مقالات

“بوستات فيسبوكية” غررت بأصحابها

مصطفى عبدو

موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وغيره من المواقع (الإلكترونية) الأخرى تسهل الطرق وتقرب المسافات بين الناس وتلغي الحواجز، تلك التي وضعتها المجتمعات أو الطبيعة الجغرافية أو العرف والعادات بين الشعوب. الفضاء الرحب والحرية المتاحة في هذه المواقع جعل الكثيرون يستفيدون من هذه المواقع. يصف المفكر (إمبرتو إيكو) بعض المستخدمين لهذه المواقع “أنها تمنح حق الكلمة للجميع ممن كانوا يتكلمون في البارات بعد تناول كأس من النبيذ، وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم حق الكلام، مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، إنه غزو البلهاء”.

نعم, تغزو هذه المواقع، كم هائل من كتابات “بوستات” أو نتاجات (أدبية وفكرية وأحياناً سياسية)،لا تخلو من النبذ والتشفي وتضج بأخطاء والسقطات قاتلة, أو أخبار محررة دون الاعتماد على مصادر موثوقة أو مدح لنصوص شعرية بما ليس فيها!. وتتوالى الأخبار الكاذبة والمعلومات المزيفة الملفقة وتنسيب أقوال لبعض الشخصيات الهامة في المجتمع، في محاولة للتشفي منهم لا أكثر.

وبمناسبة حديث إمبرتو إيكو عن الغزو نذكر قصة ذات مغزى.. وهي أن قوماً من العرب ذهبوا للبحث عن مرعى جديد وأوصوا أحدهم على أن يكون حارساً على إبلهم وحلالهم من الغزاة، وأثناء بحثهم غزاهم قوم آخرين وسلبوا إبلهم وعندما رجعوا لمضاربهم وسألوا حارسهم أين الإبل والحلال ؟ قال لهم لقد “غدوا بالإبل لكنني أوسعتهم شتماً”, فكما يبدو علينا أن نساير هؤلاء في منشوراتهم كرهاً أو طوعاً بسكوتنا والاكتفاء بالسب والشتم…

يقول أحدهم: الكتابة الالكترونية تشجع الشباب على الكتابة والتعبير عن آرائهم بحرية، وليس المطلوب اليوم أن يتبحر الكاتب الفيسبوكي في المطالعة أو يكون لديه ذخيرة ثقافية فكل ما عليه أن يكتب ما يشعر به فقط, إنهم يكتبون مشاعرهم وانطباعاتهم ويفرغون شحناتهم ليس إلا, ولا يهم وجود الأخطاء اللغوية في تلك البوستات، التي تؤكد غياب الخلفية الثقافية لدى كتابها. والأنكى مشاطرة مئات المعجبين والمعلقين المتفاعلين معهم حتى أن بعضهم ينقل البوست بأخطائه المتراكمة ومضمونه (…) لينشرها في مكان آخر. ونخشى ما نخشاه أن يظن هؤلاء أن كل ما ينشر على الفيسبوك صالح للنشر وأنه بات كاتباً أو شاعراً أو خبيراً سياسياً ويحق له التشهير بهذا أو ذاك كل ما يدونه هو الصواب..

ننوه هنا بأننا لا نطالب بأن يكون الكاتب زمخشرياً أو سيبويه زمانه أو خبيراً سياسياً، ولا يعيب أي نص وجود بعض الأخطاء لكن للكتابة هيبتها وأصولها التي يجب أن تراعى، وعليه فأننا نقول حبذا لو أن كاتب البوست أو الخبر اعتمد قليلا على بعض المصادر ووسع مع آفاقه الفكرية وابتعد عن التشفي وتلويث الحقائق وحاول التخلص من بعض الأخطاء قليلا على الأقل قبل أن يخط هذا البوست أو ذاك.

ما أتحدث عنه, لا يحتاج إلى عناء كبير لتتبعه، فالعينات متوافرة بكثرة والكتابات الفيسبوكية المقصودة  تتكرر أمام أعيننا في كل يوم عشرات المرات..

زر الذهاب إلى الأعلى