تقاريرمانشيت

بينَ ثرثراتِ آستانا وجنيف وأفعال( قسد) جبالٌ شاهقة

ypg-astanaرصدٌ للتطوّرات السياسيّة والعسكريّة الأخيرة.

وتحليلٌ لأدوار تركيا- روسيا- وأمريكا في الشّمال السوريّ.

بقلم : سليمان محمود

تركيا: انقضى شهرُ عسلها مع أمريكا، وقُلبتْ صفحتُها مع روسيا حاليّاً:

تركيا الرافضةُ بشدّةٍ توجيهَ أيةَ دعوةٍ إلى المجموعات الكُرديّة ضمن صفوف المُعارضة. ترفضُ دعوةَ حزب الاتحاد الديمقراطيّpyd الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب ypg، وهي القوّةُ الكرديةُ الرئيسية التي تقاتلُ شمالَ شرق سوريا. تقولُ: حضورهم خطٌ أحمر. تركيا همّها الأكبرُ هو منعُ الكرد توسيعَ سيطرتهم على طول الحدود الشمالية السوريّة. إنها لا تنظرُ إلى حزب الاتحاد الديمقراطيّ كحليفٍ بل كذراعٍ عسكريّ لحزب العمّال الكردستاني. ولعلّ وصول أوّل دفعةٍ من السلاح إلى الكُرد في عهد ترامب، وتصريحاته السابقة حول كُرد سوريا، وإشادته بمُحاربتهم لداعشَ، كلُّ ذلك يشكّلُ مؤشّراً سلبياً بالنسبة لتركيا إزاءَ عهد ترامب، بعد أن وصلتِ العلاقةُ بين البلدين إلى الحضيض أواخرَ عهد أوباما.

تركيا تريدُ فقط وفاءَ واشنطن بمطلبها الأول، وهو أن تقطعَ الولاياتُ المتحدةُ روابطَها مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، وتقولُ أنقرةُ أنهما مجموعتان إرهابيتان مرتبطتان بحزب العمّال الكردستانيّ. وكانت إدارةُ أوباما قد رفضتِ الاستجابةَ لهذا المطلب، وقالت إنّ حزبَ الاتحاد الديمقراطي يختلفُ عن حزب العمّال الكردستانيّ. وتُحاججُ واشنطن بأنّ وحدات حماية الشعب- التي تقدّمُ معظمَ المقاتلين في صفوف قوات سوريا الديمقراطية- قد أثبتتْ أنها حليفٌ فعّالٌ في القتال ضدّ داعشَ. وصعّدتْ أنقرةُ لهجةَ العداءِ مؤخّراً، عندما قال وزيرُ الخارجية والدفاع التركيان إنّ تركيا قد تجدُ نفسها مضطرةً للخضوع للرأي العام والقيام بإغلاق قاعدة إنجرليك الجوية الاستراتيجية أمامَ الولايات المتحدة إذا استمرّ دعمُ واشنطن لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية.

إنّ ممرّ حزب الاتحاد الديمقراطيّ ووحدات حماية الشعب مسألةُ وجودٍ أكثر إلحاحاً بالنسبة لأنقرة. من الواضح أنّ ترامب سيتعاونُ مع روسيا، وهذا يعني بالضرورة إقحام حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في المُعادلة لا محالة. كما باتَ واضحاً التوافق الكبير بين الحزب وموسكو، وهذا يعني احتمال استعانة ترامب بعناصر وحدات حماية الشعب الكردية في عملية الرقّة.

لقد تحوّل حزب التحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب إلى نقطة خلافٍ حسّاسةٍ بين أنقرةَ وواشنطن، فتركيا التي تنظرُ إلى الصعود الكرديّ على حدودها الجنوبية على أنهُ تهديدٌ لأمنها القومي والوطني، ترى أن مشكلتها الأساسيّةَ باتت مع سياسة الإدارة الأمريكية التي لا تتوانى عن مواصلة الدّعم العسكري للكُرد رغمَ مُطالبتها إياها مراراً بوقف هذا الدعم، وهو ما أثارَ الكثير من الجدَل بين البلدين ولا سيما في الفترة الأخيرة من حُكم أوباما، حيثُ تنظرُ أنقرةُ بقلقٍ شديدٍ إلى احتمال استمرار هذا الدعم في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، خاصّةً بعد الأنباء الأخيرة التي تحدّثت عن وصول دفعةٍ جديدةٍ من الأسلحة والمُعدّات المتطوّرة إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تشكّلُ الوحداتُ الكرديةُ عمادَها الأساسيّ.

عملتْ تركيا كلّ ما بوسعها، حيثُ منعتْ بعملية درع الفرات دمجَ الكانتونات في عفرين وكوباني والجزيرة الواقعة في شمال سوريا، لكنها تعرفُ أنّ من قائمة خيارات ترامب أن تمنحَ الكردَ في سوريا دوراً خاصةً في تحرير الرقّة، وهي بالنتيجة مضطرّةٌ بأن تقبلَ بحلٍّ داخلَ الخريطة الجديدة في سوريا، وبأن تتطلّعَ قليلاً إلى البعيد، وبأن توافق على وجود الحزب شرقي نهر الفرات رغماً عنها، وستضطرّ أخيراً إلى إقامة علاقاتٍ وثيقةٍ مع الحزب.

باتَ واضحاً للعيان أنّ تركيا ليست داعمةً للثورة السورية، بل هي داعمةٌ للثورة المُضادة المُتمثّلة بسياسات أردوغان الدّاعمة للإخوان المسلمين في المجلس الوطني والائتلاف. وما يهمّها هو أن يصلَ الإخوانُ إلى سدّة الحُكم في دمشقَ، وذلك بتسهيل مرور الداعشيين عبر الحدود التركية إلى سوريا،( داعش تمثّل الفكرَ السلَفي الوهّابي للإخوان). تصريحاتُ أردوغان الناريّةُ لإسقاط النظام لا تختلفُ عن تصريحات المنظمات الإرهابية المسلحة المتطرّفة لإسقاط النظام، لكن ليس كلُّ مَن يقف ضدّ النظام هو مع أهداف الثورة السياسية.

روسيا: ودورُها الفاعل في الأزمة السوريّة،

هي لا تزالُ اللاعبَ الأقوى رغمَ تعقيد الاحتمالات:

تسعى روسيا لتكون(الدولة) السوريّة تحت وصايتها تماماً، من خلال تكبيلها بالاتّفاقات والوجود العسكريّ، ومن ثمّ التحكّم في قرارها، إلاّ أنه في الوقت ذاته تحرصُ على تصنيع هيبة الدولة السورية، لأنّ وجود دولة ذات أهليّة وسيادة ظاهريّاً يُعطي شرعيّةً لتلكَ الاتفاقات التي أبرمَتها أو سوف تُبرمها، وفي الوقت ذاتهِ يعطي شرعيّةً للوجود الروسي في سوريا، كونهُ جاء بناءً على طلبٍ من تلك(الدولة) إضافةً إلى أنّ تقدُّم هيبة الدولة يتناسبُ طرداً مع تقليص دور الميلشيات التي جعلَتها إيرانُ آليةَ نفوذها وتمدّدها في سوريا، في إطار تصدير ثورتها الإسلاميّة وتجربة الحرس الثوري الإيرانيّ.

ومن ناحيةٍ أخرى تظهرُ روسيا من خلال هذا بأنها الضّامنُ الوحيدُ لعدم تفكّكِ الدولة السوريّة، ولا سيّما بعد تجربة قوى التحالف الدوليّ في العراق وليبيا، فهي تريدُ إبرازَ براعتها على الساحة الدوليّة من خلال إظهار قدرتها على إدارة الأزمات والحروب. وقد ظهرَ سعيُ روسيا لتصنيع هيبة( الدولة) السوريّة من خلال إعادة هيكلة الجيش، والحدّ من تغوّل الميلشيات، وتوزيع المساعدات والاهتمام بأُسر الضحايا العسكريين.

تحاولُ موسكو الاستفادةَ من تراجُع الوضع الميدانيّ للمعارضة بعدَ خسارة حلبَ، ورغبة النظام وإيران في الاستمرار بالحلّ العسكري، ومن اتجاه إدارة ترامب للتركيز في الحرب على داعشَ، وتغيير الأولويات التركيّة، للضغط على المعارضة للقبول بالمُقاربة التي تقترحُها للحلّ قبلَ الوصول إلى جنيف (دستور- حكومة وحدة وطنيّة- انتخابات)، كما تحاولُ موسكو في الوقت نفسهِ التأسيس لمسار مستقلّ في آستانا في حال فشلتْ في فرض شروطها للحلّ في جنيف. وذلك من خلال تجميع أكبر عددٍ ممكنٍ من قوى المعارضة السياسيّة والعسكريّة إلى جانبها، مُستفيدةً من علاقتها الجيّدة بكلٍّ من تركيا وإيرانَ، لتمرير الحلّ الذي ترتضيه في سوريا، وما زالت تروّجُ لهُ منذ بداية الأزمة.

أمريكا: سيناريو جديد مُفاجىء، والدّاعمُ الأقوى للكُرد في سوريا:

في آخر التطوّرات، السيناتور الأمريكي جون ماكين، الذي يشغلُ منصب عضو لجنة الخدمات العسكريّة، قامَ بزيارةٍ سريّةٍ إلى سوريا، للقاء قادةٍ عسكريين أمريكيين وآخرين كُرد في مدينة كوباني الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطيّة. وتأتي زيارةُ ماكين إلى سوريا بالتزامُن مع بحث الإدارة الأمريكية الجديدة خطّةً لقتال داعشَ في سوريا، بعد أن كان الرئيسُ الأمريكي ترامب قد طلبَ من القادة العسكريين تقديمَ خطّةٍ لهزيمة التنظيم، يتوجّبُ تسليمها قبل نهاية الشهر الجاري.

كذلكَ زارَ أنقرةَ، التي كانت قد طلبتْ من ترامب إشراكَ تركيا في عمليّة الرقّة المُرتقبة، بدلاً عن وحدات حماية  الشعب( نواة قوات سوريا الديمقراطيّة)، وصرّحَ مسؤولونَ أمريكيون أنه سيكونُ صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً أن نبدأ عملاً عسكرياً ضدّ داعشَ في الرقة دونَ إشراك القوات الكرديّة.

وقد نقلتْ شبكةُ(سي إن إن) عن مصدرٍ في البنتاغون أنّ وزارةَ الدفاع الأمريكية تدرسُ لأوّل مرّةٍ إمكانيةَ إرسال قواتٍ بريّة إلى القسم الشمالي من سوريا، بهدف تسريع وتيرة الحرب ضدّ داعش، وقال مسؤولٌ عسكري إنّ( القوات التقليدية) من الممكن جداً أن تبقى على الأرض في سوريا بعضَ الوقت.

الكُردُ يملكونَ دعماً سياسيّاً روسياً وأمريكياً، هُم في موقفٍ قويّ:

لقد خاضَ الجناحُ العسكريّ لحزب الاتحاد الديمقراطي سلسلةً من المعاركِ في صراعهِ ضدّ المجموعات المُتطرّفة.

تسيطرُ قواتُ سوريا الديمقراطيّة- التي تشملُ جماعاتٍ عربية وفصائلَ أخرى في شمال سوريا، إضافةً إلى وحدات حماية الشعب- على مساحاتٍ واسعةٍ من الأراضي بمُحاذاة الحدود السورية التركية. وتخوضُ تلك القواتُ حالياً عمليّةً مُتعدّدةَ المراحلِ لتطويق الرقّة ، مدعومةً بضرباتٍ جويّة وقوات بريّة خاصّة من التحالف الذي تقودهُ الولاياتُ المُتحدةُ.

يقولُ مايكل ستيفنس، وهو مُراقبٌ لعملية السلام، يعملُ في معهد الخدمات المَلكيّة المتحدة، بأنّ عدمَ وجود الكُرد في المُحادثات الأخيرة زادَ من منافع الكُرد أيضاً، الذينَ كانوا يشكّلونَ( حقائقَ على الأرض)، حيثُ تمكّنوا وبنجاحٍ من تشكيل منطقة حُكمٍ ذاتيّ بين النظام والمُتمرّدين وتنظيم داعش. ويقولُ أيضاً: إنّ اتّخاذَ السعوديةَ وتركيا موقفاً مُتشدّداً وضَعهما في طريق حلفائهم الغربيين، الذين تعهّدوا بتقديم الدعم لكليهما( المعارضة لتُقاتلَ ضدّ النظام) و( الكُرد ليقاتلوا ضدّ تنظيم داعش). الكُردُ يملكون دعماً سياسياً روسياً ودعماً سياسياً أمريكياً. وهُم في موقفٍ قويّ.

قواتُ سوريا الديمقراطيّة تمكّنتْ الثلاثاء الفائت من قطعِ طريق دير الزور- الرقّة، وتنظيمُ داعشَ بدأ مرحلة الانهيار الحقيقيّ في سوريا، سواء من خلال تقدّم قوات سوريا الديمقراطية في ريف الرقّة مُدعّمة بطائرات التحالُف الدوليّ، أو من خلال التقدّم الذي يجري في ريف حلبَ الشرقيّ من قبل قوّات النظام السوريّ، ووصولها لنحو 5كيلو متر من مطار الجرّاح العسكريّ ونحو 9 كيلو متر عن منطقة الخفسة، وتنظيمُ داعشَ بدأ يتّخذُ المدنيينَ كدروعٍ بشريّةٍ، بالتزامُن مع سماحهِ لعوائلِ مُقاتليه فقط بالانتقال والنزوح من ريف حلبَ الشرقيّ، والأتراكُ، بعد انتهاء مفعول الاتفاق الروسي- التركيّ- بالسيطرة على منطقة الباب، لديهم عدوٌّ رئيسيّ في سوريا، وهو ليسَ تنظيمُ داعشَ، إنما الكُردُ ووحداتُ حماية الشعب في سوريا، هُم مَن يُستهدَفونَ الآنَ من قبل تركيا.

في الواقعِ، من الواضحِ أنّ كُردَ سوريا هم المُستفيدُ الأكبرُ من الخلاف الأمريكي التركيّ، ولعلّ ما قد يُفاقمُ هذا الخلافَ في المرحلة المُقبلة هو استمرارُ الدعم الأمريكيّ للقواتِ الكُردية، بما يُشجّعُ هذه القوات على التقدّم أكثرَ، سواء في إيصال الكانتونات الثلاثة ببعضها البعض من ديريكَ شرقاً إلى عفرين غرباً، أو حتى القيام بدورٍ أساسيّ في معركة تحرير الرقّة من داعشَ، إذ في جميع هذه الأحوال أصبحَ الكُردُ مُفردةً صعبةً في المُعادلة السوريةِ حرباً أو سلماً، وبما يُكرّسُ دورَهم في المنطقة.

أزمةُ منبج تمرُّ بسلامٍ، ونجاحُ(قسد) في عدمِ استنزاف قواها مع تركيا:

أنذرتْ تطوّراتُ الوضع في الشمال السوريّ بوقوعِ حربٍ شعواءَ بين ما يُسمّى بالجيش الحُرّ وقوات سوريا الديمقراطيّة، في ظلّ إصرار الطرف الأوّل بدعمٍ من تركيا على السيطرة على منبجَ، وإصرار الطرف الثاني بدعمٍ من أمريكا على رفض الخروج منها. وبذلكَ عادتْ منبجُ إلى دائرة الضّوء مذ أعلنتْ تركيا أنها الهدفُ المُقبلُ لحملةٍ عسكريّةٍ تشنّها مع فصائلَ سورية مُعارضة في شمال سوريا، لإبعاد تنظيم داعش والمُسلّحين الكُرد عن حدودها. وبالفعلِ هاجمتْ قواتُ الجيش التركيّ والجماعاتُ المُسلّحة المُتحالفة معها قرى يسيطرُ عليها مجلسُ منبج العسكريّ، وبتكتيكٍ مرحليّ ولعدم استنزاف القوى حالياً والاستعدادُ لمعركة الرقّة، تحاشتْ قوات سوريا الديمقراطية هذا التصادم المقصود، وقامت بالتنسيق مع القوات الأمريكية و مسؤولين روس لحماية وتأمين القرى الحدودية معها، وقطع الطريق أمام أي تقدّمٍ للجيش التركي باتجاه الجنوب الشرقيّ.

وقد أعلنت وزارةُ الدفاع الأمريكيّة أنها نشرتْ قوّاته في مدينة منبجَ بريف حلب هناكَ بهدف( الردع) مؤكّدةً أنهُ ( لا يوجدُ حاجةٌ لزحف الآخرين لتحرير المدينة)، في إشارةٍ إلى قوات حملة درع الفرات. إنّه إشارةٌ واضحةٌ للطمأنة، وهي المرّةُ الأولى التي تقومُ فيها واشنطن بشيءٍ كهذا. وفي بيانٍ لهُ أكّدَ مجلسُ منبج العسكريّ أن مدينةَ منبج أصبحتْ تحت حماية قوات التحالف الذي تقودهُ الولاياتُ المتحدةُ ضدّ تنظيم داعشَ، وذلكَ بعد تزايُد التهديدات التركية باحتلال المدينة.

ومن الجدير بالذكر أنّ( مجلس منبج العسكريّ) جزءٌ من تحالف( قوات سوريا الديمقراطية) الذي تدعمهُ أمريكا.

السباقُ إلى الرقّة، والكُردُ يُثبتونَ أنهم الأسرعُ حتى الآن:

تتسابقُ ثلاثُ قوىً محوريّة في المنطقةِ للسيطرة على مدينة الرقّة وانتزاعها من قبضة تنظيم داعشَ، تركيا وروسيا والكُردُ، وقد كان كلٌّ منهم قدّمَ إلى الإدارة الأمريكيةِ بقيادة ترامب خُططهم للسيطرة على الرقّة، ويتسابقُ الجميعُ على تحسين وضعِ قواتهم على الأرض، قبل انتهاء وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون من تقديم الخطّة التي طلبها الرئيسُ الأمريكي قبل نحو شهرٍ.

وبطبيعة الحال الكُردُ هُم الأقربُ إليها، ويتضمّنُ عرضُ(قسد) قيامَ البنتاغون على تدريب ودعم حوالي 30 ألفٍ من قوّاتها، استعداداً لبدء معركة الرقّة، وسطَ اعتقاد واشنطن بأنّ الكردَ هم الأكفأُ في قتال تنظيم داعشَ، وأنّ تقدّم درع الفرات بدعم الجيش التركيّ في الباب كان بطيئاً، إضافةً إلى عدم رضاها عن التنسيق بين الجيشين التركي الروسي في الباب، الذي قد تتخذهُ ذريعةً لعدم القبول بالمُشاركة التركية في معركة الرقّة.

(قسد) والتي يقودها المقاتلون الكُرد استبقتِ الأحداثَ وأعلنت عن المرحلة الأولى من عمليّة( غضب الفرات) الهادفة إلى عزل الرقة عن ريفها الشماليّ في6 تشرين الثاني الماضي، وبدأتِ المرحلةَ الثانية في 10 كانون الأول وشملتِ الريفَ الغربيّ، فيما أعلنتْ عن المرحلة الثالثة في 24 شباط، وتشملُ الريفين الشمالي الشرقي والشرقي للمدينة، بحيثُ تعزل المدينة في غضون شهرين.

إنّ الطرفَ الوحيدَ فعليّاً الذي يمتلكُ حريّةَ الحركة، ويتابع التقدّم مُستغلاًّ الوقتَ وقصف طيران التحالف باتجاه الرقة، فهُم الكُردُ، الذين يتقدّمونَ بشكلٍ مُستمرٍّ باتجاه المدينة ومحيطها، ويعلونَ على ضربِ حصارٍ وقطع اتّصال المدينة بمُحيطها، في حين بقيّة الأطراف ما تزالُ بعيدةً عنها مسافاتٍ كبيرة نسبيّاً، ما يعني أنّهم المُرشّح الأساسيّ لدخول المعركة، فإضافةً لقُربهم يُعتبَرونَ الجهةَ الأكثرَ ولاءً لأمريكا.

غير أنّ ثمّةَ أموراً أخرى في معمعة التحليلات والمخططات، فصحيحٌ أنّ قوات سوريا الديمقراطيّة تملكُ أشجعَ وأقوى المقاتلين على الأرض، لكنها لا تمتلكُ العددَ من العناصر، وهذا ما يؤكّدُ طلبها من الإدارة الأمريكية تدريب30 ألف من عناصرها، خصوصاً أنها تواجهُ صعوباتٍ في تأمين العناصر، وهي كذلكَ لا تستطيعُ تحمّل كميّة كبيرة من الخسائر، فالتنظيمُ سيُقاتلُ بضراوة ولن يُسلّمَ المدينةَ بسهولةٍ، خصوصاً مع العدد الأكبر من مقاتليه في المدينة مُقارنةً بكلّ المناطق التي قاتلَ فيها سابقاً، إضافةً لكَمّ الاستعدادات والاستحكامات الهندسية والدفاعيّة التي بناها خلالَ الفترة الماضية، ولا يُعرَفُ تماماً ماذا يُحضّرُ من مفاجآتٍ للمُهاجمين.

هذا كلّهُ ما قد يلوّحُ بالأمريكان بإمكانية إشراك أطرافٍ ثانيةٍ في المعركة، سواء الترك أو درع الفرات أو حتى النظام والحشد الشيعيّ، إضافةً إلى الكُلفة الهائلة للمعركة. فمعركةُ الفلّوجة شاركَ فيها قرابة 80 ألف عنصر من الجيش العراقي والحشد الشيعي، ثمّ في معركة الموصل يشاركُ قرابة 150 ألف عنصر من عدّة قوى من بينها الحشد الشيعيّ والجيش العراقي والبيشمركة وغيرها من القوى المختلفة مدعومين بطائرات قرابة عشرين دولة.

والأيامُ القادمةُ ستبيّنُ لنا الأمورَ بشكلٍ أوضحَ ربما، أمّا آخرُ الكلام فهو عند (قسد)، حيثُ أعلنتْ حملةُ غضب الفرات التي تقودُها قواتُ سوريا الديمقراطيّة سيطرةَ عناصرها على الطريق الواصل بين الرقة ودير الزور، ووصول مقاتليها إلى ضفافِ نهر الفرات، وذلكَ بهدف تشديد الخناق على إرهابيي داعشَ، وذلك خلالَ المرحلة الثالثة لتحرير الرقّة.

وجاء ذلكَ  بعد السيطرة على 7 قرىً من محور أبو خشب والتقدّم على محور بير الهباة، وتهدفُ المرحلةُ الحاليةُ من الحملة إلى السيطرة على الريف الشرقيّ والجنوبي لمُحافظة لمُحافظة الرقّة وقطع الطريق  بين المدينة ودير الزّور.

 

زر الذهاب إلى الأعلى