مقالات

تحالف أردوغان وإيران، وبلورة زواج المتعة بين عنصرية البعث وإرهاب الاخوان ؟!

ياسر خلف

منذ اللحظة الأولى لبدء الصراع في سوريا، لم تكن الدولة التركية المحتلة جادة في مساندة الشعب السوري وحراكه السلمي بداية الأحداث في ربيع 2011 فهي كانت لها أهداف ونوايا واضحة  في منع حدوث أيِ تغيير في بنية النظام البعثي ورموزه، فقد كان اردوغان ونظامه البوصلة التي لم تعط الاتجاه الصحيح أبداً لإسقاط النظام بل أدار توجه المغفلين والمغرر بهم من السورين باتجاه حروب الفتوحات والغزوات العثمانية نحو محيطه الإقليمي والدولي حيث لم يجنِ منها المرتهنون للإرادة التركية سوى صفة الارتزاق والإرهاب لتصبح ماركة دولية متداولة على جميع وسائل الإعلام العالمية، فهذا الاستغلال الاردوغاني للأزمة السورية واستثماره السياسي والأيديولوجي فيها جعلت من الأزمة السورية ميدانا خصباً للمصالح والتحالفات التركية، وقد يكون أحد أكثر هذه المصالح تناقضاً وتوافقاً تاماً في طياتها وحيثياتها هو التحالف بين نظام الملالي في إيران والعثمانية الجديدة بخلافة اردوغان أو بصورة أكثر وضوحاً (زواج المتعة بين الشيعة ِوالاخوان المسلمين) وهذا التحالف ليس وليد اللحظة فهو يمتد لعقود خلت بين جماعة الإخوان وطهران فكانت جماعة الإخوان الإرهابية أول من أعلنت دعمها لما تسمى “الثورة الإسلامية” في إيران في سبعينيات القرن الماضي، ويأتي مؤخراً تمجيد إعلام الإخوان آية الله الخميني كدليل واقعي وعملي على هذه العلاقة وهذا التقارب والتناغم والتقارب القائم بين تنظيم الاخوان وحليفته إيران أصبح جلياً في كل من سوريا والعراق، فما لاحظناه من صراخ وتأييد من منابر ووسائل الإعلام الاخوانية لحصار النظام مناطق الشهباء وتباكيها على العناصر الاستخبارية ضمن المربعات الأمنية في قامشلو والحسكة تزامناً مع هجوم مرتزقة الحليفين الإرهابية على عين عيسى هي بكل تأكيد لم يكن بمحض الصدفة لكنها كانت تجري وفق مخططات أُعِدَّ لها مسبقاً وهي في الحقيقة توَجُّه مشترك بين هاتين الدولتين المارقتين، كما أن الزيارة الأخيرة لوفد الاستخبارات التركية برئاسة هاكان فيدان للقاء استخبارات الأسد وكذلك اللقاء الذي جمع بين أردوغان ووزير الخارجية الإيراني ظريف بحضور أوغلو وزير الخارجية التركي والذي استمر مدة ساعتين بعيداً عن أضواء الصحافة يؤكد على العلاقة العضوية بين تنظيم الاخوان المتمثل بسلطانه اردوغان ونظام البعث وملالي طهران، وإن الخلاف الوحيد بينهما هو تقاسم النفوذ والسلطة وليس خلافاً في الايدولوجيا والفكر، فكلاهما متطابقان من حيث الذهنية وإن كان الظاهر يظهر العكس،  فجميع اللقاءات الدولية التي عقدت في جنيف ومن ضمنها الاجتماع الأخير للجنة صياغة الدستور كان سبب فشلها هو الخلاف  فقط على عدد الحقائب التي ستستلمها جماعة الاخوان المسلمين مقابل إبقاء البعث بزعامة الأسد على سدة الحكم والدولة، دون الاكتراث لحجم الدمار الذي لحق بسوريا شعباً ووطنناً، وضمان عدم مشاركة التمثيل الحقيقي للشعب السوري في المفاوضات الجارية والتي يبدو أن الثلاثي الضامن لما تسمى الأستانا تسعى إلى دفعها بهذا الاتجاه بعيداً عن المقررات الدولية الملزمة وحلها وفق رؤى ما تسمى الضامن الثلاثي للاستانا، وهذا الأمر أصبح أكثر بروزاً مع استلام الإدارة الامريكية الجديدة لمهامها. فهم يدركون جيداً ما ينتظرهم من أيام قاتمة وهم يحاولون التنسيق وخصوصاً حول مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وصولاً إلى العراق وإقليم كردستان، وما تحرك الأذرع الأمنية لنظام الأسد ضمن المربعات الأمنية في كل من قامشلو والحسكة وحصار مناطق الشهباء وأحياء الشيخ مقصود والاشرفية إلا كان تتويجاً للمخططات الاستخبارية بين كل من المحتل التركي ونظام البعث وإيران، وربما بدون موافقة الروس على ذلك، وهذا التنسيق والتوافق الإيراني التركي بات لا يهدد فقط محيطهما الإقليمي لكنه تعدا إلى تهديد الأمن الدولي والخليج العربي على وجه الخصوص وبدعم من دويلة قطر التي جعلت المحتل التركي بقواعده العسكرية موجهة لدول الخليج، وكذلك دعمها للحوثيين في اليمن جعلت من إيران على تخوم الحدود السعودية، وهذا التوافق يأتي بتناغم تام بين جماعات الاخوان الإرهابية بمختلف مسمياتها والمليشيات الإيرانية المتغلغلة في المنطقة وإن أظهرت العداء لبعضها لكنها تسير وفق ما خطط لها في دوائر الاستخبارات في كل من أنقرة وطهران، وهذا ما يمكن ملاحظته بشكل واضح في سوريا عبر القضاء على المشهد المدني والسياسي المعارض في سوريا واختصاره بما تسمى بالائتلاف الاخواني ومجاميعه الإرهابية من داعش والنصرة ومثيلاتهما التي أصبحت أدوات وسلع يستثمرها اردوغان خدمة لمصالحه وصفقاته، وما يمكن التنويه إليه أيضاً هو أن الزيارات الأخيرة لوزير خارجية تركيا الى العراق وإقليم كردستان وما تبعها من لقاءات واتصالات استخبارية مع إيران كان هدفها بالدرجة الأولى التمهيد لهجوم مشترك على كل من مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وشنكال وقنديل ومناطق أخرى من إقليم كردستان، ولكنها باءت بالفشل نتيجة ضعف الدولة المركزية في كل من سوريا والعراق وارتطام المخطط بالرفض الدولي في حال حدوثه وعوامل أخرى مرتبطة بالتوازنات الدولية ومصالحها قي المنطقة.

إن ما يمكن القيام به من قبل قوى الإدارة الذاتية في هذه المرحلة هو تكثيف اللقاءات الجماهيرية وتمتين اللحمة الوطنية المجتمعية وخاصة بعد إفشال المخططات الاستخبارية وأذرعها الأمنية في كل من قامشلو والحسكة والشهباء وحلب لخلق فتنة واقتتال داخلي، والعمل على تعزيز المكتسبات عبر إيجاد بدائل لتحقيق الاكتفاء لمواجهة أدوات الحرب الخاصة التي ستكون أكثر نشاطاً في الفترة المقبلة سواء المرتبطة بالاحتلال التركي كالجيش الوطني الإخواني وداعش ومثيلاتهما أو المرتبطة منها بالنظام وإيران من مليشيات الدفاع الوطني والبقايا البعثية العنصرية.

وعلى الصعيد الخارجي والميدان الدبلوماسي، ينبغي التمهيد لبناء تحالف وطني سوري معارض يتبنى النهج الديمقراطي ليكون بديلاً عن النظام والمعارضة المرتهنة لتركيا على حد سواء، وخاصة أن الأجواء الدولية والعربية باتت أكثر إدراكاً بأن الازمات المستفحلة في الدول العربية والشرق الأوسط عموماً (سوريا – ليبيا – اليمن – العراق – مصر…..) لا تُحل إلا بإبعاد كل من تركيا وإيران عن المشهد السياسي والسيادي لهذه الدول، وهذا التوجه بات أكثر قبولاً من قبل الإدارة الامريكية الجديدة أيضاً وخاصة أن الرسائل الامريكية الأخيرة بهذا الصدد أصبحت أكثر وضوحاً وتحديداً تجاه إيران وتركيا وروسيا التي باتت تدرك أن المزاج الغربي والأمريكي يتجه نحو التصعيد ضدها وخاصة على الصعيد الداخلي وقضاياها الحقوقية.

زر الذهاب إلى الأعلى