مقالات

بين إدلب وعفرين: الموقف الدولي من تركيا وإرهابها

كيف للدول الغربية أن تقنع العالم أنها تخاف على حياة السوريين في إدلب المحتلة من جبهة النصرة وأخواتها، وهي تقف في موقع المتفرج على التهديدات التركية التي تشكل خطرا وجوديا على الأكراد والعرب والسريان وبقية المكونات في الشمال السوري.

تركيا الأردوغانية تشرع أبوابها أمام عشرات الآلاف من الجهاديين للدخول إلى سوريا

وصف الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة دخول مسلحي جبهة النصرة إلى مدينة إدلب السورية يوم 28 مارس 2015، بأنه “من أكبر إنجازات الثورة السورية”. وأورد موقع القناة أسماء الجماعات المشاركة لجبهة النصرة في الهجوم، وهي جماعات أحرار الشام وجند الأقصى وجيش السنة وفيلق الشام وجند الحق وأجناد الشام.

في إدلب يجتمع اليوم عشرات الآلاف من المسلحين، من بينهم 15 ألف مسلح من غير السوريين، ينتمون إلى جبهة النصرة وحراس الدين والحزب الإسلامي التركستاني، وهذا أكبر تجمع لإرهابيي العالم في مساحة جغرافية تبلغ 6100 كم2، إلى جانب وجود الجيش الوطني السوري البالغ قوامه أكثر من 35 ألفا، وهو تابع لتنظيم الإخوان المسلمين السوري ويرتبط بشكل كامل مع تركيا وحكومة حزب العدالة والتنمية، ناهيك عن جماعات أخرى أقل عددا، لكنها تتبع نفس الأفكار الجهادية تحت عناوين فرعية أخرى.

في إدلب، هاج العالم وماج حينما أعلن  النظام السوري وروسيا أنهما يعدان للهجوم على المدينة لتحريرها. وكانت الحجة هي وجود 2 مليون ونصف مليون مدني (في المبدأ، لا أحد يعارض فكرة عدم إلحاق الأذى بالمدنيين)، لكن السؤال هنا: لماذا صمت العالم، وفي المقدمة الولايات المتحدة، حينما شنت تركيا هجومها على عفرين؟ التعداد الأصلي لسكان عفرين أكثر من 500 ألف مدني بالإضافة إلى 300 ألف نازح، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، والآن هناك أكثر من 200 ألف نازح، عدا مئات الآلاف من النازحين الذين لا يعرف مصيرهم بعد سنوات من الأمان الذي عاشوه واقعا.

أما في شمال شرق سوريا، فهناك الملايين من أهل المنطقة، وما يقدر بمليون نازح من مختلف المحافظات السورية، تحت حماية قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من تحالف دولي واسع يضم أكثر من 60 دولة، حررت منذ أكتوبر 2014 عشرات الآلاف من الكيلومترات بمجمل مساحة تبلغ 52 ألف كم.

هذه المناطق هي مناطق استراتيجية مثل منبج، التي كان يتم التخطيط فيها لهجمات طالت أوروبا بحسب ما أفاد اثنان من المسؤولين الأميركيين، وكذلك تل أبيض الملاصقة للحدود مع تركيا، والتي كانت تعد شريان الحياة لتنظيم داعش. هذا بالإضافة إلى الرقة، قلب الخلافة الداعشية التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية قبل أكثر من عام. كما أن  قوات سوريا الديمقراطية حررت كذلك مناطق الهول وجبل عبدالعزيز ومبروكة وتل براك وتل حميس وسلوق. والآن، تعمل هذه القوات على تحرير الجيب الأخير. وليس هناك في كل العالم سوى دولة واحدة هي تركيا “عادت هذه القوات وتدرجها على لائحة التنظيمات الإرهابية”.

كيف للدول الغربية أن تقنع العالم أنها تخاف على حياة السوريين في إدلب المحتلة من جبهة النصرة وأخواتها، وهي تقف في موقع المتفرج على التهديدات التركية التي تشكل خطرا وجوديا على الأكراد والعرب والسريان وبقية المكونات في الشمال السوري، وهؤلاء الذين قدموا تضحيات كبيرة في سبيل إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش وطرده من مناطقهم؟

الأكراد وحلفاؤهم الذين هزموا داعش، حين كانت تركيا الأردوغانية تشرع أبوابها أمام عشرات الآلاف من الجهاديين للدخول إلى سوريا والمشاركة في قتل وترويع المدنيين وتأسيس إمارات طالبانية جهادية، يواجهون الآن تهديدا وجوديا من تركيا

لقد تدخلت الولايات المتحدة بقوة لمنع العملية العسكرية في إدلب، حيث أوقف الروس العملية وجرت “تفاهمات” مع تركيا وغيرها لضبط الأوضاع هناك. والسبب الأساسي وراء كل ذلك الضغط هو أن هناك أكثر من 2 مليون مدني يُخشى عليهم من اندلاع المعارك.

واتفق الجميع على أن هناك جماعة إرهابية موجودة يجب إيجاد طريقة للتخلص منها، لكن دون أن يخوض أحد في الطريقة التي يمكن من خلالها طرد جبهة النصرة وإنهاء وجودها هناك. أما على الجانب الآخر، أي في ما يتعلق الأمر بقوات سوريا الديمقراطية، فلم نسمع أي حديث في المجتمع الدولي عن المخاطر المحدقة بالمدنيين.

الأكراد وحلفاؤهم الذين هزموا داعش، حين كانت تركيا الأردوغانية تشرع أبوابها أمام عشرات الآلاف من الجهاديين للدخول إلى سوريا والمشاركة في قتل وترويع المدنيين وتأسيس إمارات طالبانية جهادية، يواجهون الآن تهديدا وجوديا من تركيا وبقايا الجهاديين والمجموعات المرتزقة التي تأتمر بأمر استخباراتها.

في إدلب حدثت صفقة بين تركيا وروسيا والنظام السوري، وظهرت “تفاهمات” و“مقايضات” حول ملفات أخرى، كما جرى سابقا في حلب، حيث “أخلت” تركيا المنطقة من المجموعات المسلحة المعارضة لتستخدمها فيما بعد رأس حربة ضد قوات سوريا الديمقراطية، بينما سكت الجميع عن الاحتلال التركي لعفرين، ويسكتون الآن عن التهديدات التركية بالهجوم على منبج وغيرها بحجة “الدفاع عن الأمن القومي التركي”!

والعجيب أن هذا “الأمن القومي” لم يتضرر حينما كان تنظيم داعش يحتل منبج وتل أبيض وبقية المناطق المحاذية لتركيا، فربما كان مسلحو داعش يحرسون أمن تركيا، و“حلفاء” لا يمكن لهم أن يقوموا بشيء خارج تعليمات جهاز الاستخبارات المرتبط مباشرة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ذلك الجهاز الذي نقل العشرات من شحنات الأسلحة إلى المسلحين، حسب تقرير الصحافي الشهير جان دوندار، رئيس تحرير صحيفة “حرييت” الذي لاحقه أردوغان ليهرب إلى ألمانيا ناجيا بجلده.

حين يسمح المجتمع الدولي لتركيا بالتوغل في شمال سوريا وقتل وتشريد أهلها، فإنه يتنكر لكل القيم الحرة، وكذلك يعرض أمنه وأمن كل العالم للخطر جراء تمكين داعش مرة أخرى، وتهديد السلم هناك وخلق بؤر طالبانية تشرف عليها تركيا وحكومتها، ولا غرابة في أن يكون تصريح أردوغان القادم هو “إطلاق الجهاديين في تلك المناطق وتوجيههم إلى الغرب”، بعد أن هدد أوروبا ودولها بالحرب الدينية وتحويل شوارع مدنها إلى برك من الدماء!

زر الذهاب إلى الأعلى