مقالات

بعد 10 سنوات من الأزمة السورية من أصاب ومن أخطأ ؟


عبد الكريم ساروخان
قبل عشر سنوات خرج السوريون إلى الساحات والشوارع في ثورة سلمية مطالبين بالحرية والكرامة، بيد أن النظام بتعنته وإصراره على استخدام العنف، وبعض القوى المرتبطة بأجندات إقليمية استطاعت تحويل مسار الثورة نحو العنف خدمة لأفكار دينية متطرفة، مع كل محاولة الادعاء بأنها تمثل الثورة، إلا أنها أصبحت مزيجاً من الحرب الأهلية والطائفية، حيث قتل مئات الآلاف ونزح الملايين، وأصبح أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر.
بعد عشر سنوات وما زال الشعب السوري بجميع مكوناته يمر بمرحلة عصيبة جداً، اجتماعياً، وسياسياً،وثقافياً، وحتى على المستوى الأخلاقي نستطيع أن نقول أن من جعلوا من أنفسهم ممثلين عن الشعب السوري،خلال هذه الأزمة أظهرت الأيام بأنهم كانوا عملاء أو على علاقة تبعية ببعض الدول الإقليمية، بمساهمتهم في تدمير الثورة منذ بداياتها، فهم لم يمثلوا يوماً لا الثورة ولا الثوار مهما أدعوا ذلك، وخاصةً ان انتهاكات وممارسات تلك القوى، تجاوزت انتهاكات النظام الدكتاتوري، بل وصلت إلى حدود جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفق تقارير دولية وحقوقية عديدة.
انتهاكات المجموعات الإرهابية التي تسترت بستار المعارضة، لا علاقة لها بالثورة، بل هي ممارسات لا يرتكبها سوى المرتزقة، وهم حالياً مجموعة من الفصائل المسلحة التابعة بمعظمها للاحتلال التركي، تضم في صفوفها اللصوص والقتلة، الذين كانوا يوماً ما من أركان النظام، أو كانوا عناصر تنظيم داعش أومجموعات دينية وسلفية متطرفة، وهذه المجموعات تعمل على تدمير وحدة المجتمع السوري بمختلف أطيافه وموزاييكه وثقافته المتنوعة.
ورغم أن المكونات السورية خرجت إلى الساحات والأزقة مطالبة بالحرية والكرامة، ونادت بصوت واحد من أدنى الجنوب السوري إلى أقصى شماله، من دون التمييز بين دين وعقيدة وقومية ومذهب، لكن تلك المجموعات حاولت مصادرة طموحات هذه المكونات ، وركبت موجة الثورة لجعلها تخدم أفكارهم وأيديولوجيتهم المتطرفة، تحت مسميات زائفة بعيدة عن الثقافة الشعب السوري وعن حقيقة المجتمع السوري.
بينما في شمال شرق البلاد، كان الفرق شاسعاً والوضع مختلفاً، حيث خرج الكرد أيضاً إلى الشوارع والساحات مطالبين بالتغيير، ليكونوا جزءاً من الثورة المنتفضة ضد الاستبداد والإنكار والاضطهاد والقمع والاستغلال،وكان قادة هذه الثورة كلهم إيماناً بوحدة سوريا، من خلال السعي إلى عملية التحول الديمقراطي،ذهنياً وفكريا وعلى أرض الواقع.
وبعد مرور عشرة أعوام اتضح بأن من كانوا يسمون أنفسهم بربان السفينة السورية والمجتمع السوري، كانوا بعيد كل البعد عن النهضة الفكرية التي يحتاجها المجتمع السوري بشكل عام لتحقيق ثورة حقيقة، وهو ما كان في صلب ثورة التي انطلقت في مناطق شمال البلاد، لتكون بديلاً عن النظام الدكتاتوري من جهة، وتصحح مسار الثورة من جهة أخرى، وتمثلها على أكمل وجه، وعبر التضحيات والانجازات في الساحة العملية، وبما يخدم كل المكونات بدون إقصاء أحد.
لم تكن هدف ثورة روجافا تغيير بعض الشخصيات في السلطة ولا حتى رأس النظام ، بل كان الهدف هو التحول نحو الديمقراطية عموماً في كافة المؤسسات والميادين الثقافية و الاجتماعية والسياسية، فهي لم تكن ثورة شكلية كما أرادها البعض، بل كانت ثورة ذهنية وثقافية شاملة، أسفرت عن تغيرات في بنية المجتمع, و تطورات في كافة المجالات يمكن تلمسها ومعايشتها في مناطق شمال وشرق سوريا بالرغم من الحصار والحروب والهجمات التي استهدف تلك التجربة التي تمثل الأمل في التغير الحقيقي بعموم سوريا.

وأصبحت ثورة روجافا وشمال شرق سوريا منارة وقبلة لأحرار العالم وملاذاً آمناً لكل المكونات، كما أصبحت مركزًا يراوده المنظمات والباحثين وهيئات رسمية ووفود دولية، واكتسبت احتراماً لدى الشعوب في دول العالم المتحضر، رغم ظروفها العصيبة، حيث تتكالب عليها قوى محلية وإقليمية وبمساندة وغطاء دول مؤثرة، وهي التي حافظت على وحدة جغرافية سوريا بالدرجة الأولى ومن ثم استطاعت أن تنجز ثورة شاملة من كافة النواحي بخصوص التطور الفكري والأيديولوجي، وشكلت علاقة متينة بين المكونات والمجتمعات على أسس العيش المشترك وثقافة التآخي والسلام ووحدة المصير والعمل معاً لبناء سوريا ديمقراطية لا مركزية، كما أن ثورة روجافا استندت إلى مفاهيم الديمقراطية الحقيقة، وثقافة الحرية والتعبير الحر والعمل المؤسساتي والإداري، بعيداً عن مفهوم السلطة والدولة المناهضة للمجتمع.
وعلى هذا الأساس ,يتوجب على جميع المكونات الوقوف مع هذه الإدارة التي هي في خدمة الجميع دون استثناء، وخصوصاً الكرد، لكن مع الأسف أختار البعض خط التبعية، وربطوا مصيرهم مع التيار المعادي لهذه الثورة والتجربة، رغم أن كل الحقائق تؤكد أن تلك القوى ليس لديها مشروع ثورة كما تدّعي، واختارت الارتزاق على أبواب أنقرة وغيرها من العواصم، ومن هنا فإن العودة إلى الخط الوطني هو ضرورة في هذه المرحلة، ومن متطلباتها هو عدم وضع الشروط التعجيزية في مسار الوحدة، ومعرفة العدو الحقيقي وتحديده، والتمسك بالمصالح العامة وترك المصالح الحزبية والشخصية والعائلية، والثورة بكل الأحوال ستسير ومن يعادي الثورة فهو يعادي شعبه ولن يرحمه التاريخ، وعلينا استغلال هذه المرحلة المصيرية لتحقيق طموحات الشعب الذي ينتظر بالفعل بناء وطن حر ومستقل وديمقراطي.

زر الذهاب إلى الأعلى