع المكونات لإبعادهم عن حضارتهم وتاريخهم، وما تفعله على الأراضي السورية من انتهاكات واعتداءات لاإنسانية هي لغض أنظار العالم عما يحصل في الداخل التركي من فشل واندثار وقمع للأصوات المُنادية بالحرية، فما تمارسه تركيا اليوم من ممارسات وانتهاكات بحق كافة مكونات المنطقة من “كرد، عرب، سريان، آشور..”، يُعتبر من أبشع الانتهاكات التي مورست بحق الشعوب المسالمة، ويحصل كل هذا في ظل صمت دولي مُخزي، وهذا ما يؤكد لنا بأن ما تفعله تركيا هو امتداد لسياسة الدولة العثمانية الطورانية ويحصل هذا بموافقة العديد من الدول التي تدّعي الدفاع عن حقوق شعوب المنطقة، لذا يجب علينا اليقظة لسياسات هذه الدول ومن ضمنها تركيا، ونحافظ على ثقافتنا ولغتنا التي يعملون بشتى الطرق والوسائل على محوها، ومن المستحيل أن يحققوا مآربهم هذه بفضل إرادة وعزيمة جميع مكونات المنطقة.

                          

إعداد: ألندا قامشلو

زر الذهاب إلى الأعلى