مقالات

تبييض الإرهاب بين الأخطاء الشائعة القوموية والدينوية

فؤاد سعدي

لا بد من المقاربة بالتفريق بين الدين والدينوية والقومية والقوموية احتراماً لجذور الانسانية والديانات والقوميات المثمرة عنها وأغصان تواريخها النقية الصافية والحقيقية – كما حقيقة الأطفال ومصداقيتهم أثناء البحث عن الخبر اليقين – فبالقدر الذي تمثله الحالة الطبيعية الحقيقية لكل من الدين والقومية فإن الحالة اللاطبيعية و اللاحقيقية  للدينوية والقوموية تفرض نفسها مهما حاولت تقمص اسم الدين والقومية ومهما كبّرت من شعاراتها ومكيجتها فإنها تبقى أقنعة تخفي جوهرها المعادي للأديان والقوميات على حد سواء وبجملة واحدة ودون الحاجة إلى تجميل حروفها وكلماتها فأن بروز الجماعات الظلامية التكفيرية الإرهابية القوموية والدينوية أعداء الدين والقومية من رحم الدول القوموية الدينوية البعيدة آلاف الأميال عن الانسانية وأخلاقياتها قد ولَدَت حرب الكل ضد الكل، وعجينة من الكوارث والفواجع وكأننا أمام صراع الصم والبكم والعميان وتاريخ الدم والدمار.

بإلقاء نظرة خاطفة سريعة وقلْبِ أوراق ذاكرة تُشكل ما سمي بالدول المستقلة خلال القرن العشرين والمولودة علنياً عبر الزواج السري لأقطاب اتفاقية سايكس بيكو وما سبقها وتبعها من تزاوج السرية والعلنية لمخططات وأجندات المهيمنين على النظام العالمي؛ فما أسفر عنه على طول سياق القرن المنصرم هو ولادة مزيج الأنظمة القوموية والدينوية عبر الولاة غير الشرعيين الذين ما زالوا مواظبين سواءً بإرادتهم أو عدمها في شرعنة أبوية الحداثة الرأسمالية وتبييض الحدود المصطنعة لا بل التمسك والإصرار على التقسيم والتقطيع الحاصل بذهنية التملك والمالك الأوحد لدرجة التضحية بكل الشعب كُرما لجشعهم اللامحدود.   

لنعكس الآية والمعادلة ونقلبها رأساً على عقب خارج المألوف الاعتيادي. لنبدأ من الحاضر المعاش قبل التاريخ الماضي ولننطلق من النتيجة قبل الأسباب والعوامل – كأن يولد الإنسان هرماً – ولنطرح معها الاستفهام العملاق لحقيقة التفريق بين الدين والدينوية والقومية والقوموية فأن الإجابة الحيادية المجردة داخل الواقع المعاش بكثافة غليان الشعوب والأمم والمجتمعات تَظهر للملأ والعيان، ويكفي لإيضاحها أنفاس الأبكم دون الحاجة للنطق فأجواء الحقيقة المُعاشة بكثافة حدسيات ودايمونات الصوت والصورة أفقياً وعمودياً في كافة أرجاء المعمورة الشرق أوسطية تُغنِي عن إيضاحها إذ إن هيجان وثورية المجتمعات الشرق أوسطية عموماً تَنْصَبُّ بجام غضبها – كما القنبلة الموقوتة – لتنفجر في وجه الأنظمة القوموية والدينوية و الحرب العالمية الثالثة المعاشة بكثافة متدحرجة تغني عن التعريف والتحليل.

من هذه المقدمة الموجزة تتوضح ملامح الصورة لكيفية صناعة الدُّول والأنظمة وكيفية تبييض القوموية والدينوية وتفقيساتها من الجماعات الظلامية والإرهابية وتتضح معها الكثير من الخيوط وليس رأس الخيط لخليط نيران حروب التعادي والتضارب والتقاتل والإنكار والاستغلال والاحتكار للسلطات والأنظمة والدول والمعارضات.

هذه الخيوط المشبوكة والمعقدة بالنزعات والعصبيات  القوموية والدينوية عبر جهاز التحكم عن بُعد لسياسات فرق تَسُدْ للحداثة الرأسمالية والتي تستثمر أيديولوجيتها بضخ  الإرهاب المبطن بالفكر الاستشراقي الدخيل والمتداخل لتوجيه بوصلة الشرق الأوسط نحو أجنداتها ومشاريعها لا سيما مشروع الشرق الأوسط الجديد.

مع التركيز بالتأكيد والتنويه المستمر وكيفما يتم غسل إرهاب الأموال وتبييضها حسب مقتضيات الحاجة فإن غسل وتبييض الأنظمة والدول وتجييرها كجيران أوفياء لأجنداتها جارٍ على قدم وساق وإن تَطَلّب الأمر فلتفقس صيصان إرهابية ومسألة تبييضهم بالزواج الشرعي للحداثة الرأسمالية أو نكاحهم بإدراجهم على لوائح الإرهاب تحددها مجاهيل ومعالم مخططاتها ومشاريعها.

كما يجب ألا يفوتنا التبييض القطني الناعم لابستمولوجيات الحداثة الرأسمالية قوموياً ودينوياً لا سيما في الساحات المجتمعية وقصفها الإعلامي المترافق بالحرب الخاصة وضمن الساحات المجتمعية حسب الحالة والحاجة، وهذا ما يَظهر جلياً واضحاَ من خلال إدارة الحروب والأزمات الراهنة في الشرق الأوسط.    

  يبقى أن نشير على الدوام إلى أهمية استنباط الدروس والعبر من التاريخ والمجتمع على حد سواء في ما يخص الدوغمائية القالبية المتحجرة لكل من القوموية و الدينوية وباختصار جد شديد فأن مدنية أوروبا المركزية كانت السباقة في التفتيت وكسر التحجر الدينوي والقوموي بفضل تعدد و تنوع ثوراتها تتقدمها النهضة والإصلاح والتنوير فضلاً عن الثورة التجارية والصناعية والمالية إلى جانب الثورة الفلسفية والعلمية وعولمة التقنية والتكنولوجيا والاتصالات، كل ذلك وربما أكثر بكثير إلا أنها مرت بمخاضات جد أليمة وبحروب الصبغة الدينوية والقوموية سواءً في دواخلها أم مع الخارج وعلى جميع الساحات والمستويات وبالمحصلة والنتيجة المستخرجة قدمت نقدها الذاتي أمام تاريخ بحر الدم الذي تسببت به من جهة ومن جهة أخرى من خلال الفيدراليات و الكونفدراليات المنشأة في ما بينها أما على الصعيد الخارجي فإنها ما زالت تستثمر وتصدر تلك المخاضات نحو الخارج بعد إن ألقتها نسبياً إلى سلة المهملات داخلياً وبعد أن تم التزاوج بين الدولة والديمقراطية ولو أن هذا الزواج ذو علاقة رخوة نسبياً بين السلطة والمجتمع.

 ما نريد زيادة التركيز عليه هو كيفية دخول الدينوية والقوموية وخاصة تلك الممهورة بالصبغة الحداثوية الاستشراقية لتجري في شرايين شعوب الشرق الأوسط و بأية أيدي تم حقن الذهنيات والقلوب بها وكيف استمر تبييض وغسل هذه الأيدي القذرة على مدار قرن كامل ولماذا لا تستمر بتبييضهم بل يتم فضحهم وكشف أقنعتهم ولماذا تتفاوت البشاعة بين الرؤساء والسلاطين والملوك والأمراء، وما هو البديل المنتظر والمولود الجديد. والاستفهام العملاق الأكبر هل ستستمر الشعوب بسكونها وصمتها القدري نحو صمت القبور وهل سيتم تبييض الأنظمة من جديد والمجتمعات تتفرج على أقدارها ومقدراتها وكيف تصبح وقود التغيير؟.

بالإمكان الإكثار من الاستفسارات والاستفهامات في هذا المنحى، وبدلاً من الغوص في تكاثرها رغم أهميتها فأن الجواب والحل الناجع والدواء الأنسب هو العودة الصادقة إلى حقيقة التاريخ والمجتمعية الشرق أوسطية باستفراغ القوموية والدينوية بدلاً من انتظار قدرية قَرْنٍ آخر قادم من التبعية والعبودية العصرية.

إذا كانت خلاصة خميرة قذارة المرحلة الحداثوية للقرن العشرين هو التقيؤ الهتلري لا سيما في الحرب العالمية الثانية فإن القرن الواحد والعشرين والحرب العالمية الثالثة ممهورة بالخلايا السرطانية الإرهابية للفاشية التركية الأردوغانية متعددة الأذرع الممتدة لكافة أرجاء المعمورة الشرق أوسطية وعلى تخوم القارات الثلاثة، ورغم القضاء على أعتى القوى الإرهابية داعش على يد حُماة الانسانية قوات سوريا الديمقراطية /قسد/ بمعونة التحالف الدولي فأن الفاشية التركية احتضنت الهارعين إلى ثديها وأرضعتهم أسماءهم الجديدة فجميع المكامن والأماكن التي وطأتها الفاشية التركية ومرتزقتها تغيب فيها الحرية والانسانية والإرادة الحرة، ولا يُسمع فيها إلا صدى الموت والانتهاكات بحق الانسانية والبشرية، لا بل وبحق الطبيعة والشجر والحجر، فمن أين تستمد قوّتها وقُوْتَها هذه الفاشية، وبأي ذهنية تُغذّى وبأي جهاز تَحَكُمٍ عن بُعد تُحرك و نحو أية أهداف تُوجه وكيف لا تُسأل، ولا تُحاسب عالمياً وأممياً وهل من إمكانية لتبييض سوادها الحالك إرهابياً ؟؟؟ وهل من الممكن أن يكون مصير إفرازات الحرب العالمية الثالثة ونتيجتها كما كانت نتيجة الحرب العالمية الثانية بتجاوز الهتلرية الأنظمة القوموية وبداية الانفراج نحو الربيع الديمقراطي و فيدرالياتها وكونفدرالياتها ؟؟؟

خميرة الحل هو التحلي بروح حملة الحرية وانبعاث المقاومة المجتمعية والوحدة في التنوع في كل الساحات والاتجاهات نحو اتحاد الشعوب وإخوَّتها ورصِّ الصفوف  في كل الساحات والاتجاهات نحو الاتحاد، والانطلاقة بقفزات نوعية نحو تجاوز الذهنية القوموية والدينوية لا سيما فاشية أردوغان والزبانية التابعين له، فضلاً عن الذهنيات المغذية لأمثالهم بأنهم مهما امتلكوا قوة التآمر وتدمير الحجر فأن إرادة الحرية لعاشقي الحرية من البشر بشعارها “المقاومة حياة” ستبقى عصية على الكسر، وبالقدر الذي يصرُّون فيه على الإرهاب والتفتيت فخيار الشعوب هو الإصرار بأضعاف مضاعفة من ذي قبل على الحرية والوحدة.        

زر الذهاب إلى الأعلى